حول الورقة السياسية لوحدة الشيوعيين السوريين خطوة على طريق استعادة الحزب دوره الوظيفي ـ التاريخي

  بصدور الورقة السياسية يكون قد أنجز عمل كبير. فقد اتفق الشيوعيون المشاركون بالمناقشات على الأفكار السياسية الرئيسية، ولاحظوا أن هذه الأفكار والسياسات، إذا دفعت للتنفيذ، فإنها ستكون قادرة على جمع الشيوعيين وتوحيدهم على طريق استعادة دورهم الوظيفي ـ التاريخي.

إن المرحلة الأخيرة من الحوار أنجزت بإصدار الورقة السياسية بشكلها الأخير أما المراحل التي سبقتها فيمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: هي الإعداد للورقة نفسها فقد شكلت اللجنة الوطنية مجموعة من بين أعضائها وكلفتهم بصياغة المسودة الأولى بعد إنجاز النقاش من حيث المبدأ على أوراق العمل التي أُطلقت في الاجتماع الوطنـــي الثاني بتاريخ 25/4/2003 والتي عرضــت أمام اجتماع اللجنة الوطنية وجرت تعديلات جدية عليها، وقررت إطلاقها للمناقشة العامة.

المرحلة الثانية: هي المناقشة العامة للورقة التي تمت عبر الصحافة مباشرة، فقد نشرت «قاسيون» عدداً جدياً من المقالات التي تناقش الورقة السياسية، والشكل الآخر عبر الندوات التي تمت في المحافظات وأرسلت نتائجها مع مجمل المقترحات للجنة الوطنية.

المرحلة الثالثة: هي الاجتماع الوطني الثالث الذي ناقش الورقة بصياغتها قبل الأخيرة وكلف اللجنة الوطنية بإصدارها بشكلها النهائي بعد إدخال التدقيقات النهائية عليها. وحتى نعرف حجم الملاحظات والتدقيقات التي أدخلت على الورقة بعد صياغتها الأولى نذكر أنه في الاجتماع الوطني الثالث قد شارك في مناقشات الورقة السياسية أكثر من ثلاثين رفيقاً قدموا 238 ملاحظة مختلفة.

وقد اجتمعت اللجنة الوطنية وكلفت مكتب المتابعة بإدخال الملاحظات المختلفة وعرض الملاحظات التي لم تدخل على الورقة وفي الاجتماع الأخير للجنة الوطنية قررت:

  1. إصدار الورقة بشكلها النهائي والعمل على التثقيف بها والنضال من أجل تنفيذ توجهاتها بالحياة.

  2. إطلاع الجميع على الأفكار التي لم تدخل إلى الورقة إلى جانب الورقة نفسها في جريدة «قاسيون». حتى تكون كل الأفكار قد طرحت للجميع.

وتنفيذاً لهذا التوجه فإن الأفكار الواردة في المداخلات تندرج ضمن ثلاثة حقول رئيسية:

أ - الحقل الأول: يمكن أن نسميه تدقيقات على الورقة من صياغات إلى تبديل بعض الكلمات بأخرى ترى المداخلات أنها توضح الفكرة بشكل أفضل إلى حذف بعض الجمل والفقرات إلى إعادة ترتيب الفقرات أي تغيير التسلسل الوارد في الورقة والعديد من الأفكار والاقتراحات الأخرى التي تطور الورقة وتؤكد على التوجه العام الموجود فيها.

ب - الحقل الثاني: يمكن أن نسميها الاقتراحات ذات الطبيعة التنفيذية لما طرحته الورقة وهي كثيرة وغنية ومتنوعة رأت اللجنة أنه من المفيد أن تتحول في المستقبل إلى برنامج عمل وأن إدخالها في الورقة يطيلها دون جدوى ولا تغير شيئاً. إن أهم ما حققناه في الورقة هو اختصار حجمها إلى أدنى شكل يحقق الغرض ولا يؤثر على وضوح الأفكار أي تخلصنا من الإطالة المملة وغير اللازمة التي كانت ملحوظة في وثائق الحزب السابقة.

