تحالف المأزومين..!
ثلاثة أحداث بدت أنها علامات فارقة، في استعادة دور واشنطن: تصعيد في الأزمة السورية « قصف الشعيرات» - تصعيد في شبه الجزيرة الكورية، مؤتمر القمة الأمريكي - العربي الإسلامي، ترافق كل حدث من هذه الأحداث مع ضجة إعلامية، عن العودة الأمريكية إلى الميدان ..
أما قصف الشعيرات فقد أعقبه اتفاق الأستانا، وجولة جديدة من جنيف، وتحديد الجولة اللاحقة أيضاً، مما يعني - على الأقل - تثبيت خيار الحل السياسي، أما التصعيد ضد كوريا، فقد تمخض عن تجارب صاروخية جديدة لكوريا، وتصريح لأحد صقور إدارة ترامب وهو الجنرال ماتيس، بأن الحرب في شبه الجزيرة الكورية كارثة على الكل، بالإضافة إلى المزيد من التفاهم الياباني الروسي، وصفعة الرئيس الفلبيني دويترتي على وجه الإدارة الأمريكية، وإعلان القطيعة معها..! أما الحديث عن عزل «إيران» وشفط واشنطن لأموال السعودية على إثر زيارة ترامب، فلا جديد فيه أصلاً، اللهم إذا كان البعض يعتقد أن البترودولار كان يتم التصرف به في يوم من الأيام خارج الإرادة الأمريكية .. وإذا وضعنا الضجيج الإعلامي، والتحركات الاستعراضية جانباً، فإن «التصعيد» على الجبهات الثلاث لم ينتج عنه أي تغير في مسار الأحداث، مما يعني في أفضل الأحوال مراوحة الدور الأمريكي في المكان، الأمر الذي يعتبر في الواقع وبالمقاييس البراغماتية الأمريكية تراجعاً إلى الخلف، ولكن هذا التصعيد أشاع أجواءً من النشوة لدى أتباع المشروع الأمريكي في عموم المنطقة متدينين وليبراليين إعلاميين وساسة، حكاماً ومعارضات!
لاشك أن العقل السياسي الأمريكي، لا يحسب الأمور بطريقة الأتباع الذين يهللون لعودة الدور الأمريكي على يد الإدارة الجديدة، ويرفعون سقف طموحاتهم ويرسمون سياساتهم على هذا الأساس، ولا شك أيضاً، أن تلامذة كيسنجر وفوكوياما وهينتنغتون يدركون أكثر من غيرهم، أن زمن الاستفراد الأمريكي بالقرار الدولي انتهى، لاسيما وأنه تخلل كل مسارات التصعيد حديث متجدد عن التأثير الروسي على الإدارة الجديدة، ولكن، والحال هذه، ما الذي يقف خلف سلوك واشنطن الاستعراضي هنا وهناك..؟
إن هذا الاستعراض « ومنه مؤتمر القمة الأمريكي - الإسلامي» والذي يفهمه العقل التابع من رهط البداوة الليبرالية بين ظهرانينا بأنه عودة للدور، هو أحد أشكال الهروب من تناقضات الداخل الأمريكي، التي دخلت مرحلة متقدمة بعد الإطاحة برئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، ودعوة عشرات الأعضاء من الكونغرس ببحث إمكانية تنحية دونالد ترامب، هو من جهة، محاكاة لنزوع قوى الحرب، في الاستمرار بالتوسع والتمدد، وإرضاء قوى الضغط، المعششة في الإدارات المتعاقبة، وقسم من النخبة الأمريكية، ومن جهة أخرى محاولة من الإدارة الجديدة تسجيل «انتصار» ما، عبر «مواجهة» تصاعد الدور الروسي، لتأريض الهجوم عليها، وهي المتهمة بعلاقتها مع موسكو.
والمشكلة تكمن هنا، في أن شظايا الصراع الأمريكي الداخلي تطال بلدان المنطقة، ومنها سورية، فواشنطن تدرك جيداً بأنه لا يمكن عزل إيران، لا لشيء بل لأن إيران وبغض النظر عن الموقف منها هي قوة إقليمية، لها وزنها في المعادلة الإقليمية، لدرجة أنه لا يمكن حل أية قضية دونها، ومن هنا يمكن التأكيد، بأن الرقص بالسيوف في مهرجان مواجهة النفوذ الإيراني، ما هو إلا تهريج في هوامش حماقة أتباع أمريكا المزمنين، لإحداث توتير جديدة في المنطقة، وأن اللوبي الذي يقف خلف هذه السياسة سيقر في القريب العاجل، بضرورة التعاطي مع إيران، ليخرج عرب أمريكا – و وليبرالييها، وشيوخها بسواد الوجه.
موقع قاسيون الالكتروني
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 812