ما هو الحل الآمن؟
في أي صراع كان، يحاول هذا الطرف او ذاك أن ينتهي هذا الصراع بالطريقة التي تعبر عن مصالحه، والصراعات وبأي شكل تمظهرت هي في المحصلة تعبير عن مصالح قوى اجتماعية، وبناء عليه فمن الطبيعي أن يدفع كلا الطرفين المتصارعين على السلطة اليوم في البلاد الأحداث باتجاه تحقيق البرنامج الاقتصادي الاجتماعي الذي تريد تطبيقه في حال« الظفر» في المعركة الدائرة.
ولكن ماذا لو كان ثمة تشابه، أو ربما تطابق بين القوى المتصارعة من حيث برامجها وخصوصاً في القضية الاقتصادية الاجتماعية، لاسيما وأن هذه الأخيرة هي القاعدة الأساسية في تحديد شكل النظام السياسي في آخر المطاف.
نعتقد والحالة هذه أن المطلوب هو نسف البنية من ألفها إلى يائها، وإسقاط كل من يتبنى السياسة الاقتصادية الليبرالية سواء كان في النظام أو المعارضة، لأن الحل الآمن الحقيقي المنشود والذي يتوق إليه السوريون يعني أول ما يعني هو معالجة الأسباب التي كانت وراء تفجر الأزمة، وهذه الأسباب تكمن أول ما تكمن في السياسات الليبرالية التي أنتجت المزيد من الفقر والبطالة والتهميش والقمع.
إن الحديث عن الدولة المدنية والتعددية وغيرها من العناوين التي تندرج في إطار توفير الحريات السياسية صحيح، ولكنه يصبح حديثاً عبثياً ما لم يقترن بتلبية الحاجات المادية للاغلبية الساحقة من الشعب وهم جماهير الشغيلة والفقراء، كالملبس والمأكل والمسكن وهذا ما يتطلب إقرار ذلك النموذج الاقتصادي الذي يؤمن العدالة الاجتماعية، ومن هنا كان القول بضرورة أن يكون المخرج من الأزمة عاملاً مؤسسا لذلك، ولايجوز أن يكون المخرج حقيقياً دون ذلك، بمعنى آخر الخروج من الأزمة يجب أن يكون ضمن افق تقدمي بالمعنى التاريخي، أما أسلوب التسويات والتوافقات الجزئية، والمحاصصات الذي يحاول البعض تسويقها فهي عملياً لامعنى إلا الدوران ضمن دائرة الازمة.
لاشك أن أحداً لا يملك عصاً سحرية تمكنه من تحقيق كل ذلك دفعة واحدة، ولاشك أن حجم الدماء النازفة تتطلب حلاً سريعاً وفوريا، ولكنه بقدر ما يجب أن يكون الحل سريعاً وفورياً يجب أن يكون حقيقياً ولكي يكون حقيقيا، وآمناً قولاً وفعلاً يجب أن يكون بالاتجاه الانف الذكر.
إن تغييرا شكلياً في البنية الفوقية فقط ليس حلاً حقيقياً، وليس حلاً آمنا بطبيعة الحال.
ورب قائل يقول إن البعد الاقتصادي لايتصدر الأزمة السورية اليوم وذلك صحيح شكلاً على الأقل، لابل إن المشكلة تكمن في ذلك أصلاً، لأن كلا الطرفين المتصارعين إنما « يقاتل» من أجل المزيد من الثروة دون أن يعلن ذلك، لأن الإعلان عن ذلك سيؤدي إلى فرز حقيقي، ذلك الفرز سيبلور ذلك التيار الشعبي الجارف و الذي سيكون خطوة أولى نحو حسم المعركة لمصلحة الأغلبية الشعبية.