إن لم يتحقق مبرر وجود الحزب، فمن الطبيعي وجود أزمة كلمة الرفيق د. قدري جميل:
لا نملك أي مشروع نظام داخلي للنقاش، وهذا لا يعني أن النظم الداخلية السارية المفعول لدى الفصائل الثلاثة هي أساس النقاش، أما نقاشنا الحالي فهو يجري حتى الآن على أساس أن نحدد المفاهيم والمبادئ العامة للقضايا التنظيمية التي إذا ما اتفقنا عليها، بالإضافة إلى ما أنجز، وأهمها الورقة السياسية، سيسمح لنا بالسير نحو وضع نظام داخلي جديد.
لذلك نحن اليوم نبدأ بالخطوة الأولى باتجاه بناء نظام داخلي، أرضيته السياسية بحدودها الدنيا متوفرة. وعندما نتحدث عن المفاهيم والمبادئ فهناك قضايا لابد من إعادة النقاش حولها:
أولاً: فكرة الحزب: بالمعنى الذي نعمل عليه قد تحدث عنها لينين في «ماالعمل»؟.
وجوهر ما تحدث عنه لينين عن هذه الفكرة هو نموذج وضعه وعلى أساسه قام الحزب بدوره الوظيفي وهذا النموذج هو كمايلي:
● الحزب هو جهاز ضمن المجتمع يتفاعل معه ولهذا الجهاز مركزه، وهو جهاز المجتمع العصبي. يبدأ المركز بإرسال إشارات إلى الأطراف (إلى المنظمات) وهذه المنظمات تتلقى الإشارات وتنقلها للمجتمع وتختبر صحة الإشارة ثم تدققها وتعيدها إلى المركز عندها يستقبل المركز هذه الإشارة ويعيدها بشكل أدق وأصح بحيث تحقق هدفها.
● وهذا يعني أن لينين صنع جهاز إرسال واستقبال لكي يؤثر في العمليات الجارية في المجتمع. من هنا يمكن أن نستخرج تعريفاً معاصراً لمفهوم الحزب.
ماهو الحزب؟
الحزب هو الأداة المنظمة الواعية للتحكم بالعمليات الاجتماعية التي تجري دون ذلك على أساس عفوي بفعل القوانين الموضوعية، ونستطيع التحكم بمسار هذه القوانين الموضوعية عبر الحزب بحيث تحترم هذه القوانين التي تفعل فعلها وتسرع التطور لا أن تخالفها فالتحكم بها ماهو إلا تسريع للتطور.
● وهذا يعني أن الحزب حتى يقوم بدوره الوظيفي يجب أن يكون جزءاً عضوياً في المجتمع ومترابطاً معه.
ثانياً: من هنا أنتقل إلى الفكرة الثانية وهي: ما معنى «دور وظيفي»؟ إن التجربة قد أثبتت لنا أنه عندما نقوم بدورنا الوظيفي لا تكون هناك أزمة، وعندما لا نقوم بدورنا الوظيفي تنشأ الأزمة فهذا يعني أن مبرر وجود الحزب إن لم يتحقق فمن الطبيعي وجود أزمة.
من هنا نستنتج أن أزمتنا العامة أدت إلى أزمة أخرى من نوع تنظيمي لم نحدد سببها الحقيقي في حينه، وهي أدت إلى قطيعة بين الحزب وقواعده وبين مجموع الحزب وجماهيره.
لقد كان إرسالنا غير دقيق وكذلك استقبالنا غير دقيق، وهذا لايعني أن سياستنا خاطئة حقاً لكنها في مراحل مختلفة لم تصل إلى الجماهير، لأنه كما تبين فيما بعد أن الرؤية الصحيحة لا تكفي إذا لم يحملها خطاب يستطيع التواصل مع الجماهير فهذه السياسة التي تدعى رؤية لا تساوي شيئاً على أرض الواقع إذا لم تنفذ. إن أهمية الخطاب العملية ليست أقل من أهمية رسم السياسة.
