الافتتاحية سياسة الإصلاح... إلى أين؟

مع تسارع الأحداث في المنطقة، وتداعياتها المختلفة، يزداد الوزن النوعي لوضع البلاد الداخلي في تحديد مسار التطور اللاحق.

فأية مواجهة تتطلب وضعاً داخلياً ذا سمات محددة، كما أن العكس، أي محاولات الهيمنة والسيطرة الآتية من الخارج، تستهدف في نهاية المطاف تكويناً داخلياً محدداً يخدم الأهداف الشمولية للمخطط الأمريكي ـ الإسرائيلي، وفي تجربة العراق أكبر دليل على ذلك.

وهناك شبه إجماع بين قوى مختلفة، بل متناقضة المشارب، أن حجم وتيرة الإصلاح والأهداف التي وصلها هي دون مستوى المتطلبات والاستحقاقات التي يتطلبها الواقع.

فقوى السوق والسوء ترى أن السياسة الاقتصادية ـ الاجتماعية لم تقدم لهم المطلوب رغم كل التنازلات التي جرت باتجاههم.

أما قوى الجماهير الشعبية فترى من خلال الواقع الملموس أن السياسة الاقتصادية ـ الاجتماعية في التطبيق تسير عكس مصالحها الآنية والبعيدة المدى. ويثير استغرابها أكثر تخبط الحكومة الحالية وقراراتها المتسرعة في قضايا لها أبعادها الاجتماعية المباشرة مثل التقاعد المبكر، والعطلة الأسبوعية، وتوظيف المهندسين.. هذه القرارات التي لم تؤد عملياً إلاّ إلى نتيجة واحدة، وهي: زيادة الاستياء الشعبي في ظل تدهور الوضع المعاشي بعد الارتفاعات الأخيرة في الأسعار التي كان أحد أسبابها القرار المتسرع حول سعر الفائدة المصرفية.

إن الوضع السياسي في المنطقة يتطلب إجراءات داخلية سريعة تساهم في تصليب الوحدة الوطنية لمواجهة المخاطر المختلفة التي تقترب في ظل وقت متناقص يوماً بعد يوم.

  وهذه الإجراءات يجب أن يكون لها رؤيتها الواضحة التي ستحدد وجه الإصلاح المطلوب وجدوله الزمني المفترض، كي يؤدي الدور المطلوب منه وطنياً، ومقومات هذه الرؤية يجب أن تكون:

■ التحديد الواضح لمنحى الإصلاح دون تردد، أي خدمته لمصالح الجماهير الشعبية معاشياً وبالتالي تأمين أحد المقومات الضرورية لتعزيز الوحدة الوطنية.

■ التأكيد على شمولية الإصلاح دون تقديم من حيث الرؤية لأحد جوانبه على الجوانب الأخرى، حتى ولو تطلب التطبيق البدء من نقطة للوصول إلى نقاط أخرى. وفي هذا الإطار ترتدي أهمية محورية قضية ترابط الإصلاح السياسي بالإصلاح الاقتصادي، فبدون اجتثاث جذور النهب الكبير لا إصلاح اقتصادي، ودون ديمقراطية واسعة للمجتمع لا يمكن مواجهة قوى النهب والفساد، والتي دونها، أي الديمقراطية، لا مكان للإصلاح السياسي.

■ الالتزام بجذرية الإصلاح بمختلف مناحيه، فقد أثبتت التجربة أن الحلول الترقيعية الانتقائية، لا تؤدي إلاّ إلى زيادة الطين بلة، وإلى زيادة تعقيد الأوضاع تعقيداً وهي تسير في نهاية المطاف باتجاه عرقلة الإصلاح المطلوب عملياً، وهذا ما يتطلب الاستناد إلى الجماهير الشعبية الواسعة وتلبية مصالحها وليس العكس، فجهاز الدولة، بغض النظر عن حجمه وقوته، غير قادر على حل هذه المهمة وحده، بل أنه بمعزل عن المجتمع و«قواه النظيفة» سيشل هذه القوى نفسها داخله ويجبرها إلى اللجوء إلى مواقع الدفاع، من أجل الإجهاز عليها لاحقاً.

 

والسؤال الأهم هو: هل يمكن في ظل الوقت المتناقص تحقيق هذه المهام الكبرى والصعبة والوصول إلى الإصلاح المطلوب؟، والجواب هو نعم يمكن، إذا توفرت الرؤية الصحيحة، والنية الصادقة والإرادة الشجاعة، وفي ذلك الحل الوحيد في ظروفنا لتأمين كرامة الوطن والمواطن في مواجهة كل الأخطار والاحتمالات المعقدة لتطور الأحداث لاحقاً في منطقتنا.