أعيدوا الحزب الشيوعي إلى الجماهير

يعتبر الحزب الشيوعي السوري أقدم حزب سياسي في سورية، وله الكثير من الإنجازات والمواقف الوطنية والمبدئية، من أهمها أنه استطاع أن يؤسس في المنطقة تياراً «ماركسياً» معترفاً به وبدوره وتأثيره على البلدان المجاورة. من هنا تبدأ مسؤوليتنا نحن الشيوعيين في الحفاظ عليه (الحزب) وعلى دوره المفتاحي على الصعيدين الداخلي والخارجي (عربياً ودولياً). ولن نفعل ذلك إذا لم نكن جريئين وصريحين بما فيه الكفاية في ممارستنا للنقد والنقد الذاتي. فعملية النقد والنقد الذاتي هذه هي ضمانة بقاء حزبنا سليماً «قويا» معافى.

إن ترسيخ جذور الماركسية اللينينية في المنطقة يتطلب منا عدة أمور، من أهمها:
ـ عدم التعامل مع الفكر الماركسي اللينيني على أنه نصوص مقدسة ومنزلة، لأنه أولاً وأخيراً فكر علمي خاضع لمنطق التطور. والنصوصيون لا يختلفون عن الأصوليين في أي تيار أخر الذين يعتاشون على أمجاد الماضي ليجدوا أنفسهم بعد قليل غير قادرين على التأقلم أو التعامل مع الواقع الراهن.
ـ البحث عن آليات عمل جديدة داخل الحزب وخارجه بما يتناسب مع متطلبات الأجيال الجديدة، ومع التطورات العديدة والمتسارعة التي حصلت وتحصل وستبقى، سواء كان في تركيب المجتمع المعني وبنيته أو في مستوى وعيه، أو التطورات الهائلة على الصعيد التقني والإعلامي والمعلوماتي..
إن الصراحة والجرأة المطلوبة يجب أن تنطلق من أرضية غيرتنا على الحزب لحمايته من الأمراض اليمينية أو اليسارية التي قد تنتقل عدواها إلى صفوفه.
يجب أن نقر في البداية، أن حزبنا استطاع، رغم الضربات التي تلقاها والانقسامات التي استنفدت قواه، أن يحافظ على تماسكه. لكن هذا التماسك، بصراحة، كان ظاهرياً وهشاً، وفي حدوده الدنيا، ذلك لأن قدرته على التعامل مع المستجدات والتطورات المذكورة أنفاً لم تكن بالمستوى المطلوب، مما أدى إلى ابتعاد وإبعاد كوادر هامة عنه على المستوى الداخلي، وابتعاد الجماهير عنه.

ومع ذلك فإن قيادة الحزب ما زالت تتحدث عن ذلك الحزب الجماهيري الذي كناه في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وعن التحليلات الصائبة التي قدمناها في هذا المجال أو ذاك، رغم أن السؤال الأهم يجب أن يكون على الشكل التالي: أي حزب نحن الآن؟ وبأي وسائل نواجه التحديات الجديدة؟
إن نظرة نقدية للوضع الراهن في الحزب تستند إلى المنهج الماركسي اللينيني ستقودنا إلى خيبة فظيعة. وماركسياً لينينياً من الطراز المرموق مثل خالد بكداش، سوف يكون أول المتبرئين من أفعال وممارسات القيادة الحالية للحزب، التي عزلت حزبنا عن الجماهير وقوقعته، وأقصت قسماً كبيراً من كوادره النشيطة والفاعلة. ومن المؤسف أن هذه الأمور تمت بعيداً عن (الحفاظ على وجه الحزب المستقل).

