اختراقات نحو فضاء سياسي جديد

اختراقات نحو فضاء سياسي جديد

رغم التشكيك والرفض والمعاداة والسذاجة وغيرها، اختتمت أعمال الجولة السابعة من جنيف، محققة العديد من النتائج الإيجابية، والاختراقات الجديدة، المضافة إلى نتائج الجولات السابقة، معززة من رصيد الحل السياسي، والمتمسكين فيه والداعمين له.

وبعيداً عن مساعي خلق أجواء سلبية عبر الشحن الإعلامي الذي تلى جنيف بجولته الأخيرة، أو الذي استبق بدايته، من قبل جميع الأطراف المتضررة من الحل السياسي، كما من مفرزاته ونتائجه اللاحقة، مع ارتداداته وانعكاساته على المستويات كافةً، المحلية والإقليمية والدولية، فإن ما خلصت إليه نتائج جنيف يعتبر صفعة جديدة بوجه هؤلاء جميعاً، خاصة مع الاختراقات والنتائج الجديدة، التي تمخض عنها، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
تعزيز مسيرة الحل السياسي وفقاً للقرار الدولي 2254، والمضي قدماً باتجاه استكماله، والتأكيد على ذلك عبر البرنامج الزمني للجولات القادمة التي أعلن عنها دي مستورا، على شكل جولات شهرية متتابعة حتى نهاية العام الحالي.
تكريس عمليات التفاوض بعيداً عن أجواء الشروط المسبقة، التي كانت أحد الأسباب المعيقة في مسيرة الحل السياسي سابقاً، والتي كثيراً ما تم الرهان عليها، وثبت بالدليل القاطع خسارة جميع المراهنين، من جميع الأطراف، عليها.
التمسك ببحث السلال الأربع على التوازي (الدستور- إدارة البلاد- محاربة الإرهاب- الانتخابات)، في إبعاد تام ونهائي لفكرة التسلسل، التي كانت أيضاً من معيقات هذه المسيرة، وأيضاً مع خذلان كل من راهن على تفجير أجواء جنيف، عبر مثل هذه الطروحات.
تعزيز عمل الاجتماعات التقنية بين الجولات، والتأكيد على استمرارها، والبناء على نتائجها في جولات المفاوضات بشكل عملي، وهو ما تم التأكيد عليه من قبل جميع المتفاوضين.
الاختراق على مستوى تشكيل الوفد الواحد للمعارضة، وتذليل الصعوبات أمام هذا التشكيل، بعيداً عن أنماط الاحتكار والهيمنة، مع الاحتفاظ بخصوصيات البرامج المستقلة لكل من أطراف المعارضة، حتى أنّ دي مستورا نفسه كان مستغرباً من هذا الاختراق، ولم يُخف ذلك، بحيث أن تشكيل الوفد الواحد قاب قوسين أو أدنى من التحقيق.
التأكيد على ضرورة تمثيل الأكراد في المفاوضات، وعلى لسان المبعوث الدولي هذه المرة، باعتبار أن هذا التمثيل، وبغض النظر عن كونه ضرورة وطنية، فهو حق مشروع، باعتبارهم شريحة واسعة من الشعب السوري، مع عدم إغفال دورهم ووزنهم على مستوى مقارعة الإرهاب ومحاربته طيلة السنوات السابقة، وما يمكن أن يقدموه على هذا الصعيد مستقبلاً.
تعزيز عمليات وإجراءات التمهيد للمفاوضات المباشرة اللاحقة، بنتيجة كل ما سبق، مع ما يعنيه ذلك من تتويج إيجابي لجملة النشاط السياسي للتنفيذ العملي للقرار 2254 كمحصلة ونتيجة ختامية.
تضافر جهود وواقع موضوعي
على ذلك يمكننا القول أن مجمل النتائج الإيجابية المحققة في هذه الجولة، كما غيرها من الجولات التي سبقتها، كانت:
أولاً: ثمرة من ثمار الجهود المبذولة من قبل أصحاب مشروع الحل السياسي والمتمسكين فيه، مع أنصارهم، عبر بوابته الدولية المتمثلة بالقرار 2254، كما من قبل الداعمين لهذا الحل، محلياً واقليمياً ودولياً.
ثانياً: نتيجة لانحسار وتراجع قوى الحرب والتصعيد، مع ضعف وتفكك أدواتها، المباشرة وغير المباشرة، وخاصة الإرهابية منها الممثلة بـ «داعش» و»النصرة»، بنتيجة جملة من العوامل، بما فيها العوامل الميدانية.
ثالثاً: كانت نتيجة موضوعية للمتغيرات السياسية الدولية، وخاصة تزايد الدور الروسي على مستوى التوازن الدولي الجديد، حيث مارست روسيا دورها ووزنها ضاغطة على كل القوى المعيقة والمعرقلة لمسيرة الحل السياسي، محلياً واقليمياً ودولياً، رغم كل محاولات التشويش على هذا الدور وأهميته، وضرورته الوطنية.
