د. عبد اللطيف العش د. عبد اللطيف العش

منبر النقاش حول: «ميثاق شرف الشيوعيين السوريين»

تتابع «قاسيون» النقاش حول «ميثاق شرف الشيوعيين السوريين».  ويمكن للراغبين بالمشاركة إرسال آرائهم على عنوان الصحيفة، أو عبر البريد الالكتروني.. مع ذكر اسمهم الصريح، وأن لاتزيد حجم المشاركة عن (700) كلمة

نلفت النظر إلى أن الآراء المنشورة في هذه الصفحة لا تعبر بالضرورة عن  رأي «قاسيون» ، بل تعبر عن آراء أصحابها في كل الأحوال.

«عندما يذوب الثلج نرى المرج»

نقاش هادئ لموضوع ساخن

لقد كانت مسيرة الحزب الشيوعي السوري طويلة وصعبة لكنها كانت جميلة ومفخرة لنا جميعاً بصرف النظر عما ارتكب فيها من أخطاء، فالمد  والجزر الذي واجهته حركتنا شأنها شأن جميع الحركات الثورية في العالم.

المهم هنا أن نعرف كيف ننظر إلى المستقبل وأن نترفع عن المهاترات وأسلوب الاستهزاء بآراء الآخرين، لايوجد فرد أو حزب يملك الحقيقة كلها. عار علينا نحن الشيوعيين السوريين أن نندثر جيلاً بعد جيل وفي أنفسنا غصة «غصة الانقسام». إن أفكار ماركس وأنجلز ولينين غرست وترسخت ونمت وهي لم تزل حية في عقولنا وأفئدتنا وهذا الشعب الذي احتضننا ورعانا هو شعب عظيم وباق ويستحق منا مرات ومرات أن نناضل وأن نضحي وأن نبني حزباً شيوعياً موحداً قوياً بفكره صلباً في تنظيمه من أجل الدفاع عن مصالح الشعب وقضاياه الجذرية.

إنني من قراء جريدة «صوت الشعب» وأكتب فيها وفي مجلة الطليعة ومن هواتها وكذلك مشترك في جريدة «النور» وكتبت فيها. لقد نشرت مجلة «الطليعة» في عددها الأخير مقالاً بعنوان: «نقد الميثاق.. وماوراء الميثاق» وقبلها نشرت جريدة «صوت الشعب» مقالاً بعنوان: «ميثاق شرف ـ لعديم الشرف».

وإنني من موقع ماركسي وجدت لزاماً علي أن أنقل ملاحظاتي التي آمل أن لاتكون اكثر من وقفات نقدية بناءة على طريق العمل الماركسي الفاعل. إن ما أحدثته الهزات العنيفة المتوالية في الحركة الشيوعية العالمية والعربية والانهيار المدوي للاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية الأخرى قد أفرز بلا شك تحولات مختلفة. فقد تراجعت معظم الأحزاب الشيوعية في مختلف بقاع الأرض سواء من حيث العدد أو من حيث التأثير الجماهيري وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها. وإن ما جرى من تحولات سياسية وفكرية في عدد من الأحزاب الشيوعية يجب النظر إليها نظرة موضوعية وكنتيجة للتحولات العالمية العاصفة، إنني من قراء جريدة «قاسيون» أيضاً ومن خلال مطالعاتي لم أر فيها أي انحراف عن خط الماركسية ـ اللينينية،  لافكراً ولا سياسة على العكس تماماً إنها واحدة من أفضل الجرائد اليسارية المعبرة عن مصالح الطبقة العاملة بأسلوبها وفكرها الماركسي الحضاري والعصري. فلماذا كل هذا الهجوم والتجني؟. لماذا كل هذا الحقد الدفين؟ ألأنها تطرح فكرة «وحدة الشيوعيين السوريين»؟ أم لأنها تخالف الأوامر ولم تعد تنضوي تحت جناح  أحد؟؟ تتهمونها بالانحراف تارة وبالرأسمالية  والتروتسكية تارة أخرى. حقاً لقد ذاب الثلج وبان المرج لقد انكشف التضليل والخداع ولم يعد ينطلي على أحد. كان من الأجدر على صاحب المقال الأول وصاحب المقال الثاني أن يبينوا  لنا الطروحات الفكرية المغايرة للماركسية ـ اللينينية كي نقف ضدها ونفندها وننبذها من صفوف الحركة الماركسية. أما أن نشن هذا الهجوم فقط لأن الميثاق يدعو إلى وحدة الشيوعيين السوريين فهذا إجحاف وفيه ضرر لكل الشيوعيين السوريين.