جـ - الحقل الثالث: الأفكار التي طرحت والتي لم تلحظ في الورقة نلخصها بالتالي مع رأينا:

الملاحظة الأولى:  اقترحت بعض المداخلات أن تعلن أن هناك أشخاصاً محددين مسؤولين عن الأزمة ولولا وجودهم بالقيادات لما تبعثر الحزب بهذا الشكل، إن هذه الفكرة لم ترد في الورقة السياسية ولا في أي مكان آخر من الوثائق رغم أننا نعرف بالتحديد دور الفرد في الحزب وخصوصاً القيادات إلا أن تجيير الأزمة كلها على سلوكهم سيمنعنا من رؤية الأساسي في الأزمة وسيمنعنا أيضاً من الاستفادة من القاعدة المعلوماتية والوعي المعرفي المتوفر حالياً والذي سمح لنا بعرض فهم جديد وأكثر موضوعية وعلمية لعناصر الأزمة ومكوناتها ومسبباتها. ويوقعنا في إرباكات لا طائل منها ولا يفيدنا في التوجه التوحيدي ويؤكد على شخصنة الأزمات ويرفض موضوعيتها. وهذا طرح سابقاً في كل الأزمات ولم يمنع من استمرارها مما يؤكد أن السبب الحقيقي هو ما طرح  في أوراق العمل. وهذا لاينفي طبعاً دور الأفراد.. ولكن دورهم ينسجم ومعارفهم التي كانت تحدد سلوكهم في الوقت المحدد.

الملاحظة الثانية: وهناك أيضاً مداخلات لاحظت أن سبب الانقسامات هو دور بعض الأجهزة، والدليل هو انقسام أحزاب الجبهة وغير الجبهة خلال العقود الثلاثة الماضية.

نعتقد أنه لو لم يوجد أسباب داخلية في الحزب لما استطاع أحد أن يفعل شيئاً داخلنا، لقد تعرض الحزب تاريخياً للاضطهاد والضغط ومحاولات الشراء وهذا ماجرى مثلاً مع رفيق رضا وغيره ولكن هؤلاء لم يستطيعوا أن يؤثروا على وحدة الحزب.

وأيضاً فإن هذا الطرح يلغي فهمنا للأزمة التي كانت أساساً داخل الحركة الشيوعية العالمية وأدت إلى انهيار التجربة المحققة في الاتحاد السوفييتي وإلى انقسام أكثر من 70 حزباً شيوعياً.

وأيضاً فإن هذا الطرح يلغي فهمنا للأزمة داخل حركة التحرر الوطني التي أدت إلىمجموعة هزائم متلاحقة والتي أطاحت بجزء جدي من هذه الحركة. كما ينفي مفهومنا للتراجعات الحادة والانتكاسات الضخمة التي تمت في وطننا والتي أدت إلىتزايد قوى النهب مما أوصلنا إلى وضع اقتصادي ـ اجتماعي خطير جداً.

كما أن اعتماد نظرية المؤامرة فقط تلغي قدرتنا على البحث والتدقيق في الظواهر بشكل شمولي وعميق. وهذا لا يعني أنه لم يجرِ تدخلات ولكنها عندما جرت كان الجو ملائماً لحركتها وأيضاً فإنها حتى لو لم تجرِ فإن منعكسات الأزمة ستفعل فعلها داخل تنظيمنا.

الملاحظة الثالثة: هي التي تقول أننا لم ندرس واقع الجبهة كما يجب وأننا أخذنا بعين الاعتبار الواقع السياسي الحالي حين تعرضنا للجبهة، أي تطلب موقفاً سلبياً ورافضاً لأي شكل من التحالفات، نعتقد أننا قمنا بدراسة موضوعية حول واقع الجبهة والأسباب التي أوصلتها إلى وضعها الحالي، أي أننا عند بحثنا التجربة لم نبحثها من وجهة نظر سلبية أي رفض مسبق ولا من وجهة نظر مؤيدة أ ي اعتبار ما جرى إنجازاً يجب استمراره، لقد تناولنا المسألة من وجهة نظر بحثية مطلقة وهذا ما سمح لنا بالوصول إلى استنتاجات ستغني العمل التحالفي القادم في بلادنا، إن دراسة التجربة عبر رفضها مسبقاً أو تأييدها لا يسمح لنا بالاستفادة منها. إننا نعتقد أن كل التجارب التحالفية اللاحقة ستأخذ بعين الاعتبار التحالفات القائمة حالياً، لقد درسنا هذه التحالفات بشكل يخلصنا من الكثير من الأخطاء والعقبات في المستقبل.

الملاحظة الرابعة: وهنا عدة ملاحظات متناقضة يمكن تجميعها في ملاحظة واحدة، الأولى قدمها عدد من الرفاق تؤكد على أولية المهمة الديمقراطية على باقي المهام فبدون تقديم هذه المهمة لا يمكن أن تنفذ باقي المهام.

الثانية ترى تقديم المهمة الاجتماعية الطبقية على المهام الأخرى لأنها تؤثر على الوعي وتسمح في حال تجاهلها بانتشار الأفكار السلفية وببروز ظواهر سياسية خطيرة جداً.