رابعاً: نتيجة تزايد دور وفاعلية القوى الصاعدة دولياً، وخاصة على مستوى العلاقات الدولية، وموقفها باتجاه تعزيز دور الشعوب في تقرير مصيرها، بعيداً عن أنماط تغيير الأنظمة والثورات الملونة، المُسيّرة عن بعد لمصلحة القوى الآفلة، وعلى رأسها أمريكا وحلفاؤها، الماضون نحو الانكفاء حالياً، والأفول مستقبلاً.
سادساً: نتيجة للمتغيرات الطارئة على مستوى التابعين والملحقين بالقوى الآفلة، محلياً واقليمياً ودولياً، وانحسار دورهم، واهتلاك إمكاناتهم واستنفاذ أدواتهم ووسائلهم، كنتيجة موضوعية لمجمل المتغيرات بالتوازن الدولي والعلاقات الدولية.
تقدم وانكفاء
وفي التفاصيل لا بد من التذكير ببعض المفاصل الرئيسة على هذه المحاور:
أولاً: اتفاق مناطق خفض التصعيد من قبل الدول الضامنة (روسيا- إيران- تركيا)، تعزيزاً لاتفاق وقف إطلاق النار السابق وتعميقاً له.
ثانياً: اللقاء الروسي الأمريكي، وما تمخض عنه، وخاصة على مستوى الملف السوري من اتفاق على وقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية الغربية من سورية، في كل من درعا والقنيطرة والسويداء، كملحق لاتفاق مناطق خفض التصعيد آنفاً، مع ما يعنيه ذلك من تأثير على مستوى المزيد من حقن الدماء، ودفعاً لمسيرة الحل السياسي كنتيجة، وبما يعبر عن تراجع، لم يعد خافياً، لقوى الحرب وتصعيد الأزمات في الصراع الدائر في القوى الممثلة بالإدارة الأمريكية، مع انعكاسات هذا التراجع على مستوى الأتباع والملحقين.
ثالثاً: أزمة الخليج، وتوابعها، مع ما تمثله من نتائج على مستوى التفكك الإقليمي لأتباع وحلفاء أمريكا في المنطقة، كتمظهر واضح لأفول الفضاء السياسي القديم، بعلاقاته وتشابكاته، وبأدواته ووسائله، مع عدم إغفال مساعي لحق الركب بالفضاء السياسي الجديد، من قبل البعض، ولعل مثال قطر وتركيا، وغيرها، واضح بهذا المجال.
رابعاً: تصريحات الرئيس الفرنسي، وما تمثله من مساعِ لإعادة التموضع الفرنسي على خارطة العلاقات الدولية الجديدة الناشئة، ووفقاً لقانونيتها وأحكامها وتوازناتها، كتعبير جلي وواضح لتوجهات العديد من النخب السياسية على الساحة الأوربية، كما يجب ألا يغيب عن أذاهننا بهذا الصدد اللقاء الثلاثي الذي جمع كلاً من بوتين وماكرون وميركل، على هامش أعمال قمة العشرين الأخيرة.
الحل السياسي في العمق
ولعل كل ذلك يؤكد مرة أخرى على أن الملف السوري، بمقدماته ونتائجه، وخاصة على مستوى الحل السياسي المتمثل بالقرار الدولي 2254، يعتبر واحداً من أهم بوابات العبور نحو الفضاء السياسي الدولي الجديد، الذي بدأ يتشكل وتقوى عزيمته، على أنقاض الفضاء السياسي القديم الآفل والمتهاوي، مع كل ما سيرافق ذلك من تهاوٍ للكثير من الأوهام وأحلام اليقظة، التي ما زال البعض يراهن عليها عبثاً ويأساً.
بالمقابل يجب ألا يغيب عن أذهاننا أنه وبرغم كل التقدم الجاري على محور الحل السياسي، ومحور الفضاء السياسي الجديد، وبرغم كل التراجع والانكفاء والتفكك على محور الحرب والتصعيد، ومحور الفضاء السياسي الآفل، إلا أن هذا الأخير لم يستنفذ إمكاناته كلها بعد، كما أن الأول لم يستخدم جميع إمكاناته ويستنهضها كذلك الأمر، وبالتالي فإن المساعي اليائسة للعرقلة والإعاقة، كما المساعي اليائسة للإحباط والتيئيس، ستبقى قائمة ومستمرة لدى القوى الآفلة والمتراجعة، حتى الرمق الأخير من إمكاناتها وإمكانات أتباعها، وأدواتهم ووسائلهم المشتركة.
ولعلنا لا نبالغ بالقول أنه كما كانت الفاعلية الشعبية والجماهيرية هي الدافع في عمليات الفرز والمواجهة حتى الآن مع المحور الآفل وداعميه، فسيكون لها الدور الأساس في عملية الحسم والمواجهة، مع كل القوى الآفلة وبشكل نهائي وناجز من كل بد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
819