«2254» قاعدة انطلاق ينبغي تطبيقها
رستم رستم رستم رستم

«2254» قاعدة انطلاق ينبغي تطبيقها

وصلت الأزمة السورية إلى درجة مأساوية غير مسبوقة. وإن استمرار الوضع على ما هو عليه سيفضي إلى إنهاء سورية كدولة وشعب ووحدة جغرافية سياسية. ولذلك تنتصب أمام القوى السياسية والمجتمعية السورية الوطنية  مهمة ملحّة تتمثل بضرورة القيام بدورها الوظيفي، للذهاب إلى المخارج، التي تمنع حالة الإنهاء تلك، ومن أولى مهامها امتلاك المعرفة الضرورية واللازمة للوصول إلى المخارج الآمنة.

 

للأزمة السورية طوابعها المحلية والإقليمية والعالمية، بحكم وجود ارتباط وتفاعل عضوي فيما بين هذه العوامل، بما يخرج حل الأزمة عن إطاره المحلي الصرف، فهي في حالة تفاعل جدلي بين الداخل والخارج، وتأتي هذه القراءة للتأكيد على هذه المخارج.

أهم الأحداث البارزة التي جرت وتتطلب منا الوقوف عندها باعتبارها من عناصر التحليل المهمة:

- «الانقلاب التركي» وبدء أنقرة بالاستدارة.

- نتائج الاستفتاء البريطاني في حزيران 2016 المؤيد للخروج من الاتحاد الأوربي.

- نتائج الإنتخابات الأمريكية.

- نتائج الإنتخابات في ملدافيا وبلغاريا....

إن فهم هذه الأحداث مبني على التراجع الثابت والمطرد للمركز الإمبريالي العالمي، في مقابل الصعود الثابت والمطرد للقوى الجديدة عالمياً، حيث نقف أمام حالة انتقال وتحول في الصراع العالمي عبر تسجيل النقاط تراكمياً ولكن ضمن حالات انعطافية واضحة وسريعة.

غير أن هذه الأحداث أحدثت صدمة كبرى لدى عدد لا بأس به من القوى والشخصيات، علماً بأنه كان يمكن استشرافها مسبقاً عبر قراءة مفاعيل الأزمة الرأسمالية العالمية وميزان القوى العالمي الجديد.

وبالعمق: إن ما ظهر من نتائج الانتخابات الأمريكية يدل على حالة الانكفاء، من الخارج إلى الداخل ضمن محاولة التحكم بالتراجع، وهي تنطوي ضمناً على صراع حول نمط توزيع الثروة الأمريكية وتحديد من يحكم بالتالي: الإداريون أم المالكون؟ وهذا ما أظهر انقساماً عامودياً، يضاف للانقسام الطبقي الأفقي. ففي حالة النهب الجيد امتلكت الإدارة الأمريكية الإرادة لتطبيق الديكتاتورية المركزية الشديدة، أما اليوم فهي خسرت الكثير من قنوات النهب وهي أمام خسارات مؤلمة قادمة، ما سيؤدي إلى فقدان وحدة الإرادة وبالتالي الانقسام المكرس.

ستعيش الولايات المتحدة في المراحل القادمة تحت ثقل تناقضاتها الكثيرة والعميقة التي وصلت إلى درجة استعصاء بنيوي، وستتعرض لأزمات وهزات أكبر وأعمق، والمحدد لذلك عاملان أساسيان:

- ميزان القوى العالمي الجديد

- تعمق الأزمة الأمريكية الداخلية ذاتها

وبحكم أن شكل منظومة توزيع الثروة كان ولم يزل قائماً على مستويين خارجي وداخلي، فإنه مع التحول العميق في البعد الخارجي سيتأثر الداخلي إلى حد كبير قد يصل إلى الانهيار، بما سيعطي آثاره الخارجية لاحقاً أيضاً.

أما اليوم فإن أول انعكاسات الهزة «الانتخابية» الأمريكية ستطال أيتام واشنطن:

- الاتحاد الأوربي

- دول الخليج العربي

- وبعض المعارضات السورية التي تعوّل على الدعم الأمريكي.

إن القوى الإقليمية والداخلية المراهنة بتحقيق مصالحها أمريكياً، لن تنال إلا الخيبة ببساطة لأن «الأمريكي» الذي لم يخرج من حالة الإنكار بعد، أولا: لا يقبل بشركاء وإنما يريدهم أتباعاً، وثانياً: للمفارقة هو لم يعد مالكاً للقدرة على فرض الهيمنة والتحكم عالمياً، وهو عاجز عن الوصول بقراراته إلى النهاية لأنه يفقد التوازن والقدرة على الفعل.

في البعد السوري للمشهد، ومن خلال تطور الأزمة وصل معسكر القوى التي عملت وآمنت بالحوار والحلول السياسية إلى مستويات متقدمة جداً، ابتداءً من جنيف1، موسكو 1+2، القاهرة، فيينا، جنيف3، تتويجاً بالقرار الدولي 2254. وإن وصول الحل السياسي للأزمة إلى حالة من الاستعصاء المؤقت هو أمر طبيعي، دون أن يعني وجود الانزياح أو التراجع عن مساره وسياقه العادي المطلوب. وإن محاولات التضليل والتزييف كلها من الأطراف المتشددة، التي مازالت تمني النفس بالعمل بمقولة (الحسم الاسقاط) لم تعد تجدي نفعاً أمام وقائع الأمور والمعطيات العملية، حيث سيبقى الحل السياسي هو الخيار الأوحد.

إن ما يجري من عمليات عسكرية مركزة من الطرف الروسي، واستجلاب أدواتها التقنية النوعية، ما هو إلا لتثبيت وخدمة حالة الحل السياسي. وضمن هذا الإطار كان الهدف من بدء معركة حلب، من الجانب الروسي مع الجيش السوري بهدف إجبار المعسكر الآخر وقواه للذهاب إلى الحل السياسي.

وبالمقابل فالأطراف المتشددة، هنا أو هناك، بسبب تعقد وتعمق الأزمة السورية ترى بالحل السياسي ضرباً لمصالحها، ولذلك فإنها تسعى جاهدة اليوم لطرح مبادرات بخطوات تراجعية دون سقف القرار الدولي، بما يشكل خطراً على ما تم إنجازه وبما يبعد الشعب السوري عن الحلول الحقيقية للكارثة التي يعيشها.

والحال هكذا، يشكل القرار الدولي 2254، المصاغ روسياً في مجلس الأمن قاعدة الانطلاق الآن، والمطلوب الانتقال به إلى حيز التنفيذ على الأرض، بما يؤمن وحدة سورية، أرضاً شعباً، ويؤمن المقومات الضرورية لمحاربة الإرهاب، وإيقاف العنف المفاقم للكارثة الإنسانية، والوصول إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل، المطلوب سورياً.

ومن نافل القول، أن نجاح الحل السياسي في سورية، سيكون نموذجاً ودافعاً ورافعة لزيادة ترجمة التحولات في ميزان القوى الدولي، تثبيتاً للقانون الدولي بمعانيه الحقيقية، ولتكريس حل الأزمات في العالم، عبر الحوار والحلول السياسية التغييرية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
787
آخر تعديل على الأحد, 04 كانون1/ديسمبر 2016 18:56