لماذا ميثاق شرف الشيوعيين؟

 خلال العقود المنصرمة تباين الشيوعيون واختلفوا وتشققوا وأنزلوا ببعضهم بعضاً تهماً ما أنزل الله بها من سلطان.
والغريب أن كل انقسام، الذي كان الجميع، القاسم والمقسوم، ينظر إليه كعملية تطهير أدى إلى إضعاف الجميع، ولم يتحقق ما كانوا يصبون إليه وهو تقوية الحزب، بل تحقق نقيضه أي إضعاف الفصائل مجتمعة ومنفصلة.
أفلا يستحق هذا الموضوع وقفة مراجعة؟ وخاصة أن الكل بلا استثناء كان يعيد إنتاج الأزمة بين صفوفه الجديدة بشكل أو بآخر، أي أن القاسم كان يتحول من جديد إلى قاسم ومقسوم، والمقسوم إلى قاسم ومقسوم جديدين.
إن حل هذا اللغز لا يمكن أن يتم، إذا انطلقنا فقط من ظروف الحركة الشيوعية السورية مع كل الخصوصيات التي رافقت انقساماتها، ويمكن أن نقترب من الحل إذا انتبهنا إلى أن الحركة الشيوعية العالمية كانت تعيش في أزمة منذ أوائل الستينات وكانت قمتها انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينات.

 والأرجح أن السبب العميق لهذه الأزمة الشاملة في الحركة الشيوعية العالمية كان يكمن في الابتعاد عن الهدف المعلن مع التقدم في الزمن، مما كوَّن هوة بين الهدف المعلن والواقع الملموس، وكان التعبير عن هذه الهوة في توقف مسلسل النجاحات الذي حققته الحركة في النصف الأول من القرن العشرين التي تغيرت بنتيجته موازين القوى العالمية وبدء مسلسل الكبح ومن ثم التراجعات في النصف الثاني منه، وعدم تمكن الحركة من تحقيق تقدم استراتيجي ملموس كالذي تحقق في الفترة الأولى، هذا المسلسل الذي ارتبط بتغيير رؤية الحركة وخاصة طليعتها آنذاك، الحزب الشيوعي السوفييتي، حول جملة من القضايا الاستراتيجية التي تخص قضية الصراع مع القطب الآخر، القطب الرأسمالي العالمي، ومنها قضية التعايش السلمي وقضية دور حركة التحرر الوطني العالمية، وقضية دور الأحزاب الشيوعية وطريقة حركتها وتحالفاتها وجملة من الأمور الأخرى الهامة…
والمعروف أن كل حركة في تراجعها، إذا لم تعِ السبب الحقيقي له، تبدأ بالبحث عن أسباب غير حقيقية واضعة لها حلولاً وهمية مما يؤدي إلى زيادة الطين بلة، وإلى ازدياد كم الأسئلة التي تكثر حولها الاجتهادات والتي تبقى دون أجوبة حقيقية.
من هنا يمكن أن نفهم أحد الأسباب الأساسية للانقسامات المحلية والعالمية وكذلك فشل جميع المساعي الوحدوية رغم توفر الكثير من النوايا الحسنة عند أكثرية المعنيين بالأمر.
ولكن اليوم وبعد نحو عشر سنوات على انهيار الاتحاد السوفييتي، يتبين بشكل واضح على أرض الواقع، أن الأزمة الحقيقية انتقلت بكل احداثياتها إلى النظام الرأسمالي العالمي نفسه، الذي رغم كل النجاحات التي حققها، أثبت أنه غير قادر على حل أية قضية من القضايا التي تعاني منها البشرية جمعاء بل إنه يعقدها ويزيد استفحالها، وما الأحداث الجارية بعد 11 أيلول 2001 إلا دليل قاطع على أن هذا النظام في أزمة مستعصية مما يفتح الطريق موضوعياً من جديد لنقيضه أي قوى التحرر والتقدم والديمقراطية في العالم التي يشكل الشيوعيون جزءا ًهاماً منها ،لكي يستعيدوا دورهم كبديل حقيقي.
من هنا تنفتح من جديد ضرورة وإمكانية إعادة توحيد الشيوعيين السوريين في حزب يستعيد اعتباره أمام الجماهير التي خاب أملها مؤقتاً فيه خلال العقود الماضية.
وللوصول إلى هذا الهدف ليس المهم اكتشاف المسؤولين لمحاسبتهم على مسؤولياتهم بقدر تحديد المسؤوليات الجديدة القادرة على لم شمل جميع الشيوعيين القادرين على مواصلة النضال الوطني والاجتماعي والديمقراطي.
ولكن كي يتمكن الشيوعيون من تحديد مسؤولياتهم بشكل ديمقراطي وجماعي عليهم أن يتجاوزوا جملة من الأمور التي تعيق هذه العملية.
وأهم هذه الأمور هي قضية موقفهم من بعضهم بعضاً التي غلب عليها طابع التخوين والتكفير والتهجير والذي ينطلق من منطق امتلاك الحقيقة المطلقة مانعاً إياها عن أي أحد أخر، مما يقطع الحوار ويفقر النقاش ويؤدي بصاحبه إلى إنكار الأزمة وهو ليس إلا دليلاً على غرقه فيها حتى شحمتي أذنيه.
ومن النتائج السلبية الهامة لهذا الموقف أنه أطلق شحنة تدميرية خطيرة أصابت بالدرجة الأولى المنظومة الأخلاقية التي يجب أن يتمتع بها الشيوعيون والتي كانت دائماًَ تميزهم وتشكل قوة جذب عظيمة لهم، فعوضاً عن أن توجه هذه الشحنة إلى أعداء الوطن والشعب، انقلبت إلى الداخل وحطمت منظومة العلاقات الرفاقية التي حل محلها حيثما أفلحت الأخلاق الأنانية والفردية والمصلحة الذاتية النقيض المباشر لأخلاق التضحية والغيرية وإنكار الذات والسعي من أجل مصلحة الجموع.
 لذلك فأول ما يجب ترميمه وإحياؤه هو تلك المنظومة الأخلاقية الإنسانية الشيوعية التي بدونها لن يتقدم أي نقاش فكري وسياسي مؤدياً إلى توحيد إرادة وعمل الشيوعيين السوريين، من هنا فإن مهمة ميثاق شرف الشيوعيين السوريين هو وضع اللبنة الأولى على هذه الطريق الصعبة ولكن النبيلة والعظيمة، مستوحين قول الشاعر:

وإن الذي بيني وبين بني أبي              وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم            وإن هدموا كجدي بنيت لهم مجدا

معلومات إضافية

العدد رقم:
166