إن الهروب من العجز باتجاه السلطة يعني التخلي عن القاعدة الجماهيرية العريضة التي (كانت) تعلق آمالها على حزب ثوري مستند إلى نظرية علمية.
1. في المجال الفكري: لم تقم القيادة باجتهادات مفيدة على أساس النظرية الماركسية اللينينية، وكما كان متوقعاً، فقد تم إقفال باب الاجتهاد بعد رحيل الرفيق خالد بكداش، وسادت الأشعرية وأصبحت أسلوباً معتمداً لدى القيادة, وعانت بعض الكوادر التي حاولت، بدافع من غيرتها على الحزب، أن تقدم اقتراحات وآراء بهدف تحسين أداء الحزب وصورته لدى الجماهير، فقوبلت هذه الكوادر بالتجميد والإبعاد ومن الـ (لا علاقة له).
إن عجز قيادة الحزب الحالية الفكري والسياسي ساعد على انحسار جماهيرية الحزب وعلى تقلص وانكماش الحزب نفسه.
2. في مجال التعامل مع الكوادر: قامت قيادة الحزب، وعلى مراحل، بـ (تخليص) الحزب من النشطاء والمثقفين، وتمت هذه العملية بوسائل أصبحت معروفة لدى الجميع. وهكذا قدمت القيادة نفسها كعدو للمثقفين (طويلي اللسان) ولم تتحمل وجود كوادر متخصصة في مختلف أنواع العلوم كالمهندسين والأطباء وخريجي الكليات والمعاهد، بل أعربت عن تأففها من التعامل مع الفنانين والمبدعين في جميع المجالات بدعوى الذاتية المفرطة الموجودة لديهم. وقد حصل هذا بخلاف الأحزاب الشيوعية الأخرى التي كانت الحاضن الرئيس لهؤلاء الفنانين والمثقفين من كتاب وشعراء ورسامين وسينمائيين... وسرعان ما غادرنا هؤلاء المثقفون إلى أماكن أخرى غير آسفين.
3. الناحية الثالثة التي يجب إثارتها هي مخالفة القيادة الحالية للنظام الداخلي: وقد حدث هذا في أكثر من موضع بدمشق واللاذقية والجزيرة وحماة وحمص وطرطوس وريف دمشق على سبيل المثال، فقد تم تعيين قيادات منطقية وحل منظمات أخرى وتنسيب رفاق قبل موعد الكونفرنسات بأيام وفبركة مندوبين لزيادة عدد الموالين، وتقديم أو تأخير مواعيد بعض الكونفرنسات ثم تبليغ البعض وعدم تبليغ البعض الآخر حسب قرب أو بعد هذا المندوب أو ذاك من القيادة، واستعمال أسلوب الوشوشات الجانبية لمنع وصول هذا إلى المؤتمر وإنجاح ذاك كمندوب.
كما تم،وباعتراف إحدى الرسائل الداخلية، إنجاح البعض وترسيب البعض لا على أساس الكفاءة بل على أساس الولاء الشخصي للقيادة الحالية للحزب. وهكذا تغلبت إرادة الـ (الفوق) على إرادة الـ (التحت). ومن الأمثلة على ما سبق يوجد الكثير ولا داعي للتوسع.
4 ـ الحزب والديمقراطية: نسأل، وفي الحلق غصة: أين الديمقراطية التي نطالب بها داخل الحزب منذ أكثر من عشر سنوات؟ وهل نترك عملنا مع الجماهير لنناضل من أجل بقائنا داخل حزب يجعلنا مهددين بالطرد أو التجميد في أي لحظة، لمجرد أننا نريد لحزبنا التطور والتوسع؟
وهل يتم هذا التطور إلا بتفاعل الآراء وتبادلها ضمن فسحة من الأوكسجين وحرية التعبير عن الرأي بعيداً عن النزعات البيروقراطية الموجودة لدى المتنفذين في قيادة الحزب.
ولا تكون الديمقراطية خطراً على المركزية إلا في حالة واحدة وهي عندما تصل الديمقراطية إلى حد يخرج الحزب عن النهج الماركسي باتجاه الليبرالية.
والعكس صحيح، تصبح المركزية خطراً على الحزب عندما تلغي القيادة حرية التعبير والنقد وتستبدلها بطرق تقديم الولاء.
5 ـ النقطة الخامسة تتعلق بحق الحزب في تقييم وتقويم قيادته: إن تقييم سياسة الحزب يجب أن ينبع من مقدار التزام هذه السياسة بالنهج الماركسي اللينيني، وعليه فإن أي خروج على هذا النهج يتطلب، وهذه مسؤولية جماعية، محاسبة المسؤولين عن هذا الخروج، ولا يتم هذا إلا بتوفر المناخ الصحي (وهذا ما يفتقر إليه حزبنا اليوم) ومن شأن هذا التقييم، إن تم حسب النظام الداخلي وقواعد النقد والنقد الذاتي ومبدأ المركزية الديمقراطية وبروح علمية رفاقية (لا عشائرية أو عائلية) أن يجنب الحزب الكثير من المشاكل خاصة الانقسامات. فالتضييق على الآراء من شأنه أن يخلق حالات الكمون المشحون، بينما السماح لهذه الآراء بالتفاعل ضمن المناخ الصحي المذكور أنفاً سيؤدي بلا شك إلى إغناء وتطوير آليات العمل داخل الحزب ومع الجماهير.