أما اليوم فنتيجة وجود قاعدة معلوماتية ضخمة أصبح رسم السياسة صعباً كالماضي، لكن من يستطيع صياغة خطاب يحاكي الجماهير؟ كذلك ليس كل من يستطيع وضع خطاب يستطيع ممارسته على الأرض. هذه هي المشكلة التي يجب على التنظيم بشكله المعاصر أن يجد لها حلولاً.
ثالثاً: أن التنظيم مشكلة مشتقة لا أساسية إنها مشتقة من مشكلة الرؤية ومن مشكلة الخطاب، لذلك فإن حل مشكلة الرؤية ومشكلة الخطاب يمكن أن تحلا مشكلة التنظيم، فالظروف الموضوعية اليوم كلها متوفرة لحل مشكلة الرؤية، وأعتقد أننا استطعنا حلها إلى حد كبير، وكذلك متوفرة لحل مشكلة الخطاب أيضاً، وقد بدأنا بحلها، إلا أن هذا لايستطيع أن يحل بشكل أوتوماتيكي شكل الممارسة المرتبطة بالتنظيم. هنا يجب أن نوجد أدواتنا حتى نقوم بالتفاعل المطلوب بين المستويات الثلاثة (رؤية ـ خطاب ـ ممارسة).
لذلك «هناك دفع أمامي بمفهوم الرؤية والخطاب والممارسة» فإذا كان هذا صحيحاً نستنتج أن الممارسة تدقق الخطاب والخطاب يدقق الرؤية وهكذا ديالكتيكياً تسير العملية في تصاعد مستمر ونسترجع دورنا الوظيفي.
هكذا سنصل إلى دورنا الوظيفي عبر مراحل ودرجات مختلفة من التطور.
وأعود وأكرر، إذا ما استطعنا حل مشكلة السياسة أي (الرؤية والخطاب) فهذا لايعني أننا قد وجدنا الحل لمشكلة التنظيم،أي ان الرؤية والخطاب شرط ضروري لحل مشكلة التنظيم ولكنه غير كاف، من هنا تأتي أهمية هذه الندوة.
رابعاً: حول بناء التنظيم ومفهوم المركزية الديمقراطية: بعض الآراء تطرح «أننا لا نريد مبدأ المركزية الديمقراطية لأنه بالممارسة قد أثبت فشله». لكن المشكلة كانت في قلة تطبيق المركزية الديمقراطية أو تطبيقها المشوه.
فلو تخلينا عن تطبيق المركزية الديمقراطية لوجدنا أمامنا حلين لا ثالث لهما:
إما الاتجاه نحو مركزية لا ديمقراطية، أو الاتجاه نحو ديمقراطية لا مركزية. فالمركزية اللاديمقراطية تؤدي في نهاية المطاف إلى إلغاء المركز الذي لايجد قواعد تعمل معه.
والديمقراطية اللامركزية لاتؤدي إلى صياغة قرار. فلذلك يجب علينا أن نصوغ مفهومنا عن المركزية الديمقراطية في الظرف المعاصر.
دعونا نسأل: ألا يجب أن نتخذ قرارات في الحزب المنشود؟ من الذي سيتخذ هذا القرار؟
إذا كان القرار كبيراً فيمكن أن يتخذ باستفتاء على مستوى الحزب، ولكن إذا كان هناك 70% مع و 30% ضد فما العمل؟ هنا نجد ما يسمى برأي الأكثرية التي هي إحدى سمات المركزية الديمقراطية.
وإذا اتخذ قرار في مؤتمر حزب بقضية مهمة وأساسية، وإحدى الفرق الحزبية قررت رفضه. فنحن نحترم وجهة نظرها، لكن هل يحق لها أن لا تنفذ هذا القرار؟
هذا لاينفي وجود الكثير من التشوهات في السابق التي يجب معالجتها.
عن الهرم ومركزه:
- هندسياً، مركز الهرم هو نقطة ما من وسط محوره لذلك فإن التصور بأن مركز الهرم هو قمته غير صحيح.
