«دعاية التقسيم على دعائم رخوة»
كلما علا الصرير... فهذا يعني بأن مفصلاً صدئاً قد بدأ يتحرك، ومثلما ينطبق هذا على أداء القوى السياسية عالمياً، فإنه أيضاً ينسحب على القوى السياسية السورية التي تئن تحت نقلات الواقع التي تدفع تيار التغيير مخالفاً لاتجاه أشرعتها...
يصيح الكثيرون اليوم حاسمين بدنو ما حذروا منه مراراً وتكراراً، عندما تحدثوا عن «صفقات التقسيم» والحلول التي ستوقع من «تحت الطاولات». ولا نقصد هنا السوريين المنفعلين تحت ضغط آلة الإعلام التي «تعرف الخبايا»، بل نقصد المصالح العميقة التي تدفع بعض القوى السياسية إلى تسويق اليأس بكل الأشكال المبتكرة الممكنة.
المعطيات التي تبنى عليها هذه المخاوف، هي ما نتج عن اتفاق الآستانا من حديث عن مناطق التهدئة وهذا أولاً والأهم، وكذلك استخدام القضية الكردية المتكرر، سواء في الإقليم كما في حالة العراق، أو في الشمال السوري مع التواجد الأمريكي في المنطقة.
خائفون من التقسيم أم من التهدئة!
وإن كان الملف الثاني هو الشائك والأكثر جدلاً، فإن الأول أي نتائج الآستانا، التي أصبح موعدها القادم على الأبواب، هو محرك التصعيد المفتعل للمخاوف. فالاتفاق بنجاحه واستكمال رسم خرائطه، يعني وقف العنف بمساحات واسعة، وإتاحة الفرصة لملايين من السوريين ليخرجوا من تحت رحى الحرب، وأن تعود مناطقهم لتتحول من ساحات معارك إلى أماكن قابلة للعودة إلى أماكن مستقرة، والأهم أنها تعزل أماكن المعارك بمراكز تواجد الإرهاب وتحدد مساحة وطبيعة المعركة، وكل ما سبق هو أهم الأسس الداعمة للانتقال إلى مستوى فعال من تطبيق القرار 2254 أي الوصول إلى تطبيق خارطة طريق الحل السياسي للأزمة السورية، والتي تضع أسس استعادة الوحدة الوطنية والسيادة للبلاد فعلاً لا شعارات، وذلك ببساطة لأنها تسمح بتغير توازنات القوى المحلية، فعموم السوريون ستسنح لهم الفرصة ليكونوا جزءاً من العمل السياسي ومن التدخل بمصير البلاد، هذه الفرصة التي سلبت منهم عبر السلاح والعنف والتدويل. ولذلك فإن الخائفين من «تدخل» السوريين الحقيقيين في شؤون بلادهم، يهولون من خطر كل إجراء جدي...
استعصاء الحركة في الورقة الأخيرة!
أما حول المعطى الثاني الذي يدعم «تخوفات التقسيم» أي القضية الكردية، فإن المسألة تتطلب إعادة ترتيب بعض المعطيات. فمشروع الفوضى الأمريكي يدعم فكرة التقسيم، ومشروع كهذا لا يمكن أن يستند إلا على واحد من المفاصل الرخوة، لذلك يحاول الأمريكيون استخدام واحدة من الأزمات الوطنية العميقة في المنطقة، التي تستوجب حلاً ليس وطنياً فقط بل حلاً إقليمياً واسعاً يعيد للكرد حقوق مواطنتهم المسلوبة بمستويات متفاوتة في دول المنطقة، وفي إطار وحدة مصالح شعوبها واستقرارهم. والأمريكيون يسعون لتحويل هذه القضية إلى «فالق قومي مستقر» ومحرك جديد للصراع، علّ مساعي فرض الحلول السياسية في المنطقة تتعقد وتحديداً الحل السوري، الذي يعلم الأمريكيون أكثر من غيرهم أن نجاحه يعني «انتشار العدوى».
إن محاولة قوى الفاشية الأمريكية استخدام الورقة الكردية محدود بضغط الواقع، فهي بتصعيدها بهذا الملف تحديداً، قد تخسر سريعاً ما بقي من قوى حليفة في تركيا وحتى في العراق، وتعمق من الاتجاه الدولي الإقليمي الذي تحدد سمته وتولد مبادراته روسيا، وتنخرط به كل من تركيا وإيران، فاللعب الأمريكي على حبل القضية الإقليمية الأكثر تشابكاً أي القضية الكردية يعني تعمق كبير للتحالفات في المنطقة القائمة على فكرة الرد على التصعيد الامريكي، ويعني خروجاً سريعاً من الحلول الجماعية لأزمات المنطقة، وخسارة سياسية طويلة الأمد.
إن دعائم فكرة التقسيم واهية، لأن الحامل الأمريكي لهذا المشروع يلوح بورقة وحيدة أخيرة لم يمسكها بقوة بعد، ويضاف لهذا الانقسام الداخلي العميق على مآلات السلوك في المنطقة، فهناك في الولايات المتحدة من يريد التصعيد مهما كان الثمن، وهناك من يريد القول أن نتائج التصعيد والخسارة قد تكون خروج شبه نهائي للأمريكيين من المنطقة عبر تعميق «الجفاء مع الحلفاء» وتعميق العلاقات الجديدة البديلة.
الولايات المتحدة تحاول أن تمسك بزمام هذه الورقة الأخيرة، وتريد أن تحارب وتفاوض وتتحالف وفقها! وكل هذا يجري وسط انقسام أمريكي عميق، ولذلك فإن هذا التصعيد في الحديث عن التقسيم قد لا يكون سوى «ضربة شعيرات» أو «رقصة جنادرية» لا تقدم ولا تؤخر!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 813