الافتتاحية.. من العقوبات إلى الترتيبات

  لا تشير المعطيات إلى انخفاض حدة الأزمة التي تعاني منها الإمبريالية الأمريكية، وما ارتفاع أسعار النفط لتتجاوز 40 دولاراً للبرميل الواحد إلاّ مؤشر هام على ذلك، فأحد الأهداف الإستراتيجية الهامة المتوسطة المدى للعدوان على العراق كان تخفيض سعر البرميل إلى حوالي عشرة دولارات من أجل خلق الظروف المؤاتية لتنشيط دورة الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني من اختناقات جدية، وأهم دليل عليها هو مراوحة سعر الفائدة إلى أرقام تتناهى حتى الصفر، والترنح الدائم لسعر صرف الدولار أمام اليورو.

وفي ظل وضع كهذا يصبح الحل العسكري السياسي هو المخرج الوحيد المستمر لهذه الأزمة الخانقة مع كل ما يحمله هذا الحل من مخاطر وخسائر واحتمالات فشل على الأرض.

  لذلك كان لابد للإدارة الأمريكية من استخدام عصا العقوبات ضد سورية مثلاً من اجل تهيئة الظروف الملائمة، لحملاتها القادمة.

  وكذلك فلا مفر أمامها من إعادة ترتيب أوضاعها في المنطقة، من أجل إعادة توزيع قواها، وإعادة تحديد وصياغة أهدافها المباشرة قيد التنفيذ.

  فما المسرحية الأخيرة، قبل ما يسمى بنقل السلطة في العراق في 30 حزيران، والتي لن تنقل أي سيادة للعراقيين إلاّ عملية تهدف إلى إعادة توزيع الأوراق بحيث تحقق الأهداف التالية:

■ تخفيف الضغط على القوات الأمريكية لتحرير جزء من قواها لمهام إقليمية أخرى.

■ نقل مركز الثقل في المواجهة المباشرة مع المقاومة العراقية المتنامية إلى الأمم المتحدة وإلى القوى الأمنية والعسكرية العراقية قيد التصنيع.

■ خلق كل الظروف المواتية لبلقنة العراق عبر تثبيت التوزيعات الطائفية والقومية في التمثيل في مختلف المؤسسات المسبقة الصنع.

■ استمرار جس النبض لإيجاد «سراييفو» جديدة، تكون الصاعق الضروري لتفجير الصراع العراقي - العراقي إذا تطلب الأمر ذلك.

ومن جهة أخرى فما سلوك شارون المدعوم أمريكياً إلا تأكيد جديد على استمرار الترتيبات لوضع جديد في المنطقة. فالمجازر في غزة مع استمرار الحديث عن الانسحاب منها يهدف استراتيجياً إلى إنهاك المقاومة الفلسطينية قبل تكليف قوات الغزو الإسرائيلية بمهام جديدة في المنطقة ضمن إطار التقاسم الوظيفي الجديد بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية والتي كرسها وعد بوش الأخير.

  كل هذا يضع سورية أمام تحديات ومهام كبيرة. فهي حتماً ضمن الأهداف المقبلة في خطة إعادة صياغة الشرق الأوسط الكبير السيئة الذكر، وهي إذا كانت اليوم بين فكي كماشة من الغرب والشرق كما يحلو للبعض القول، إلا أن التاريخ يعلمنا أن دور سورية كان دائماً مفتاحياً. فبدون إخضاعها لا يمكن لأية مخططات تمس المنطقة أن تنجح، وبصمودها ضمانة فشل هذه المخططات نفسها.

  لذلك ترتدي مهمة تعزيز الوحدة الوطنية في أسرع وقت ممكن أهمية قصوى في الظروف الحالية. فسورية قادرة على تلقين الغزاة الجدد درساً يغير رسم اتجاه التطور العالمي الحالي كله إذا استطاعت أن تستعد بالشكل المناسب للمواجهة المفروضة عليها.

  من هنا تأتي أهمية تسريع الحوار الوطني الواسع للوصول إلى القواسم الشعبية الوطنية المشتركة التي تهيئ المناخ كي يكون كل مواطن سوري مقاوماً في أول لحظة يتطلب فيها الوضع ذلك.

  لذلك يجب أن يشعر كل مواطن أن الدولة جدية في معالجة مشاكله الاقتصادية- الاجتماعية وكذلك جدية في توفير المناخ الديمقراطي الضروري له كي يقول كلمته في مصير بلده وشعبه. 

 

  إن الوقت في تناقص وتحضيرات العدوان تتسارع والمهمات الكبرى الجليلة في انتظار من يبادر إلى حلها وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.