الفصيح كي لا نتحول إلى غبار!!
يتراشق الحديث حول أحزاب الجبهة، والحديث سلسلة من الأسئلة الواسعة، وحلقات متقطعة من الإجابات الضيقة، وبما أنه كذلك.. ونعني واسع الأسئلة، ضيق الإجابة، فلنبدأ بالأسئلة:
*ما الذي كانته أحزاب الجبهة قبل أن تكون أحزاب منتظمة في جبهة؟!
* مالذي كان يجب (أن تكونه)؟!
* مالذي عليها أن تكونه؟!
* وما هو مبر الأحزاب وسبب نشأتها وتكوينها؟!
والسلسلة طويلة، وهي سلسلة بمعنى أنها ليست الخط المستقيم الذي يصل ما بين نقطتين لتكون الشكل الهندسي الكسول والسهل، وإنما ذلك الخط المتعرج الذي يحمل التلافيف والثنايا والخبايا والحكايا والإجابات المتباينة، غير أن الإجابات البدهية في عالم باتت البدهيات فيه مختلطة، هو أن الأحزاب نشأت تعبيراً عن مصالح مادية وروحية متباينة لمجموعات بشرية اختارت نخبها باعتبار هذه النخب تمثيلاً لها، وكوننا لسنا من المختصين في الموسوعات والتعريفات والقواميس لن نستغرق في قول البديهي، إلا إذا انحرفت الأمور كثيراً عن مسارها فصارت بدهية في انحرافاتها وهذا يقر به منتجو الحالة، كما مستهلكيها في مثال أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية في سورية وهم (ونعني قيادات الجبهة)، الذين يقرون وفي كل المناسبات بأن أوضاع البلاد والعباد لم تعد تحتمل أحزاباً تبحث عن مكاسب ومغانم وإنما حال البلاد يقتضي وجود أحزاب تستمد مشروعيتها من جماهيرها، وتأخذ تمويلها من مشاريعها، وتكون الحالة النوعية من الحالة العامة، وتسبق الجماهير لا تتخلف عنهم، وتكون صورة عن المستقبل ولا تكريساً للماضي، وتتحول إلى مرجعية للناس، لا سبباً في خروج الناس من الحياة السياسية، وفوق هذا وذاك تلبي أولاً احتياجات (ناسها) إذا عجزت عن تلبية احتياجات (الناس كل الناس) وهو أضعف الإيمان، وكل ما سبق ترجيات وأمنيات وافتراضات أنه بعد كم التساؤلات، ودون تشخيص لواقع الحال الذي إن شخص فسيقول وبالصوت المليء أن أحزاب الجبهة إذا استمرت في إيقاعها الراهن من حيث بنيتها الداخلية، وعلاقاتها بناسها، وعلاقاتها (بالناس الكل) الذين يفترض أن يكونوا ناسها أيضاً.. إن استمرت على هذا الحال فقد تصبح حزاماً للضجر، والضجر المتبادل، والكل ضجر من نفسه بعد أن ضجرت الخليقة منه، ولا نظن أن ما يسمى بالظرف الموضوعي حجة، فالحجة تتساقط لحظة بعد لحظة، على الأقل لأن اتجاهات القرار السياسي في بلادنا، ونعني اتجاهات القرار الرسمي تتجه نحو الانفتاح والشفافية، وليس من الملائم أن يعاق هذا الاتجاه، سواء من «بيروقراط» الأحزاب الذين أكلهم الغبار، أو من «بيروقراط» الحكومة الذي يغرق نحو ذات الغبار، وكلاهما بيروقراط الأحزاب وبيروقراط الحكومة، مازال يعتقد أنه (لا يحول ولا يزول ولا تدركه العقول) وإن حال، مال حال البلاد، وإن زال زالت السماء ومادونها، وهو الذي يدافع بالظفر والناب عن مصالحه الضيقة فيولع الغابة إذا اقتضت سيجارته بصة نار، وهذا حال يلغي أية مشروعية عن أية ظاهرة مشروعة، فالمشروع الذي لا يتجدد (يتكرسح) والكسيح إلى مأوى العجزة، وكل المآثر التي يمكن (وبجدية) الحديث عنها لصالح هذه الأحزاب ستزول إن بقي الغبار يتمسك بالغبار، ولنأخذ مثلاً من جيراننا الفلسطينيين، فكل ما فعله جورج حبش مناضلاً ومفكراً وزعيماً لا يساوي تقديم استقالته حين وصل إلى مرحلة أدرك فيها أن أقدامه أبطأ من سرعة الدنيا، فكيف إذا ما تنازل أخرون عن بعض الامتيازات التي سيغفلها التاريخ وتغفلها الحياة وقالوا:
ـ بلا (29) نمرة سيارة، ولنقايض (نمر) سياراتنا بمشروعيتنا بين الناس؟!
حين يخرج من الحياة السياسية من باتت الحياة السياسية أسرع منه، ينحني التاريخ له، وحين لا يفعل ذلك، فحتى لوركب الـ 29 سيارة في لحظة واحدة، فإن سرعاتها مجتمعة لن تسمح له باللحاق بقطار الحياة..
ـ هكذا الدنيا كي لا نتحول إلى غبار
ـ سامحونا.. يبدو أننا نتحدث عن الانطلاق في زمن البورصات!
* الديك..
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 163