2008.. عام التحديات والآمال

شارف عام 2008 على الانتهاء، ولابد من إجراء تقييم شامل لمحصلة الصراع الجاري على نطاق كوكبنا كله بين الإمبريالية وقوى الشعوب، مع أن عاماً واحداً لا يكفي عادةً لتلمس محصلة ذات معنى تاريخي، إلاّ أن هذا العام بنتائجه يحمل دلالات عميقة وبعيدة المدى، فما هي العناوين الرئيسية لهذا العام..؟
انفجار الأزمة الاقتصادية الشاملة في العالم الرأسمالي التي طالما توقعناها وانتظرناها

بدء حراك اجتماعي عميق في البلدان الرأسمالية المتقدمة يحمل معه بذور اضطرابات وصراعات اجتماعية، سيكون لها آثار عميقة على مستقبل تطور هذه البلدان نفسها.
استمرار تحول أمريكا اللاتينية نحو اليسار، من حيث الرقعة والعمق في الإجراءات الاجتماعية ـ الاقتصادية.

فشل الإمبريالية الأمريكية في تحقيق أهدافها العسكرية الاستراتيجية في المنطقة التي كانت تريدها «شرقاً أوسطياً كبيراً» ضمن الآجال الزمنية المخططة والمرتبطة بمحاولة الحؤول دول انفجار الأزمة الاقتصادية، ما أربكها واستدعى إعادة نظر عاجلة في الأدوات والآليات المدعوة لتحقيق الهدف المطلوب.
فشل الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية في إركاع المقاومات الأساسية في منطقتنا من لبنان إلى فلسطين والعراق، وتكوُّن وضع جديد سيسمح لهذه المقاومات بلعب دور أساسي في صياغة مستقبل المنطقة.
فشل الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية في القضاء على الممانعات في كل من سورية وإيران، واضطرارهما إلى الانتقال إلى سياسات تسميانها «تهديئية» مع كل منهما، لا تخرج طبعاً عن تكتيك الجزرة والعصا في محاولة لكسب الوقت والتقاط الأنفاس والتحضير لكرّات جديدة.
تعمّق التناقض الأوروبي ـ الأمريكي على أرضية الأزمة الاقتصادية مع كل ما يحمله ذلك من إمكانية تفكك المنظومة الرأسمالية العالمية في صراعها على مناطق النفوذ والموارد.

انفجار الصراع الروسي ـ الأمريكي في الأزمة القفقاسية بشكل حاد، وصعود الدور الروسي إقليمياً وعالمياً في مواجهة التوسعية الأمريكية، الأمر الذي يحمل في طياته احتمال هزات روسية داخلية باتجاه تصحيح أولي للوضع الروسي الداخلي عبر تغييرات جذرية تسمح لها بفك قيودها والانطلاق للعب دور عالمي يتناسب مع حجمها الحقيقي.
ازدياد حدة التوتر في شرق آسيا، خاصةً في الهند وباكستان، مع ما يحمله ذلك من دلالات خطيرة على نية الإمبريالية الأمريكية بتوسيع رقعة الاشتباك مع الشعوب في قوس واسع يبدأ في باكستان ولا ينتهي في القفقاس.

إذاً، عام 2008 كان عام التحديات والآمال.. التحديات في مواجهة المخططات الإمبريالية والصهيونية ومنعهما من التقدم؛ وآمالاً كبيرةً انفتحت بإحباطهما وإجبارهما على التراجع والانكفاء والهزيمة النهائية، وخاصةً في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي تهزُّ المنظومة الرأسمالية الكونية بأكملها.
والمحصلة هي الانفتاح، الحقيقي الواقعي وليس الافتراضي، لأفق مقاومة الشعوب وانتصارها، والانسداد، الحقيقي الواقعي وليس الافتراضي، للأفق أمام قطب الإمبريالية العالمية.

لقد قالت «قاسيون» في افتتاحية نهاية عام 2006 تحت عنوان «من الدفاع إلى الهجوم المعاكس» حرفياً: «إن ملامح الأزمة الإمبريالية الأمريكية تؤكد تباشير انهيار قادم لها في المدى المنظور، الأمر الذي لن يحدث دون مواجهتها بشجاعة، وممانعتها بجرأة وحكمة، مما سيفضي إلى تغيير هائل في ميزان القوى العالمي، ودخول البشرية في عصر جديد رغم كل المظاهر المحبطة التي تطفو على السطح أحياناً».

كل ذلك يدعونا للقول اليوم إنه أمام سورية فرصة تاريخية كي تلعب الدور المنوط بها إقليمياً وعالمياً، والذي لا تفرضه حقائق اليوم فقط، وإنما أيضاً التاريخ والجغرافيا.. ولا نبالغ إذا قلنا إن فرصةً كهذه تتوفر مرةً واحدةً في المئة عام، أي أنها فرصة نادرة، ولكنها واقعية..
وكي تلعب هذا الدور المطلوب منها، والذي تريده الجماهير الشعبية في سورية وكل القوى الشريفة والنظيفة في النظام وخارجه، عليها أن تحزم أمرها في الشأن الداخلي، وأن تُفشل محاولات دفعها باتجاهات ليبرالية اقتصادياً واجتماعياً لم يكن آخرها ما شهده عام 2008 من رفع للدعم، الذي كان له نتائج سلبية جداً على مجمل الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي، من حيث مستوى المعيشة والإنتاج الزراعي والصناعي.. لأن ذلك هو الشرط الضروري الوحيد كي تقوم بدورها الوطني الكبير الذي سيكون له تداعيات كبيرة على المستوى الإقليمي والعالمي، والذي يتوافق مع روح العصر الجديد التي يتسارع قدومها نحونا، فلنعجل باستقبالها لأن في ذلك ضمانة لتعزيز كرامة الوطن والمواطن..

معلومات إضافية

العدد رقم:
385