ثانياً: وحدة الشيوعيين السوريين

خلال ثلاثين عاماً من الانقسامات المتوالية، لم تَخِفْ رغبة الشيوعيين السوريين في توحيد صفوفهم، ولكن هذه الوحدة، رغم كل الأمنيات، لم يكتب لها التحقيق على أرض الواقع، بل بالعكس، كانت حالة التشرذم تزداد، وكانت الانقسامات تتوالى، وعند كل مرحلة منها كانت أطرافها تزداد انقساماً مرة بعد أخرى،

أي أن الواقع الموضوعي والذي من ضمنه الدور المعرقل لبعض التيارات في الفصائل كان أقوى من رغبة الشيوعيين السوريين في الإبقاء على صفوفهم موحدة، وخلال كل هذه الفترة كثرت المبادرات التوحيدية التي لم تعط أي نتائج ملموسة، وكان ما يميز هذه المبادرات أنها كانت تأتي من فوق، وكان دافعها الأساسي اعتبارات تكتيكية بالدرجة الأولى، هدفها تخفيف ضغط القواعد بهذا الاتجاه، أو تحميل الأطراف الأخرى مسؤولية عدم التجاوب مع هذه المبادرات من أجل كسب نقاط في عملية الصراع الحزبي الجاري على قدم وساق.

وكان من المبادرات الهامة، أولاً: نداء الرفيق خالد بكداش في عام 1987 الذي لم يتحول إلى واقع ملموس بسبب عدم نضج الظروف الموضوعية الملائمة، مع أن السقف الذي اقترحه كان لا يتجاوز الأعمال المشتركة بين الشيوعيين المنقسمين إلى فصائل. وثانياً: نشاط  الرفيق يوسف فيصل، فإن دراسة تجاربه «التوحيدية» تبين أن ما جرى بعد مؤتمره السادس كان إلحاقاً لا توحيداً، وعبر صفقات لم تجلب عناصر كثيرة إلى التوحيد  وبقيت عملية فوقية، والإلحاق أبقى على الآراء المختلفة، ولم تستطع المنابر التي أراد منها الرفيق يوسف الإعلان عن حالة ديمقراطية أن تعكس آراء الرفاق الملحقين. وهذا ما أبقى فتيل الانفجار يعسعسر ولم يؤد إلا إلى زيادة عدد المنابر في الحزب ضمن حالة تجاور فيما بينها لم ترتق إلى مستوى وحدة إرادة وعمل حقيقية تسمح بتكون حزب حقيقي يلعب دوره المنوط به وظيفياً. ويمكن القول الآن، أن هذه الأشكال الوحدوية التي تمت في هذا الفصيل، تحولت في ظروف التطورات السياسية اللاحقة إلى كابح لتطور الحزب ونموه وتأثيره، أي أنها أدت عكس الغرض المعلن عنه. لذلك ما يمكن استنتاجه من كل ما سبق هو: أن هذه المبادرات والوحدات لم تأت ثمارها للأسباب التالية:

1. استمرار التراجع العام للحركة، وبقاء الأسئلة المطلوب الإجابة عنها دون جواب وانتظار لتحسمها الحياة، مما فتح باب الاجتهادات الكثيرة التي أسست للعقلية الفصائلية.

2. كانت هذه المبادرات والتجارب التي جرت من فوق فقط، لم تصل إلى أعماق الشيوعيين (تحت)، ولم تستطع تحريك قواهم الخلاقة، وكانوا عملياً في غربة عنها، مما لم يسمح بتخفيف حالة الخندقة.

3. إن الوقائع تؤكد للباحث الموضوعي، أن كل هذه المبادرات كانت تجري ضمن اعتبارات تكتيكية، لم تكن تضع نصب أعينها تكوين حركة شيوعية حقيقية، وإنما كانت انعكاس لحالات انتظارية هدفها كسب الوقت انتظاراً لما سيأتي به القدر.

