المأزق الأمريكي.. من الانهيار الاقتصادي.. إلى الانتشار العسكري!
أجرى مراسل صحيفة «القاهرة» المصرية في عددها الصادر يوم 23 أكتوبر 2001 لقاءً مع الرفيق د. قدري جميل وبعض المفكرين السوريين حول الحرب الأمريكية العالمية والتهديدات الأمريكية لسورية... تحت عنوان: «المفكرون السوريون يرصدون حدود الحرب الأمريكية: حرب افتراضية يتم تطويرها إلى حرب حقيقية من قلب آسيا»..
جاء في اللقاء:
أما الجانب الاقتصادي لأبعاد التهديدات الأمريكية، حول فكرة توسيع دائرة الحرب، والأسئلة التي طرحتها «القاهرة» فيذهب، الدكتور قدري جميل، الباحث والمحلل الاقتصادي إلى القول:
حتى نفهم النوايا الأمريكية الحقيقية، يجب محاولة فهم مشروعهم، أسبابه، حدوده، نتائجه المحتملة.
الجانب الاقتصادي لأبعاد التهديدات الأمريكية
حوا الأسباب: كل المهتمين والمطلعين، كانوا يتوقعون انهياراً شاملاً للدولار الأمريكي وبالتالي الاقتصاد الأمريكي في الفترة الواقعة بين أواسط أغسطس وأواسط أكتوبر من هذا العام، ولهذا الانهيار أسبابه الموضوعية التي تفعل فعلها خارج إرادة الأفراد، أهمها:
* بسبب حاجة العالم لعملة عالمية، نتيجة توسع السوق والتبادل، تنطح الدولار للعب هذا الدول، فارضاً الأمر الواقع، بعد الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى ازدياد الكم الدولاري المطروح في الأسواق العالمية بالمقارنة مع قدرة الولايات المتحدة الفعلية على تغطيته الحقيقية، هذا التناقض بين الكم المطروح وبين القدرة الفعلية على تغطيته لا بد أن ينفجر في لحظة ما، وإذا أخذنا بعين الاعتبار إضافة إلى ذلك تراجع دور الاقتصاد الأمريكي بالنسبة لوزنه الاقتصادي العالمي إلى المرتبة الثانية، كان هناك مخرجان:
الدولار الضعيف
الأول اقترحه صندوق النقد الدولي في تقريره في حزيران الماضي وهو الانتقال من سياسة الدولار القوي إلى سياسة الدولار الضعيف عبر تخفيضه على مراحل، بحدود 50% من قيمته مما يعني اعتراف أمريكا بتراجع دورها والتخلي عنه طوعاً في المجال الاقتصادي وبالتالي السياسي والعسكري، وهذا ما لم يحصل ولن يحصل طوعاً.
الحرب.. من أجل تصريف الأزمة
أما الحل الثاني فهو الحل التقليدي الذي كانت تلجأ إليه الرأسمالية عادة عند أزماتها الكبرى وهو الحرب، من أجل تصريف الأزمة، أي أن أمريكا في الوضع الحالي كانت بحاجة إلى حرب كبيرة للحفاظ على دورها وهذا هو منطق الاقتصاد الرأسمالي الذي هو بحاجة إلى شلالات من الدماء تصب في شرايينه من إنعاش اقتصادها.
أهداف بعيدة المدى
جاءت أحداث 11/9، بغض النظر عمن خطط لها ونفذها لتعطي الحجة لإعلان حربها التي تريد منها أن تنفذ عدة أهداف بعيدة المدى بآن واحد:
السيطرة التامة على منابع النفط في الخليج وقزوين
1. إتمام السيطرة التامة على منابع النفط في الخليج وقزوين، التي تشكل 70% من احتياطاته العالمية وليس فقط على المنابع وإنما أيضاً على مصباته وطرق نقله.
المليار الذهبي.. وإبادة البشرية
2. الانتقال بالرؤيا النيومالتوسية من التنظير إلى التطبيق، هذه الرؤيا التي تبشر بنظرية المليار الذهبي الذي يخدمه ملياران من البشر واعتبار الباقي فائضاً لا حاجة إليه، ويجب إبادته من أجل حل التناقض الذي تسببه الثورة العلمية التكنيكية بين تزايد كميات العمل الجامد (رأس المال الثابت) بالنسبة للعمل الحي (قوة العمل). مما يعني تزايد فائض قوة العمل بالنسبة للرأسمالية، يسببه، حسب رأيها، تزايد فائض البشر، هذا كله ينظر له بهذه الطريقة من أجل الحفاظ على نمط توزيع الثروة القائم في العالم، 20% من سكان العالم يملكون80% من الثروة، 80% يملكون 20% من الثروة.هذا النمط الذي يهدده، حسب رأي أصحاب هذه النظريات التلفيقية، النمو السكاني المتزايد في دول الجنوب، ولتبرير هذه السياسات اخترعوا نظرية صراع الحضارات التي تبشر بتفوق الحضارة الغربية وسيادتها وتخلف الحضارات الأخرى مثل الإسلامية والمسيحية الشرقية والهندوسية والتي يعتنقها ليس أقل من ثلاثة مليارات إنسان.
العدو الوهمي
ويتابع د.جميل: «من هنا اخترعت الولايات المتحدة عدواً وهمياً في السنوات الأخيرة، وبدأت معه مؤخراً في أفغانستان بحرب افتراضية، تسمح لها بتطويرها إلى حروب حقيقية، مع أعداء حقيقيين تقررهم في حينه في كل الاتجاهات، شمالاً، آسيا الوسطى، شرقاً نحو الشرق الأدنى والأوسط. وأخيراً شل السلاح الذري الروسي الذي يعتبر حتى الآن رغم كل ما حصل في روسيا من خراب ودمار القوة المكافئة النووية الوحيدة للولايات المتحدة الأمريكية، عند ذلك فقط تقوم بتوسيع رقعة حربها في الاتجاهات الأخرى شرقاً وغرباً بالنسبة لأفغانستان».
الأزمة الخانقة.. والجنون الأمريكي
ويضيف د. جميل: «وإذا اضطرت إلى فعل غير ذلك تحت ضغط الأحداث مثل افتعال معركة مع إيران والعراق وسورية، فسترى نفسها بحكم تضارب المصالح في مواجهة قوى منافسة لها عالمياً، هي أوروبا وروسيا، وخاصة في الشرق الأوسط، لذلك استبعد أي تطوير للحرب العالمية الأمريكية الحالية قبل إنجاز هدفها الإستراتيجي الأول في الشمال، وهو مالا يمكن تحقيقه بسهولة أصلاً بحكم تعقيدات وتناقضات الوضع في روسيا والقابل للانفجار في روسيا نفسها، بشكل متناقض مع المصالح الأمريكية ومخططاتها لذلك فإن الجنون الأمريكي الحالي الذي يكمن سببه في الأزمة الخانقة التي تعيشها لا حل له، ليس اقتصادياً فقط، بل أعتقد أن لا حل له عسكرياً وسياسياً، فهي تستفز بحماقتها قوى هائلة ضدها، وهذه القوى قادرة على إفشال هذا المخطط بأي اتجاه تحركت فيه».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 163