وقد لمسنا مؤخراً رغبة لدى منظمات الحزب وقواعده بإحداث مثل هذا التغيير ، بينما لمسنا لدى القيادة الحالية رغبة في تجيير الحزب وتفصيله على قياس البعض، على أساس الولاء لا على أساس الكفاءة، وبعيداً عن آراء وطروحات ديميتروف المتعلقة باختيار الكادر، وقد استعملت القيادة عدة طرق ، معظمها يخالف نظامنا الداخلي.
كذلك نرى أن من حق الحزب، وضمن حال كهذه، وحسب نظامه الداخلي، أن يبادر إلى تقويم الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها.
إن إرادة أغلبية الحزب ، خاصة إذا تطابقت أو التقت مع إرادة أغلبية مندوبي المؤتمر التاسع للحزب، هي بالنتيجة، ومن حيث المنطق، إرادة الحزب كله باتجاه عقد المؤتمر الاستثنائي، الذي سيكون بالنسبة للحركة الشيوعية في المنطقة حدثاً تاريخياً هاماً، وفرصة تتاح للمرة الأولى لجميع الرفاق أن يعبروا عن آرائهم ويشاركوا، أيضاً للمرة الأولى، في صياغة برنامج عمل للمرحلة القادمة، خارجين بذلك من حالة الشعور بالرضى عن النفس ومنطلقين إلى مكتسبات جديدة بدلاً من التغني بالمكتسبات التي تحققت نتيجة نضالات الحزب السابقة.
إن إعادة الحزب إلى الجماهير وإعادة الجماهير إلى الحزب لا تتحقق بالنوم في العسل، بل تتحقق بالمزيد من العمل على ضوء المنهج الماركسي اللينيني وبآليات عمل جديدة تتناسب مع روح العصر.
ولا شك في أن هذا الطرح سيلقى المعارضة الشديدة من البعض، ولن تهمنا بالنتيجة معارضتهم لثقتنا بأننا نسير بالاتجاه الصحيح من أجل تخليص أنفسنا من العطالة، وتحقيق شعارنا الذي أكدنا عليه في المؤتمر التاسع (نحو أوسع جماهير) معنا في هذا آلاف الشيوعيون الذين قيل «أنهم وضعوا أنفسهم خارج الحزب»!..
ولا ريب في أن عقد المؤتمر الاستثنائي سيكون له إيجابيات كثيرة ليس على الحركة الشيوعية في سورية فقط بل على الأحزاب الشيوعية المجاورة.
ونود أن نذكر في النهاية، أن أحزاباً عديدة أعادت بناء نفسها، بعد أن هدَّتها الانحرافات والانقسامات وكان لقادتها دور سلبي جداً عندما عجزوا عن مواكبة التطورات واتخاذ المواقف المناسبة، كما لم يتمثل هؤلاء القادة الحلول الناجعة أمام المعضلات والمسائل التي واجهتهم، مما أدى إلى سقوطهم كطليعة، وبالتالي سقوطهم على المستوى الشعبي. فقامت منظمات الحزب المعني هنا بالدفاع عن حزبها رغم قيادتها المعيقة، معيدة لحزبها نقاوته وإشعاعه مما سمح باستعادة قوة حزبهم وعودته إلى ممارسة دوره المطلوب منه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
163