المعارضة والتدخل الخارجي.. مقاربة تاريخية
هل يعي المطالبون بالتدخل الخارجي حقيقة مطلبهم.. تدخل من دول لها تاريخ طويل في استعمار وقمع الشعوب ونهب ثرواتها؟..
اشتغلت مجموعة من القوى والشخصيات السياسية العربية في مطلع القرن العشرين على رفع العلم الفرنسي في وجه الاحتلال العثماني معتقدين أنه علم الثورة الفرنسية نفسه، علم «الإخاء والحرية والمساواة» ومن بين تلك الشخصيات: جبران خليل جبران ، وميخائيل نعيمة ، وأمين الريحاني ، وخير الله خير الله، وآخرون التفوا حول دعوة فرنسا لتشكيل قوات «تحرير سورية»، المثقفون نفسهم الذين اضطهدتهم فرنسا وأبعدتهم لحظة تثبيت سلطة الانتداب، الأمر الذي لم تن تكرره سلطات الاحتلال مع من يساعدها على تثبيت سلطتها..
نلاحظ اليوم الجو نفسه والفئات نفسه، مع اختلاف أنه في تلك الفترة كان يوجد احتلال تركي، ولم تكن هناك دول عربية مستقلة بحد ذاتها ولها حريتها واستقلاليتها، أي أن المطالبين في تلك الفترة (بالتعاون) مع فرنسا، كان تبرير مطلبهم (بالتدخل الخارجي الفرنسي)، من اجل مساعدة فرنسا (الثورة والحرية والمساواة )، هو في تخليصهم من الطغيان العثماني- هكذا كانوا متوهمين - أما المطالبون الآن بالتدخل الخارجي، فلا يمكن تبرير مطلبهم الدنيء سوى بالانعدام المطلق للوطنية، وهذا المطلب يندرج في سياق الخيانة العظمى، ونرى أن هذه المطالب يتم الحديث عنها بشكل علني وقح على وسائل الإعلام، ومن فئات من المثقفين والليبراليين –المفترضين- الذين يدعون أنهم يناضلون باسم الشعب السوري –الذي هو براء منهم- يناضلون من جميع دول العالم حيث يقيمون، من أجل التخلص من النظام السوري الحالي، وتحقيق الحرية والديمقراطية للشعب السوري.
وقع هؤلاء في مطبين.. الأول: لا يمكن لمن يتنعم في أوتيلات الدول الأوروبية بأن يطالب بحقوق جماهير الفقراء والكادحين، وأن يدعي النضال من أجل تحقيق مطالبها، والمطب الثاني: هو تحالفهم مع مجموعات تكفيرية إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين الذين لا يخفون تعاونهم مع الاحتلال «الإسرائيلي» والصهيونية العالمية، وهنا أيضا تناقض جذري ، فكيف يمكن لعلماني متحرر مثقف أن يتحالف مع تكفيري قمعي لا يؤمن بالمساواة وحقوق الإنسان، وأيضا كيف يمكن لهذين الطرفين أن يتحالفا مع أعتى الامبرياليات في العالم-وعلى رأسها أميركا - وأن يطالبا بالوقت نفسه بالحرية والديمقراطية للشعب السوري؟.. وطبعا كل ذلك بتمويل من مشيخات آبار النفط والعهر والتي يرتبط تاريخها وواقعها الحالي ارتباطاً مطلقاً بالمشروع الصهيو-أميركي، منذ اكتشاف أول بئر نفط وحتى الآن، وبالتالي فإن هذا المحور نتيجة ارتباطه وعقليته هذه، لا يمكن أن يؤمن أو يعترف بالمقاومة من أجل تحرير الأراضي المحتلة، ولا أن يؤمن بالتالي بحق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه والعودة إليها.. ولن يكون كفؤاً لأي عمل ثوري تحرري تجاه أي نظام قمعي استبدادي أو احتلال..
نجد في السعي المحموم لتطلب التدخل الخارجي حالة وهم أخرى.. مع اختلاف بسيط في الظروف التاريخية والموضوعية.. ولكن هي حالة وهم ناتجة عن الابتعاد عن الجماهير الشعبية وإقصائها عن أي تحرك ثوري أو تحرري، وربط هذه الجماهير بمصالح الاستعمار القديم والحالي، والامبريالية العالمية (أميركا والصهيونية) بينما هناك تناقض أخلاقي وفكري وقيمي واجتماعي، بين هذين الطرفين-أي الجماهير والامبريالية-، وبالتالي سوف ينتج عن حالة الوهم هذه، عجز تاريخي عن إمكانية تحقيق التحرر الاجتماعي والانتقال نحو مجتمع ديمقراطي متساو تسود فيه العدالة الاجتماعية .
إذا لا يمكن للمعارضة اللاوطنية أن تحقق شيئا بعيدا عن جماهير الشعب السوري، أما ارتباط المعارضة الوطنية والتحامها بالشعب السوري وانطلاقها منه عبر العمل السياسي والحراك الشعبي السلمي اليومي بمختلف الأشكال - أي إعلان حرب لا هوادة فيها على الفساد والتدخل الخارجي - هو أساس الانتقال نحو فضاء سياسي جديد حيث أن الجماهير هي روح الحركة الشعبية وقوتها الحاسمة وأساس انتصارها..