مقياس الوطنية السورية

 لقد أصبحت فكرة تسليح بعض قوى المعارضة أمراً واقعاً، بعد أن تم تبنّيه من اللوبي الضاغط فيما سمي بـ«مؤتمر أصدقاء سورية» وبعد أن رأت فيه بعض القوى الإقليمية، الخليجية منها خصوصاً، «فكرة ممتازة» وقررت دعم العملية بالمال والسلاح، والمثير أن بعض القوى في المعارضة اللاوطنية والتي كانت «ترجم» كل من يتحدث عن وجود جماعات مسلحة منذ شهور هي نفسها اليوم تسوّق فكرة العسكرة، وتبرر العملية، فما الذي استجد؟

خلال الأشهر السابقة بذلت جهود كبيرة دولية وإقليمية، لتدويل الملف السوري بمعنى التدخل العسكري المباشر، ولم تفلح في ذلك بسبب توازن القوى الدولي الجديد الناشئ بعد الفيتو المزدوج الروسي الصيني، فكان البحث عن تكتيك آخر لتحقيق الهدف نفسه، ألا وهو استغلال ظروف الأزمة الوطنية، لتحقيق أهداف تتعلق بتطبيق الاستراتيجية الأمريكية - الصهيونية في المنطقة، عبر الوكلاء الخليجيين هذه المرة، إن هذا التكتيك الذي يعني إطالة أمد الاستعصاء والاشتباك، ويقطع الطريق أمام أية إمكانية للحل السياسي للأزمة لا يختلف في نتائجه عن التدخل العسكري المباشر على الطريقة الليبية.

إن الحركة الشعبية السلمية ومشروعها في التغيير السلمي الديمقراطي الشامل هي أول من يتضرر من هذا الموقف المستجد، فالعمل المسلح بكل ما يعنيه من استنزاف وإنهاك كل القوى، وارتفاع منسوب الدماء، وفتح الباب على مصراعيه أمام الحرب الأهلية، وإشعال كل التناقضات الثانوية في المجتمع ونسف بنية الدولة يؤدي في النهاية إلى التفريط بالسيادة الوطنية، ووحدة الكيان الوطني، الأمر الذي يتناقض ليس فقط مع مصلحة الحركة الاحتجاجية السلمية كونها وطنية في البنية والتكوين، بل مع مصلحة الشعب السوري حاضراً ومستقبلاً، وحقه في وطن مستقر آمن.

وانطلاقاً من المخاطر التي تتعاظم يوماً بعد يوم، فإن الشعب السوري والقوى الوطنية في مختلف المواقع مدعو إلى أن يقول كلمته، ويحسم المعركة بما يخدم كرامة الوطن والمواطن.

فالقوى الوطنية في النظام مطلوب منها رداً سريعاً من خلال الدفع باتجاه الحل السياسي والإسراع في عملية التغيير الجذري الشامل، وفق خطة محددة ومعلنة  وجدول زمني واضح يرى المواطن تجسيدها العملي على الأرض، والتي تعني في الظرف الملموس محاسبة كل ساهم في إراقة الدماء السورية، والإفراج عن معتقلي الرأي، وكشف مصير المفقودين تمهيداً للمصالحة الوطنية، أما المعارضة الوطنية فهي مدعوة إلى القطع النهائي مع القوى والمجالس والشخصيات التي تدفعها مصالحها الضيقة وارتباطاتها المشبوهة إلى استدعاء التدخل العسكري الخارجي، أو زج البلاد عملياً في أتون حرب داخلية لا تبقي ولا تذر للوصول إلى السلطة، والقطع أيضاً مع القوى الدولية والإقليمية التي باتت تدعم فكرة التسلح علناً.

كما أن الحركة الشعبية السلمية، ومن باب الحرص على الدماء الغالية التي سفكت على مذبح الحرية والتغيير، وبدافع حماية الوطن كواجب لا يعلو عليه واجب مدعوة إلى محاصرة تلك القوى المتطرفة، ونبذها من بين صفوفها، كي لا تصبح ضحية مشاريع قوى دولية كانت على الدوام ضد مصلحة الشعب السوري وتطوره وتقدمه  وقوى عربية وإقليمية كانت على الدوام ضد التقدم والديمقراطية، ولعبت تاريخياً دور العرّاب لمصلحة المشروع الغربي.

إن الحلّ حتى يكون حقيقياً يجب إن يكون سورياً دون وصاية أو تدخل من أحد، والتجربة التاريخية في بلدان عديدة تؤكد إن مثل هذه المشاريع أدت إما إلى الاحتلال، أو التقسيم، أو الدخول في دوامة الصراعات الأهلية ومن هنا فإن الإسراع في المصالحة الوطنية، وقبول تسوية تاريخية ذات خصوصية سورية تأخذ توازن القوى بعين الاعتبار عبر تقديم تنازلات من كل الأطراف هي اليوم إحد أهم مقاييس الوطنية السورية، ولن يرحم الشعب السوري من يعرقل ذلك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
542