الافتتاحية الخطة العاشرة بين الواقع والشعارات

قريباً، سيحل العام الخامس للخطة الخمسية العاشرة، والملفت للنظر أنه لم يجر تقييم شامل لتنفيذها إلاّ أحياناً وبشكل جزئي، ومن واضعيها أنفسهم. فكم سيكون هذا التقييم موضوعياً؟! سؤال مشروع يجب الإجابة عنه، وليس الهدف تسجيل نقاط على أحد، بقدر ما هو معرفة المسار الحقيقي الذي تسير عليه الأمور من أجل تدقيق السياسات المتبعة ومراجعتها والقيام بمعالجات جديدة إذا تطلب الأمر، وصولاً إلى تغيير منطق التوجه نفسه..

ويدفعنا إلى هذا الأمر قيام النائب الاقتصادي في مقابلة مع «تشرين» الأسبوعي  في  14/7/2009 بالترويج للنجاحات التي يفترضها للخطة الخمسية العاشرة..
1 ـ حول المناخ والمعدلات..
يقول إن سورية «واجهت السيناريو التشاؤمي وحققت معدلات النمو المتوقعة بين السيناريو الاستمراري والتفاؤلي»... أي يريد القول إنه رغم أن الظروف كانت سيئة فقد تم تجاوزها، وتحققت أرقام نمو متوقعة بالظروف الجيدة فقط، فماذا يعني ذلك؟..
يراد القول إن الخطة «المعجزة» كانت قادرة على تحقيق غير المتوقع.. فلنكن أكثر تواضعاً ونقول: إن الظرف في الحقيقة كان استمراراً لما شهدته سورية على مر تاريخها من ضغوط وتعقيدات إقليمية وخاصة ًفي العقود الأخيرة، وهو لم يكن كارثياً بالمعنى الذي أرادت الخطة التعبير عنه. أما النتائج فكيف تقاس؟ هل أرقام النمو المعلنة من المكتب المركزي للإحصاء أصلاً هي مرجعية حقيقية؟ هل هو جهة مستقلة عن واضعي الخطة؟ وإذا أخذنا أرقامه المعلنة نفسها وتفحصنا التفاصيل، ألا نرى تراجعاً سلبياً واضحاً في أرقام نمو القطاعات الإنتاجية السلعية، وتضخماً في نمو القطاعات غير الإنتاجية- الخدمية؟ عمّ يعبر ذلك.. عن نمو حقيقي؟ إذاً ما هو تفسير ارتفاعات الأسعار المستمرة؟..
إن مبادئ علم الاقتصاد في المدارس تعلم أن النمو الحقيقي لا يترافق مع تضخم عالي الوتائر.. لذلك يمكن أن نستنتج براحة ضمير أن النمو الحقيقي الوحيد الذي حققته الخطة هو نمو معدلات التضخم التي وصلت حسب بعض المراجع إلى أكثر من 20% سنوياً..

2 ـ كيف يقاس الأداء الاقتصادي؟
فلنفترض أننا اختلفنا على أرقام النمو وطريقة احتسابها، وكل الأطراف يمكن أن يكون لديها حجج في هذا المجال.. فكيف سنقيم الأداء الاقتصادي عندئذ؟! أليس من خلال المؤشرات الاجتماعية، وأهمها الفقر والبطالة؟ هنا قد لا يختلف معنا أحد أن الفقر قد توسعت دائرته، وأنه في مجال البطالة لا يدعي أحد تحقيق أي اختراق جدي.. فإلى متى يجب أن ينتظر السوريون تحقيق نتائج إيجابية في مجال مكافحة الفقر والبطالة؟ إن الخطة العاشرة لم تحقق شيئاً يذكر أمام هذا التحديين، بل جرى تراجع جدي أحياناً.. تُرى إذا استمر النهج نفسه، هل سيجري تحقيق شيء في الخطة الحادية عشرة، أمام ذلك ألا يجب التوقف فوراً ومراجعة أسباب النتائج السلبية في هذا المجال؟، والتي لا يمكن إرجاع مسؤوليتها لا إلى الطقس، ولا إلى المناخ الإقليمي، ولا إلى الأزمة العالمية.
ثم هل نتائج الخطة العاشرة في هذا المجال مؤقتة وعابرة، أم أنها مستوطنة في منطق وشكل تنفيذ الخطة اللذين يعانيان في هذه الحالة من إشكال عضال؟ وهل صحيح أن «كل إصلاح له خسائر اجتماعية»؟! هذه المعزوفة نعرفها، وقد استخدمت في أوروبا الشرقية لتمرير الإصلاحات التدميرية السيئة الذكر من أجل شل المجتمع وخلق روح انتظارية لديه على أمل القادم المزدهر.. وتبين في الواقع أن الإصلاحات التي تبدأ بخسائر اجتماعية تنتهي بكوارث سياسية واجتماعية، أما الإصلاح الحقيقي فهو معروف من عنوانه، وهو يبدأ بفوائد اجتماعية تنتهي بتراكمها إلى تحولات اجتماعية تقدمية..

3 ـ أي اقتصاد نريد، وأي دور للدولة نريد؟
إن مناورة استخدام مصطلح «الاقتصاد المفتوح» هي عملية التفافية لتجنب استخدام تعبير «اقتصاد السوق» الذي أصبح تعبيراً مشيناً بالنسبة للوعي الاجتماعي..
فعن أي اقتصاد مفتوح يجب أن نتكلم؟ إن اقتصاداً مفتوحاً سمته القوة هو أمر رائع، أما اقتصاد مفتوح مع سمات ليست قوية فهو أمر مضر بالأمن الوطني.. لذلك فالسؤال هو: هل اقتصادنا قوي أم ضعيف؟ إن المقارنة مع أرقام الناتج المحلي الإجمالي مع دول الجوار آخذين بعين الاعتبار المساحات الجغرافية والأعداد السكانية، إن كانت لا تقول إن اقتصادنا ضعيف، فهي حتماً لا تقول إنه قوي.. والأصح أن يقال إن اقتصادنا لديه مكامن قوة غير مستخدمة، ولا يمكن لهذه السياسات المتجهة نحو القطاعات غير الإنتاجية، وفي أحسن الأحوال نحو البنية التحتية فقط، أن تستفيد من مكامن القوة المطلقة للاقتصاد السوري، فهي ليست لديها لا المصلحة ولا الرغبة في ذلك..
إن التركيز المستمر على اعتبار مركز ثقل سورية الاقتصادي يكمن في كونها معبراً وممراً تجارياً هو ميزتها الأساسية والوحيدة، يريد عملياً إغفال ميزاتها المطلقة التي يمكن أن تجعل منها قوة اقتصادية أولى في المنطقة فعلاً.. إن المنطق الليبرالي المستند إلى النظرية النقدية في التحليل الاقتصادي لا يمكن أن يرقى إلى مستوى هذه المهمة معرفياً على الأقل..
الخلاصة الأهم: إن الخطة العاشرة تم وضعها في ظرف آخر غير الذي نعيشه اليوم، وإن تداعيات الأزمة العالمية يجب أن تدفعنا لأن نضع الخطة الخمسية الحادية عشرة ليس كاستمرار للماضي، وإنما كاستقبال لما هو آت من جديد على مستوى الإقليم والكون بكامله، وفي ذلك ضمان لكرامة الوطن والمواطن..

معلومات إضافية

العدد رقم:
413