أريد أن أذكركم: في أواخر الثمانينات شكلت لجنة تنسيق في قيادة الفصائل الشيوعية الثلاثة آنذاك (فصيل الرفيق المرحوم خالد بكداش، فصيل الرفيق يوسف فيصل، فصيل منظمات القاعدة ـ الرفيق مراد اليوسف) وطرحت هذه اللجنة موضوع توحيد الشيوعيين السوريين وظلت هذه اللجنة تجتمع خلال عامين كاملين، بعدئذ انسحب من هذه اللجنة ممثلو الرفيق خالد وعقدوا مؤتمرهم السابع الخاص بهم. والفصيلان الأخران عقدا مؤتمرهما السابع الموحد. فهل نستطيع القول بأن هذه الدعوة للوحدة صدرت من «مستشفى المجانين» كما يدعي صاحب المقال الآن؟؟ أم أن هذه الدعوة للوحدة الحالية جاءت من قواعد الحزب ولم تأت من القيادات حتى نقول بأنها صادرة من «مستشفى المجانين»!! يا للعجب؟

ما هي أوجه الانحرافات الفكرية والسياسية في فكر «قاسيون» ونضال أهل «قاسيون»؟ دلونا كي نناضل ضدها ونعريها ونفضحها!! أهل «قاسيون» لم يدعوا إلى الوحدة مع الترك كما يتهم المقال، إنه اتهام باطل وأقل ما يقال فيه إنه استعداء السلطة على أهل «قاسيون» أهل ميثاق الشرف لضرب هذا الوليد الجديد المرتقب إنه هذا التيار الجارف إنه قواعد الحزب التي ظلت ثلاثين عاماً بعيدة ومغيبة عن صنع البرنامج السياسي للحزب الشيوعي السوري، وقد اعترف صاحب المقال عن عدم وجود حزب شيوعي سوري لقد أقر بواقع وجود فصائل شيوعية في سورية وهذه أول مرة يعترف فيها مسؤول شيوعي من حزب رسمي. كانوا دائماً يقولون بأنهم «الحزب الأم» وغيرهم يقول بأنهم «حزب الأب» مسكين هذا الحزب فقد أصبح يتيماً لا أب له ولا أماً!!

ولذلك سوف يوجد شئنا نحن أم لم نشأ حزب شيوعي بالمفهوم اللينيني، ووجوده مهمة وطنية كبرى ولن يتحقق ذلك إلا عبر وحدة الشيوعيين السوريين. إن الظروف التي تجتازها البلاد والتطورات العالمية والهجمة الشرسة للإمبريالية ونظام «العولمة الجديد» وأوضاع  الشيوعيين السوريين الداخلية تتطلب إيلاء مزيد من الاهتمام بهذه القضية كهدف نضالي له ضروراته الحزبية والوطنية وأنه يجب الانطلاق من المواقف السياسية والفكرية المتقاربة والتي يمكن تطويرالفهم المشترك لها والموقف المشترك منها عبر حوارات حرة ومستمرة. إن الدعوة لوحدة الشيوعيين ليست لافتة للتباهي ولاقصيدة شعرية للتغني ولا ميدالية للاستعراض كما كانت على مر العشرين سنة الماضية. إن الميثاق يدعو إلى عمل دؤوب يتحلى بالصبر وسعة الصدر لأن الأزمة التي يعيشها الحزب الشيوعي السوري ليست جديدة، إنها قديمة ومزمنة وهي متصلة بحياتنا السياسية العامة وطنياً وقومياً ومتأثرة من ضغط الحاضر الحياتي والمعاشي ومن اهتزاز القيم والمبادئ التي انطوينا تحت لوائها والتي طالما اعتقدنا أن تحقيقها أصبح قاب قوسين أو أدنى. إن ألف باء الخروج من هذه الأزمة هو الحوار الصادق والموضوعي، لغة تسمو بالمتحاورين وتمنح أفكارهم قوة الحقيقة هذه اللغة غير تلك التي نلمس فيها الميل إلى المهاترة والتصميم على رشق الأخرين بالتهم المؤذية والظالمة، فمثل هذه اللغة لم تعد تستهوي أحد لأنها تعبر عن حمية جاهلية وذهنية متخلفة كما فعل عفواً الأستاذان كاتبا المقالين.

