تنبهوا واستفيقوا أيها العرب فقد طمى الخطب حنى غاصت الركب لا عذر لمتخاذل عندما تكون المقاومة في خطر

  بات واضحاً الآن أن الإدارة الأمريكية بلسان رئيسها وكبار معاونيه ـ باول، رامسفيلد، رايس ـ حددت مسرح الجولة الثانية من حربها الكونية ـ التي أعطتها اسماً مغايراً لحقيقتها ـ فإذا هي حرب إسرائيلية بالكامل، مكانها يتحدد لاحقاً حسب مقتضيات التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني، وحسب ما كان يحدث دائماً عشية أية حرب عدوانية تشنها إسرائيل أو أثناءها أو بعدها ضد بلد أو أكثر من البلدان العربية…

 حرب نفسية شاملة
بعد عشرات من التصريحات والزيارات وإطلاق التهديدات الصريحة والمبطنة لهذه الدولة العربية أو تلك، وبعد أن حصدت أمريكا وإسرائيل أولى المواقف العربية التي تتنصل من مسؤولية استمرار المقاومة ضد الاحتلال، دخلت أمريكا حرباً جديدة، ومن نوع خاص، ضد العرب جميعاً من الباب الإسرائيلي، فإذا عدوها الثاني ـ حتى قبل انتهاء الحرب في أفغانستان ـ هو كل عربي سبق له أن حمل السلاح أو لا يزال يحمله ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكل من ساند أخوته الفلسطينيين «بسيفه أو بيده أو بلسانه، أو بقلبه وهذا أضعف الإيمان» يعتبر بنظر اليانكي الأمريكي إرهابياً أيضاً، وبالتالي تتجرأ إدارة بوش عبر موفديها إلى المنطقة، وعبر أجهزة إعلامها ـ التي تديرها الصهيونية العالمية ـ ، أن تطلب من الأنظمة العربية اعتبار جميع الفصائل التي تقاوم الاحتلال حتى الآن فعلاً /حزب الله، الشعبية، فتح، حماس، الجهاد/ منظمات إرهابية… وقد وصلت الوقاحة بأحد أعضاء وفد الكونغرس الأمريكي الذي زار لبنان وسورية مؤخراً أن صرح «بأن لبنان ليس دولة إرهابية، ولكن هناك مجموعات إرهابية تحتل قسماً من أراضيه، وهكذا تصدَر «حزب الله» قائمة المطلوبين للعقاب أمريكيا ًوإسرائيلياً ولكن بأيد عربية، إن أمكن ذلك!! 

