نحو الحل الآمن
تتجاوز الأزمة السورية شهرها الحادي عشر وهي تزداد تعقيداً وعمقاً، فعلى مدار هذه الأشهر سادت لغة العنف والعنف المضاد، وسالت الدماء وما تزال، وضاعت العديد من الفرص التي سنحت للسير نحو الحل الآمن للأزمة، وأعطى العنف الذريعة للعنف المضاد والتدخل الخارجي غير المباشر أولاً، والذي حاولت الدول الإمبريالية وحلفاؤها تحويله إلى تدخل مباشر عبر مجلس الأمن وجامعة الدول العربية، والذي حال دونه الموقف الروسي والصيني القوي والمتصاعد ضد هذا التدخل.
ورغم أن الموقف الروسي والصيني قد منع هذا التدخل إلا أن الإمبرياليين والرجعيين العرب لم يفقدوا الأمل بالخروج بنتيجة لمصلحتهم عبر مؤتمر تونس المسمى «أصدقاء سورية»، تسمح لهم بإطالة أمد الأزمة والصدام والعنف، ودفع الوضع نحو حرب أهلية وقطع الطريق على أية حلول حقيقية للخروج الآمن من الأزمة، عبر تسليح المعارضة المسلحة علناً والتلويح بالاعتراف بمجلس اسطنبول.
إن هذا الدور ما كان يمكن أن يكون بهذا الحجم لولا دور المتشددين في النظام والمعارضة الرافضين لأخذ ميزان القوى الحقيقي والواقعي المتكون في المجتمع بعين الاعتبار، والذي لابد أن يتم الاستناد إليه في إيجاد الحل الآمن للأزمة، والذي يعني ضرورة تقديم تنازلات متبادلة من الطرفين.
إن كامل مجريات الأزمة يشير إلى أن السير نحو الحل يشترط عزل ولجم قوى التشدد في النظام والمعارضة بكل السبل، في جهاز الدولة والمجتمع، وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا بقيام حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة واستثنائية تنجز المصالحة الوطنية بكل مفرداتها وتفتح الطريق نحو الحل السياسي الشامل.
إن الأيام القليلة الماضية منذ صدور مشروع الدستور وتناوله إعلامياً وشعبياً للنقاش، أظهر مرة أخرى مسألتين هامتين؛ الأولى هي أن السوريين بغالبيتهم جاهزون ويتعطشون للتغيير الجذري ومستعدون للانخراط في العمل السياسي، ما يثبت أن الحراك الشعبي السياسي قوي للغاية، وهو يريد التغيير الشامل السلمي.
والثانية هي أن قوى التشدد ما تزال تحاول منع أي تغيير ولكن من طرفين؛ طرف يحاول الإبقاء على الوضع السابق وهو موجود بين متشددي النظام، وطرف آخر يعلن رفضه لكل ما يطرح بحجة أنه آت من النظام الذي يريد إسقاطه، وهو يستند في طرحه إلى سلوك متشددي النظام. وسلوك هذين الطرفين يدفع الأمور باتجاه واحد هو استمرار العنف وتعميق الأزمة وتعقيدها، وهو ضد مصلحة الشعب والبلاد في نهاية المطاف.
وفي سياق تطور الأزمة يبرز الوضع الاقتصادي والخدمي كعامل ضاغط على حياة السوريين كافة، ليزيد تعقيدات الأزمة واتساعها، ويرفع مستوى الاحتقان في المجتمع عبر تراجع وتعطيل الإنتاج وزيادة البطالة وارتفاع الأسعار السريع وتدهور الليرة السورية وتفاقم أزمة الكهرباء واستمرار أزمة المحروقات، وتواتر نقصان بعض المواد الضرورية في مناطق مختلفة، وترافق ذلك بمشكلة اتصالات مرتبطة بالوضع الأمني وتدهور وضع الطاقة الكهربائية.
مما لا شك فيه أن إحداث تغيير كبير في الوضع الاقتصادي يحتاج إلى الوقت من ناحية وإلى وضع أمني مستقر من ناحية أخرى، إلا أن ذلك لا يبرر عدم اتخاذ إجراءات اقتصادية سريعة وآنية تفتح المجال لمعالجة الوضع الاقتصادي الذي لعب تدهوره خلال السنوات الماضية دوراً أساسياً في انفجار الأزمة السورية.
إن أهم ملامح الممارسة والسلوك في المجال الاقتصادي عاملان:
الأول، هو ضعف دور الدولة في المجال الاقتصادي، والذي جرى التأسيس له وممارسته خلال السنوات الماضية لمصلحة السياسات الليبرالية وممثليها؛ والثاني هو دور قوى الفساد داخل جهاز الدولة وخارجه، وفي ظل وجود هذين العاملين في وضعهما الحالي لا يمكن إنجاز أي شيء حقيقي في المجال الاقتصادي، وستبقى الأرضية العميقة للأزمة موجودة لتبقى إمكانية الانفجار ثابتة دون تغيير، لا بل يمكن أن تزيد تفاقمها واتساعها.
إن إصلاح الوضع الاقتصادي، لا بل وحل الأزمة، لا يمكن أن يسير بخطوات ثابتة دون التوجه نحو ضرب رؤوس الفساد وصياغة دور جديد للدولة في المجال الاقتصادي.
لابد أن تبدأ هذه العملية بسرعة، والتعامل معها ليس على أساس أنها عملية اقتصادية فقط، بل هي بالدرجة الأولى، عملية سياسية تحتل موقعاً أساسياً في الحل السياسي الشامل للأزمة.
إن الوضع الدولي الذي نشأ بعد تصاعد الدور الروسي – الصيني تجاه سورية، يوفّر مناخاً مناسباً ينبغي الاستفادة منه للسير السريع والمبادر في معالجة الأزمة بحل سياسي شامل وجذري.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 541