الثالثة ترى أن كل الجهود يجب أن تصب في حقل تنفيذ المهمة الوطنية التي على شكل حلها يتحدد التطور القادم.

  نحن لا نرغب في السير على رجل واحدة، أي أن نضع مهمة واحدة ونتغاضى عن باقي المهام، فاعتبار المهمة الوطنية خلال ثلاثين عاماً هي المهمة المركزية وعدم التركيز على تنفيذ المهام الأخرى أوصلنا إلىما نحن عليه، وأيضاً فإن التركيز على مهمة واحدة تاريخياً وترك المهام الأخرى التي تفعل فعلها في المجتمع يؤدي بالضرورة إلىعدم القدرة على تنفيذ  المهمة نفسها، فالموقف الوطني مثلاً يتطلب اقتصاداً قوياً وحركة شعبية نشطة ووحدة وطنية متماسكة تمنع أي تغلغل خارجي وفي التاريخ القريب فقد اعتمدنا مثل هذه الأحاديات وأخضعنا كل المهام الأخرى لها مثلاً التحرير ـ الوحدة العربية ـ  الاشتراكية وكلها لم تنفذ ونخاف نحن من التجربة الملموسة الحالية على الديمقراطية أيضاً.

  ولكن لا يعني ذلك أنه يجب علينا أن ننفذ المهام الثلاث معاً في كل خطوة، هذا خطأ، مثلاً علينا أن نتابع اعتصاماتنا المعادية للاحتلال الأمريكي للعراق والمؤيدة للانتفاضة وفي هذه الاعتصامات يجب أن نركز على القضايا التي تهم المناسبة وأيضاً عندما نتصدى لزيادة الأسعار وغير ذلك.

الملاحظة الخامسة: مداخلة ترفض الأخذ بشعارات مثل ثقافة المقاومة....إلخ إن هذه الشعارات شعارات وطنية أي تهم كافة الطبقات والشرائح الاجتماعية الوطنية، إن طرح شعارات خاصة بنا في المجال الوطني لا تأخذ بها القوى الوطنية الأخرى هو اندفاع باتجاه الانعزالية دون أي مبرر.

الملاحظة السادسة: تطلب إعادة صياغة مقولة انسداد الأفق أمام الإمبريالية وانفتاحه أمام حركة الشعوب وقواها  الطليعية. فهذه الملاحظة ترى أن الحركة العامة حتى الآن هي باتجاه زيادة هيمنة الإمبريالية على مقدرات الشعوب.

نحن نرى أن لجوء الإمبرياليين إلى الحرب هو شكل من أشكال التعبير عن أزمتهم وأن الصراع بين الدولار واليورو هو شكل من أشكال هذا التعبير. لذلك نعتقد أن الإمبريالية بدأت تتخبط وفعلاً تصل إلى طريق مسدود، ويقابل ذلك حركة متصاعدة ومتنامية للشعوب في مقاومتها للسيطرة الإمبريالية، نرى ذلك في أمريكا اللاتينية، نراه في أوروبا والحركات المعادية للعولمة نراه خصوصاً في منطقتنا وسنراه قريباً في عدد من الدول العربية. ولن نفهم هذه المقاومة ولن نفهم حركتنا إذا لم يكن هذا الاستنتاج أمامنا وإلا فإن كل الحركات وكل المقاومين وكل الشهداء سيذهبون بلا ثمن، ويجب أن تتوقف المقاومة حتى لا تقدم تضحيات بلا طائل وهذا أخطر ما في الأمر.

هذه أهم الملاحظات والتي تعبر عن آراء لم يؤخذ بها ولنسمها آراء أقلية في هذه القضية أو تلك، رأينا من المفيد عرضها مع موقفنا حفاظاً على طرح كل رأي جدي للجميع وبالوثيقة نفسها وطرح مقابله رأينا في أسباب عدم الأخذ بالرأي المذكور.

 

  هذا لا يعني عندنا مطلقاً نهاية المطاف فالآراء المطروحة يمكن أن تكون أكثر دقة مما اعتمده الاجتماع الوطني الثالث أو أن غداً فإن الحياة  قد تؤكد عدم صحة كل ماتوصلنا إليه، لذلك نرى أن الحوار الذي بدأ أنجز الوثيقة المذكورة وأن حوارات أخرى دائمة ستعمل على تدقيق هذه الوثيقة بما ينسجم وقدرتها على تنفيذ الأهداف المرجوة منها، أما الآن فالمطلوب كما ذكرنا نشرها والتثقيف بها ودفعها نحو محك الحياة في التنفيذ.