الانتماء لسورية الأم أولاً!

ولدت مع اليقين بأنني من إحدى الأقليات السورية في بلدي، في البيت- المدرسة - جماعات وجماعات مصغرة بدأت تتطفل على خياراتي اليومية في الصداقة والاجتماع، ومع مرور الأيام بدأت أسباب ذلك تتراءى لي، إنه الخوف، الخوف من المجهول، والتوجس من «الآخر»... إنها تراكمات من الثقافة المشوهة التي تفرض الخوف من «الآخر» الخوف الذي ولد نتيجة تغييرات التاريخ والجغرافيا حتى أصبح من السمات العامة التي تميز «أرض الأديان» فكانت السلاح المثالي الذي أغرى حركات الاستغلال العالمي و الممر الآمن للتدخل الأجنبي والوسيلة المثلى للتقسيم والتشرذم.

كثيرون تحت تأثيرالصدمة الراهنة، يستسيغون شعارات مزيفة يمارسون الإنكار اليومي ليبقى الحال كما كان عليه، لسان حالهم يقول:«أما كان الوضع أفضل من شهور مضت»؟!..«مالنا ومالهذا التغيير الذي سيقصيني كفرد من أقلية..؟!» متناسياً أنه كان جالسا لسنين على فوهة البركان، متجاهلاً الصورة الأكبر التي لم تكن للحظة طائفية الصبغة، بل كانت صراعا طبقيا بين مستبدين يستأثرون بالثروة وأفراد بسطاء يشترون كلاما براقا بأبخث الأثمان، و يتراكضون طوال اليوم لتأمين لقمة العيش التي تكفي بالكاد، و متناسيا أن العدو الأعظم هو ذلك الخبيث الذي يلعب على أوتار الطائفية ليخفي عيوبه وتجاوزاته التي تفوق كل تصور، ليخفي صفقاته المشبوهة التي فتحت الأبواب للأجنبي والتي يغطيها بمشاريعه «الخيرية» ليخفي تسلطه، وعدم قدرته على تحمل النقد بالتخويف و التحريض والتصعيد غير المبرر وتشجيع إراقة الدماء.
وعلى هامش ذلك يبدو الحديث عن وجود طائفة حاكمة وطوائف محكومة مستهجناً أيضاً.. والذي يلقى للأسف ترويجاً كبيرا من قبل فضائيات النفط التي استعذبت منهجاً طائفيا واضحا لدرجة الوقاحة، لست هنا بمعرض الدفاع عن أحد فنجد هنا وهناك من يستخدم الطائفية لتأمين قاعدة من المؤيدين، لكن هذا الواقع المصطنع يؤكد أن البلاد تمر بمرحلة تغيير لابد من تحديد بوصلتها بشكل دقيق لنقل جهود الحركة الشعبية من «الانتقام الطائفي» كما يحاول البعض أن يوظفها إلى ممارسة فعلية للحياة الديمقراطية تشير إلى المخطئ بغض النظر على انتمائه الطائفي، لذا وبالاستفادة من هذا الحراك يتم الخروج من هذه الدائرة المغلقة من العنف والعنف المضاد والتوقف عن إلقاء التهم، والتوجه بخطا ثابتة لحياة سياسية صحيّة تقدح شرارة عملية المحاسبة الواعية البعيدة عن خلفيات طائفية انتقامية، فما الجدوى من اتهام طائفة معينة بارتكاب المظالم سوى في زيادة التحريض و زيادة العداء بينما في الحقيقة يعاني الكثير من منتسبيها من نفس الظلم من  نفس الجهة التي تظلم الاخرين؟
 

ماالحل؟؟
الحل يبدأ بتحديد المشكلة، ثم محاسبة محرضيها و كشف من يغذيها، يبدأ من الشباب، من تنشيط وتشجيع الانتماءات والتجمعات البعيدة عن التوجهات الدينية والطائفية..من فتح الآفاق امام حياة سياسية تسمح بانتشار الأحزاب والجمعيات الشبابية التي تشكل الراصد المحايد لأي خلل اجتماعي..تبدأ من البيت والجامعة والمدرسة..تبدأ من ابتعادنا الفوري عن الكلام الانشائي ونظم القصائد التي تمجد سورية والسوريين والانخراط الفعلي في عملية التصحيح وتقويم الأخطاء..تبدأ من تأجيل السؤال المتعلق بدين الطرف الآخر من أي حوار لما بعد سماع رأيه..تبدأ من اليقين بأن هذا التحريض الأعمى وتغذية الأحقاد هو السراب وليس الواقع.. تبدأ من الإشارة المباشرة لأي مظهر طائفي استسغنا وجوده في حياتنا ولم نحرك ساكنا لتقويمه..تبدأ من توظيف هذا الحماس الشبابي للتغيير في كشف زيف المتملقين والفاسدين وتسليط الأضواء على السبب الحقيقي وراء هذا الانقسام بين السوريين وتجعل من بلادنا دولة فتية بالفعل قد تخلصت من وجوه بائسة هرمة تعودت شفاهها على تكرار وعود ووعود ووعود زرعت يأساً وحصدت حقداً دموياً وجعلت من لامبالاتها شعاراً من شعارات «الولاء والوفاء للنهج الحكيم» ..تبدأ من التوقف عن تعداد الطوائف وحساب الأكثرية والأقلية والنسب المئوية والأنصار والتعرف على طريقة جديدة في الحساب تجعل من السوريين يرون أن الحقيقة تحدد «طائفتين» فقط في سورية -.. ظالم ومظلوم.. حاقد ومتسامح.. غني وفقير .. مستبد ومقموع ..- تبدأ من العمل الحثيث لخلق وعي شعبي يترفع على ضيق الرؤية الطائفية والمذهبية وترى في رفض التسلح والعنف من جميع الأطراف والاصلاح الجاد الجاد الجاد والسريع - مهما كلف ذلك من تغيير في الوجوه- الحل الامثل وتنطلق من أن «الأم سورية» أكبر من أي كان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:21