إن الناس ينتظرون من حزبنا ومثقفينا على اختلاف مدارسهم، شيوعيين كانوا أم لم يعودوا شيوعيين ينتظرون شيئاً آخر نتحمس له ونعمل على تحقيقه، بحيث يبدو من خلاله التفكير البناء والهم الوطني المشترك لأبناء هذا الوطن، يجمعنا رغم كل الخلافات بيننا الاهتمام بقضايا الشعب والتقدم الاجتماعي والاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية والدفاع عن حقوق الإنسان في الحرية ورغيف الخبز. وبعد أن ذاب الثلج أصبح جلياً وواضحاً للجميع أن هناك أسساً مشتركة تجمع الشيوعيين على الجبهة الفكرية وعبر وحدة الشيوعيين السوريين سيجد الشيوعيون ضالتهم المنشودة في تكوين حزب شيوعي بالمفهوم اللينيني لهذا الحزب، وأن تطور هذا الحزب وتقدمه مرهون بتطور نشاطه الإبداعي والفكري وفي سبيل هذه الغاية لابد من  إيجاد آلية تسمح بتطوير الفكر الماركسي وإنتاجه على نحو ينسجم مع ظروف بلادنا وينبثق منها وتحرير هذا الفكر من القوالب والمفاهيم الجاهزة والجامدة. لقد كان الشيوعيون على الدوام حملة رايات التحرر والعدالة والتقدم والسلام وإن كانت مسيرتهم قد عرفت الانكسارات والتعرجات مثلها مثل كل الحركات الثورية في العالم ولكن رايتهم لم تتبدل أبداً فقد ظلوا حتى في أحلك الظروف دعاة الحرية والعدالة الاجتماعية والتعبير العميق عن نزوع البشرية نحو الافضل، وكانوا دائماً على طول العالم وعرضه ضحايا الظلم والاضطهاد التعسف والحرمان حتى في ظل الأنظمة التي أقامها الشيوعيون فقد ذهب جيش منهم ضحية الانحراف البيروقراطي.

إن وحدة الشيوعيين السوريين آتية لاريب وأن الشيوعيين السوريين لقادرون على إيجاد حزبهم وإن قناعتي بالفكر الماركسي مازالت قوية ولاأزال أؤمن بأن هذا الفكر يملك عناصر قوة أكدته تجربة الحياة، والفكر الماركسي وبخاصة الفلسفي منه بشقيه المادية ـ الديالكتيكية بأسسها وقوانينها ومقولاتها، والمادية التاريخية بالفهم الذي تعكسانه للطبيعة والفكر والمجتمع. هذا الفكر لايزال يملك قوة تأثير مستمرة ومتزايدة. وأعتقد جازماً أن الانهيار الذي حدث في الاتحاد السوفييتي هو عدم احترام هذا الفهم. إن الحياة هي الحكم الوحيد في هذا المجال. المهم الآن أن تستمر المحاولات والحوارات لإعادة وحدة الشيوعيين السوريين وإذا كان هذا الأمر يبدو الآن صعباً نسبياً فمن الضروري بناء علاقات رفاقية حضارية عصرية. علاقات حب واحترام وتعاون في المساهمة في دفع التيار الوطني التقدمي في البلاد إلى الأمام.

معلومات إضافية

العدد رقم:
181
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 16:31