- دائماً عند وجود مركز فهناك صلاحيات للأطراف. لذلك فإن العلاقة بين صلاحيات المركز وصلاحيات الأطراف (العلاقة بين المركزية واللامركزية) هي متحركة ومتغيرة حسب العصر والظرف والموضوع قيد المعالجة ولا يوجد معطى واحد ونهائي في مسألة صلاحيات المركز.
في كل لحظة تاريخية يجب أن ندرس ونستنبط شكل صلاحيات المركز وصلاحيات ألأطراف، وأحياناً صلاحيات الأطراف هامة جداً حتى يستطيع المركز أن يقوم بدوره كمركز.
فما جرى في الاتحاد السوفييتي في أيامه الأخيرة هو أن المركز حافظ على صلاحيات كثيرة لديه فأصبح غير قادر على قيادة تلك القاعدة الكبيرة فتحول إلى لا مركز.
يتحدث الكثيرون عن المركزية الديمقراطية بشكل ميكانيكي على أنه إذا ما زادت المركزية ضعفت الديمقراطية والعكس بالعكس بينما إذا نظرنا إلى المسألة ديالكتيكياً فسنجد أنه: كلما ازدادت الديمقراطية ازدادت المركزية قوة وكلما انخفضت الديمقراطية ضعفت صلاحيات وإمكانيات المركز لكي يلعب دوره كمركز.
هكذا هي الرؤية للمركزية الديمقراطية، فالديمقراطية الواسعة لاتلغي صلاحيات المركز، بل تعطيه حقاً معنوياً أكبر وصلاحيات أكبر حتى يستطيع قيادة القاعدة الأوسع، فلا يجوز أن ننظر للمركزية الديمقراطية نظرة ميكانيكية ينفي أحد الأطراف الطرف الآخر، يجب أن نفهمها فهماً ديالكتيكياً، إذ عندما يتفاعل طرفاها يؤدي كل منهما إلى توطيد الطرف الآخر لكن بالشكل الذي يؤدي إلى تنفيذ المهمة.
خامساً: وأخيراً، إن الحزب في نهاية المطاف أداة، أما هدفنا فهو الوصول إلى الاشتراكية. لكنه عندما تعذر الوصول إلى الاشتراكية أصبح الحزب لدى البعض هدفاً بحد ذاته. فالحزب أداة تخضع لتنفيذ الهدف، لذلك لاتوجد مقدسات إلا مايخدم الوصول إلى الهدف.
من هنا من الضروري معالجة عدة مفاهيم:
سادساً: ـ الأمين العام: أعتقد أن القليلين الذين يعرفون أن ثورة أكتوبر الاشتراكية قامت دون أمين عام. هذا المفهوم دخيل على الأنظمة الداخلية للحركة الشيوعية. من منا سمع عن (ماركس أو أنجلز) أنهم كانوا أمناء عامين؟ حتى ستالين لم يكن أميناً عاماً إلا في فترة مابين 1922 ـ 1932 ومن 1932 إلى 1952 لم يكن أميناً عاماً.
ثم عاد هذا المنصب للظهور بعد 1968 في زمن بريجنيف وتحول عند البعض إلى هيئة بحد ذاتها، بينما عندما اقترح لينين هذا المنصب كان ضمن النموذج الذي وضعه للحزب وهو الفصل بين السلطة التشريعية (المكتب السياسي) والسلطة التنفيذية (المكتب التنظيمي) وهذا الفصل كما في كل الحالات يحتاج إلى نقطة ربط تجمع بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، وبسبب ظروف تاريخية محددة من الصراع الحزبي والحصار أخذ هذا المنصب حجماً أكبر مما كان قد خطط له، وإذا كان هذا صحيحاً أم غير صحيح فهذا ليس مجال بحثنا اليوم.
السؤال: هل نستطيع أن نسير دون أمين عام؟
إن تيار «قاسيون» منذ المؤتمر التاسع حتى الآن يدير أموره دون هذا المنصب وبشكل جيد.
- حول دور الفرقة: نريد فرقة متفاعلة مع محيطها، وهنا يجب أن نتحدث عن صلاحيتها، هناك موضوعان يجب نقاشهما في صلاحيات الهيئات:
1. موضوع التنسيب.