4. لقد كانت الأزمة انعكاساً للتراجع العام، أي انحسار تأثير الحزب الجماهيري، هذا الأمر الذي لم يدركه أحد منذ البداية وحتى فترة قريبة. لذلك لم تخرج المعالجات عن إطار دائرة الحزب نفسه، دون بحث أزمة علاقته مع الجماهير التي أدى ابتعاده التدريجي عنها إلى خروجه منها. ولو كان مستوى الوعي  المعرفي آنذاك قادراً على إدراك هذه النقطة، لكان الخروج من دوامة الأزمة ممكناً عبر محاولة تلمس طريق العودة والبقاء بين الجماهير، لكن هذا لم يحدث، مما زاد الطين بلة.

5. والنتيجة،أن الحزب، ممثلاً اليوم بفصائله المختلفة، فقد عبر ثلاثين عاماً دوره الوظيفي، أي دوره السياسي الاجتماعي كممثل لمصالح الطبقة العاملة وأوسع الجماهير الشعبية.

وإذا كنا نطرح اليوم موضوع تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين فإننا لانطرحه انطلاقاً من اعتبارات تكتيكية، وإنما انطلاقاً من رؤيتنا المستمدة من تطور الوضع العالمي ولدور الحركة الشيوعية العالمية في الظروف الجديدة. لذلك قلنا عند إطلاق «ميثاق الشرف» في 15/3/2002:

«اليوم، نحن والعالم كله في لحظة انعطاف. وهذه اللحظة تحمل دلالة هامة، وهي أن الواقع الموضوعي، اتجاهه يتطابق لأول مرة منذ عقود مع اتجاه رغبة الشيوعيين السوريين، مع اتجاه الثوريين بشكل عام في العالم كله، هناك انعطاف في الحركة الثورية العالمية، ولهذا الانعطاف تباشير وملامح بانت اليوم، لذلك فإن إمكانية تحقيق وحدة الشيوعيين السوريين اليوم أصبحت إمكانية واقعية، إمكانية حقيقية، يمكن أن تجري على أرض الواقع، لكن لن تجري وحدها، بل تحتاج إلى عمل وتحضير وتحقيق ونضال».

كم أن ملامح هذا الانعطاف على المستوى المحلي، بدأت تتكون بوضوح، فالحركة الجماهيرية تتنامى وينعكس ذلك في حركة الشارع المتنامية، ولعل من أهم الدلائل هو اهتمام مغاردي الحزب تاريخياً بحالتنا والتفافهم المتزايد حولنا.

ومن ثم جاء الاجتماع الوطني الأول لوحدة الشيوعيين السوريين في 18/10/2002 وعالج هذه النقطة معالجة معمقة حين قال:

«لقد مضت سبعة أشهر تماماً على إعلان ميثاق شرف الشيوعيين السوريين، ونجتمع اليوم كشيوعيين من كل أنحاء سورية، ومن كل الطيف الشيوعي المبعثر على تنظيمات مختلفة وخارجها، كي نقرر خطوتنا اللاحقة.

لقد عبر الميثاق عن حالة تستجيب لحاجة موضوعية ملحة ألا وهي توحيد الشيوعيين السوريين في تنظيم طليعي يلعب دوره الاجتماعي والسياسي المطلوب منه. وقد كان هذا الميثاق أساس لفتح الحوار في هذا الاتجاه من خلال تأكيده على جملة من القواسم المشتركة الدنيا التي لابد منها لتحديد نقاط الانطلاق الضرورية لهذه العملية.

وقد استنتجت لجنة متابعة تنفيذ ميثاق شرف الشيوعيين السوريين أن الميثاق قد أنجز هدفه الأولي بنجاح وأصبح المطلوب اليوم هو البحث بشكل مشترك عن الخطوة اللاحقة التي تعزز السير في هذا الاتجاه، أي الحوار من أجل الوحدة.

