لماذا التشتت والتبعثر ضمن الأحزاب؟
تعاني أحزاب سياسية كثيرة ومنها أكثرية أحزاب الجبهة من ظاهرة الانقسام والتشظي، فما إن ينتهي حزب من الأحزاب من صراع داخلي يستنزف فيه قواه ويمنعه من التوظيف حول مهامه الرئيسية وخاصة الوطنية، حتى يبدأ الطرف المنتصر بكَرةٍ جديدة من الصراع يتم إنتاجها على أرضية ما انتهت إليه الأزمة السابقة.
وتثبت تجارب كل الأحزاب التي عانت من الصراع الداخلي أن القاسم المشترك بين أزماتها هو سرعة جميع الأطراف في التخندق والحسم دون إعطاء الحوار وتجربة الحياة نفسها الحق في أن تحسم ما تستطيع أن تحسمه بطريقتها التي كانت لو اتبعت لاستطاعت أن تتجنب الكثير من الخسائر والآلام.
إن الخاسر الأكبر في كل ما يجري ضمن هذا الإطار يبقى الوطن نفسه ومصالح الجماهير الشعبية التي تنبري هذه الأحزاب للدفاع عنها، ولكن الأهم أن ما يجري يؤدي تدريجياً إلى آن يفقد الشارع الثقة بالحركة السياسية بشكل عام، الأمر الذي يوصل إلى حدوث حالة فراغ فعلية في الساحة لا يمكن إلاّ أن تستفيد منها، في نهاية المطاف، القوى الرجعية سواء كانت متنورة أو ظلامية والتي لا تهمها المصلحة الوطنية.
واليوم يلاحظ اشتداد موجة جديدة من الصراعات في أحزاب من المفترض أن تكون أساسية في البلاد. والسؤال الذي يلح في طرح نفسه هو: هل ما يجري صدفة؟.
إن الظاهرة التي تتكرر في أماكن مختلفة وبآن واحد يصبح لها قانونيتها التي يجب البحث عنها لمعرفتها. ولمعرفة سبب ما يجري يجب تحديد الإطار العام الذي تجري فيه هذه الظواهر.
ـ إن سورية بصمودها الوطني تستفز قوى النظام العالمي الجديد والنظام الإقليمي الجديد «الشرق أوسطي» وتنويعاته المختلفة.
ـ لذلك تشدد هذه القوى الضغط على سورية ليس فقط خارجياً وإنما داخليا أيضاًً.
ـ الطريقة الأساسية للضغط الداخلي هي الضغط الاقتصادي لتمرير طريقة معينة في معالجة الأوضاع الاقتصادية، وهذه الطريقة هي فرض نسخة مخففة من الوصفة الليبرالية الجديدة في بادئ الأمر.
ـ إن الداعية والحامل الأساسي لهذه الوصفة تحديداً هي أوساط البرجوازية الطفيلية والأوساط المتحالفة معها من البرجوازية البيروقراطية.
ـ تفترض هذه الأوساط استناداً إلى تجارب سابقة في بلدان أخرى، أن النجاح في تطبيق هذه الوصفة على أرض الواقع، سيستدعي استياء واسعاً في أوساط الجماهير الشعبية، لما سيخلقه هذا التطبيق من آثار ضارة مباشرة على الأوضاع المعاشية لأكثرية الشعب.
ـ واستباقاً لأي دور مفترض يمكن أن تقوم به الحركة السياسية الوطنية الواعية في قطع الطريق على هذه التوجهات المشبوهة، وفي تجنيد الجماهير لمقاومتها، تقوم هذه الأوساط البرجوازية الطفيلية والبرجوازية البيروقراطية عبر آليات معقدة ومستترة، بتحريك الأوضاع الداخلية في أحزاب كثيرة مستفيدة من نقاط الضعف الذاتية الموجودة فيها أصلاً، من أجل أن تصاب هذه الأحزاب بحالة شلل تبعدها عن الشأن العام، وتبقيها منكفئة إلى داخلها لفترة زمنية كافية حتى تتحقق حالة «من ضرب ضرب، ومن هرب هرب».
ـ النجاح في هذا المسلسل يغلق حلقة الضغط الداخلية على الحلقة الخارجية، ويصبح إسقاط الموقف الوطني السوري تحصيل محصل، وقضية زمن لا غير، إذ ستستطيع قوى البرجوازية الطفيلية والقوى المتحالفة معها حينذاك الاستفراد في المعركة وتحقيق هدفها الأساسي الذي يلتقي سياسياً مع أهداف قوى العولمة المتوحشة إقليمياً ومحلياً.
والمؤسف أن ضيق أفق وأنانية قيادات هامة في هذه الأحزاب التي تعاني من أوضاع صعبة اليوم، و الذي يعكس ذاتيتها المنتفخة والمريضة يساهم بشكل غير مباشر في تسهيل تنفيذ مخطط شل أي تطور محتمل للحركة الجماهيرية الشعبية المدعوة للدفاع عن الموقف الوطني والدفاع عن لقمة عيشها.
إن الوقت ما زال يسمح إذا ما استعادت هذه الأحزاب عافيتها أن تلعب دورها المطلوب منها في تطوير الحركة الجماهيرية والحياة السياسية في البلاد.
ولكن تحقيق ذلك يتطلب جرأة في المراجعة، ونكران ذات في المعالجة وشجاعة في التنفيذ. فمن سيكون على مستوى المسؤولية؟.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 156