2. موضوع العقوبات.
يجب التفكير في موضوع التنسيب لأنه هام يجب ألا يبقى من صلاحيات الفرقة فقط، وموضوع العقوبات لأنه خطير يجب أن لا يكون أبداً من صلاحيات القيادة فقط.
ولعلمكم إن الأحزاب الجدية تعطي صلاحيات الترشيح للقواعد، وصلاحيات التنسيب لهيئات مختصة في القيادة، كما أنها تعطي حق الاقتراح للقيادة بالعقوبات ولكن إن لم توافق المنظمة القاعدية يصبح القرار لاغياً، وكما برهنت التجربة العملية، فكل القرارات القمعية ذات الطابع الإداري إن لم يتكون مناخها المناسب في القواعد تكون لاشيء. والذي يحصل أن القيادة هي التي تفصل نفسها عن قواعدها بهذه القرارات لذلك فإن أهمية القرار هو أن تكون القواعد مقتنعة به.
ويجب زيادة صلاحية القواعد في موضوع العقوبات وزيادة صلاحية القيادة في موضوع التنسيب، هذا اقتراح يحتاج للمناقشة، وهكذا يمكن أن نصل إلى شكل أفضل، لانقول إلغاء أو إطلاق صلاحيات لكن نقول زيادة أو تخفيف.
إن اللائحة الانتخابية التي وضعت قبيل المؤتمر الاستثنائي أضافت نقطتين:
1. انتخاب على مستوى واحد، فمندوب المؤتمر يكون إما من المنظمة الفرعية أو من المنظمة المنطقية مباشرة.
2. عدم الترشيح من القيادة، أي لا يحق للمنطقية تعيين أحد بالفرعية ولا المركز يرشح في المنطقية، ولاتوجد لوائح والترشيح حر.
وهذا يعني في ظروفنا الحالية أن توسيع الديمقراطية ممكن إلى هذا الحد، وأعتقد أن المستوى الذي نعمل به قليل الوجود في أحزاب تشابهنا أو لاتشابهنا.
لذلك، كما ذكر الرفيق الذي سبقني أن الحزب يصاغ على أساس الهدف الذي يضعه أمامه.
نريد حزباً قوياً وجدياً، يعمل باتجاه النضال ضد الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل الصهيونية، نحو الاشتراكية يجب أن نبني حزباً ذا تنظيم لينيني ولا مارتوفي.
تعلمون أن خلاف مارتوف مع لينين تركز حول شروط العضوية، انقسموا على أساسه إلى مناشفة وبلاشفة. ولقد أصر لينين على أن يكون المنتسب موافقاً على السياسة ويدفع اشتراكه وأن يكون عضواً في هيئة بينما مارتوف لا يريد المنتسب أن يكون عضواً في هيئة وكان يقول أن كل مشارك في أي نشاط هو عضو في الحزب.
إن لينين كان يريد للحزب البروليتاري أن يوصل البروليتاريا للسلطة، لذلك كان يريد حدوداً للتنظيم.
أما مارتوف فقد كان يفكر بحزب برلماني. فظهر اتجاهان في الحركة، الاشتراكيون الديمقراطيون والشيوعيون.
لذلك فالمفهوم اللينيني حول التنظيم له علاقة بالهدف السياسي.
فإذا كنا نريد حزباً جدياً يقوم بدوره الوظيفي ويسير إلى الأمام بالمعنى الذي كرس له الجميع نفسه طويلاً فإننا بحاجة لتنظيم لينيني بشروط العضوية، وإلا فلنعد النقاش حول الورقة السياسية.
إذا كنا متفقين على ما جاء في الورقة السياسية فهذا معناه أننا نريد حزباً، شروط عضويته لينينية، في ظروفنا الحالية. وهذا لا يمنع أن تكون الفرقة القاعدية كبيرة، ولا يمنع أن تكون صلاحياتها كبيرة، ولايمنع أن نعيد النظر في نظامنا الداخلي بالشكل الذي نتناقش فيه. لكن هناك خط أحمر وهو شروط العضوية والمركزية الديمقراطية.