أهداف بعيدة المدى
هناك أهداف بعيدة المدى وراء المحاولة الأمريكية ـ الإسرائيلية لقطع صلات الفلسطينيين بالمقاومة الوطنية اللبنانية وبكل من حولهم ولعل من أبرز أهداف التحالف الأمريكي ـ الصهيوني من وراء ذلك:
1. تعميق حالة التخاذل والاستكانة التي وصل إليها النظام العربي الرسمي، ومنعه من ان يجد له مصلحة في أي دعم فعلي للانتفاضة الفلسطينية الباسلة، وقد شهدنا قمة الإذلال والإهانة الأمريكية لعدد من الأنظمة العربية عندما أعطى كولن باول أوامره لها «بعدم الاتصال بياسر عرفات المحاصر في رام الله إلا لتأنيبه وحثه على اعتقال القادة الميدانيين للانتفاضة وأبطال عملية قتل وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي ـ صاحب نظرية ترحيل الشعب الفلسطيني من أرضه » وللأسف الشديد رضخ ياسر عرفات لهذا الطلب فأقدم على اعتقال المناضل أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكن شارون خذله واعتبر الاعتقال مسرحية، وطالبه باعتقال المزيد من القادة الميدانيين وإلا فسيبقى محاصراً ومعزولاً ولمح إلى أن الحكومة الإسرائيلية تفكر جدياً بمنع المسؤولين الأجانب من مقابلة عرفات!
2. إطلاق يد شارون واعتبار موقفه من المطالب الفلسطينية موقفاً أمريكياً أيضاً تحكمه مذكرة التفاهم الاستراتيجي بين الطرفين والتي ازدادت أهميتها بعد أحداث 11 أيلول، وبعد تهيئة الجيش الأمريكي للتدخل في أي بلد من بلدان العالم. فإذا كانت أوروبا غير متحمسة أحياناً للاندفاع العسكري الأمريكي، فإن إسرائيل تدعو إلى ذلك منذ زمن طويل وتتعهد بالمشاركة ميدانياً وتقديم الخدمات اللوجستية لأية عملية عسكرية أمريكية لا ترغب واشنطن في إشراك إسرائيل فيها بشكل مباشر.
3. الضغط لمنع قيام أية هيئة شعبية عربية أو إسلامية غير حكومية لدعم المقاومة العربية ضد الاحتلال، سواء في جنوب لبنان أو في الجولان السوري المحتل أو في فلسطين المحتلة، وهكذا سنشهد في ظل تخاذل النظام الرسمي العربي، ضغطاً متزايداً من أجل قطع أية صلة بالانتفاضة الفلسطينية الباسلة مع أية مقاومة عربية أخرى للاحتلال، وستقود واشنطن هذه الحملة ليس ضد الشارع العربي فقط، بل أيضاً ضد مظاهر التضامن الشعبي الأوروبي مع الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.
المقاومة أبقى
وعلى الرغم من التنازلات التي قدمتها قيادة السلطة الفلسطينية ـ ولسنا الآن بصدد التذكير بأخطائها منذ أوسلو حتى الآن ـ وهي تمس جوهر الحقوق الوطنية الفلسطينية، فإن الولايات المتحدة لم تتنصل فقط من كل تعهداتها للفلسطينيين والعرب عشية مدريد، بل لم تسع حتى الآن لفك الحصار عن ياسر عرفات، أو وقف المذابح الإسرائيلية اليومية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
إن السيوف الأمريكية ـ الإسرائيلية تتقاطع الآن على «حزب الله» وعلى جميع أبطال المقاومة الوطنية اللبنانية بأثر رجعي عن مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي منذ أول عملية فدائية ببيروت الغربية في أيلول 1982 مروراً بتدمير مبنى القيادة الإسرائيلي في صور وصولاً إلى حرب الجبل إلى يوم التحرير العظيم 24 أيار 2000، ثم متابعة النضال من أجل تحرير مزارع شبعا حتى حدود 4 حزيران 1967.
وكما عهدناه على الدوام، فإن حزب الله يقرن القول بالفعل، وقد شدد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على التمسك بالمقاومة كخيار استراتيجي أمام الجماهير العربية بغض النظر عما وصل إليه النظام العربي من تخاذل حيال الهجمة الإمبريالية ـ الصهيونية. وأكد قائد حزب الله قبل أن يغادر وفد الكونغرس الأمريكي العاصمة بيروت: «إننا في المقاومة نقوم بالواجب الشرعي والإنساني، فنحرر أرضنا ونستعيد أسرانا والمعتقلين والرهائن في سجون العدو. في المقاومة ندافع عن كرامة بلدنا وأمتنا، في المقاومة نواجه عدونا ونضع له حدوداً حتى لا يتمادى في غيه وظلمه وعدوانه، وكل هذه الأسباب ما زالت قائمة وموجودة».
وتساءل نصر الله عن نتيجة التخلي عن المقاومة، وذكَر بما حصل للسلطة الفلسطينية عندما أعلنت عن وقف إطلاق النار من طرف واحد، حيث لم يتوقف العدو الصهيوني قط عن سفك دماء الفلسطينيين وجرف أراضيهم وهدم منازلهم ووصل الأمر إلى حد سرقة أعضاء بعض الأطفال وتشويه أجسادهم وهم أحياء…

كفى أوهاماً!
ـ واهم من يتصور أن التخلي عن المقاومة ضد إسرائيل، سيؤمن للعرب حماية الأرض والعرض والمقدسات!!
ـ واهم من يثق بالضمانات الأمريكية إزاء قضايا الصراع العربي ـ الصهيوني. ويكفي التذكير بتراجع واشنطن عن رسائل الضمانات للعرب عشية مؤتمر مدريد إلى اعتبار ما تقوم به حكومة شارون الآن من مجازر بحق العرب الأبرياء، «إنه مجرد دفاع عن النفس!!»
ـ واهم من يتصور أن أمريكا وحلفاءها من صهاينة ورجعيين كلية القدرة، فكما غابت شمس النازية والفاشية لابد أن تنهزم عاجلاً أم أجلاً الإمبريالية الأمريكية أمام نهوض وكفاح الشعوب. فمن سياتل وحتى الأرجنتين يمتد قطب الشعوب ضد العولمة وهذا هو الأهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
167