لقد قلنا منذ البداية ونؤكد اليوم أن هدفنا لم يكن بحال من الأحوال تكوين فصيل شيوعي جديد إلى جانب الفصائل الموجودة وهو هدف لو أردناه قريب المنال، ولكن هدفنا كان منذ البداية إعادة تكوين ذلك الحزب الشيوعي الماركسي ـ اللينيني ذي البرنامج الاجتماعي الواضح الذي يحل مكان جميع الفصائل الموجودة.

وحين قلنا ذلك ظن البعض أننا نناور تكتيكياً ضمن عقلية الأزمة نفسها وظن البعض الآخر أن ما نسعى إليه وهْمٌ مستحيل وقبض للريح، ولكن تطور الأحداث أثبت أننا على الطريق الصحيح.

وبالفعل فإن التحليل الهادئ للوضع القائم يثبت أنه ليس هنالك في سورية اليوم حزب شيوعي يلعب دوره الوظيفي المطلوب منه اجتماعياً وسياسياً، وشتان طبعاً ما بين تنظيم يحمل هذه اللافتة وبين تنظيم يلعب هذا الدور، لذلك كان رأينا منذ البداية أن تكوين أي تنظيم شيوعي دون تجاوز الأزمة التي عاشتها الحركة خلال العقود الثلاثة المنصرمة، تجاوزها بالدرجة الأولى فكرياً وسياسياً وعملياً إنما يعني إعادة إنتاج الأزمة نفسها مما نحن بغنى عنه.

إن الساحة السياسية السورية تشهد اليوم وجود فصائل وتنظيمات شيوعية عديدة، لا ترقى كل بمفردها أو بمجموعها إلى الدور المطلوب منها  كحزب.

لقد وصلنا إلى هذا الوضع بعد أزمة مستمرة في الحركة على مدى العشرات من السنين. فهل نستطيع اليوم تجاوزها وإحداث الانعطاف المطلوب في حياة الحركة الشيوعية في سورية، ذلك الانعطاف الذي يفضي إلى نهوضها واستعادتها لمواقعها وعودتها للعب دورها المنوط بها؟

لقد كانت الرغبة في الوحدة موجودة دائماً عند قواعد الشيوعيين السوريين، ولكن هذه الرغبة خلال حقبة زمنية طويلة لم تمنع الانقسامات وتكرارها بين الحين والآخر وبشكل دوري.

إن كل طرف في خوضه للصراع الحزبي خلال المراحل المختلفة للأزمة كان يظن أنه بحسم الخلافات تنظيمياً سوف يخرج أقوى مما دخل الأزمة، لأنه بذلك يكون قد طهّر نفسه من العناصر الانتهازية أو التحريفية أو الدوغماتية أو المتعصبة قومياً أو الكوسموبوليتية أو الاشتراكية ـ الديمقراطية إلخ…. من القاموس المعروف.

ولكن الواقع أثبت أن جميع الأطراف المتصارعة أصبحت أضعف مما كانت عليه قبل الانقسام، ولم يستطع أحد سواء كان قاسماً أو مقسوماً، أو غالباً أو مغلوباً أن يستعيد قواه الأساسية، بل إنه لايزال ينزف حتى هذه اللحظة.

والأنكى من ذلك أنه ما من طرف خرج من انقسام إلا وأعاد إنتاج الانقسام بهذا الشكل أو ذاك، حتى «الوحدات» التي تحققت خلال هذه الفترة التي استندت إلى مبدأ التجميع وليس التوحيد ما كانت إلا تكريساً بشكل جديد وإن كان أقل وضوحاً للانقسامات السابقة، وبالتالي لم تستطع تلك المحاولات أن تؤدي الدور المطلوب منها وهو تقوية الحركة وزيادة نفوذها، بل يمكن القول أنها زادت انكفاء الحركة انكفاءً.

ولكن ما الذي تغير اليوم؟ ما الذي يجعلنا نتفاءل بإمكانية كسر مسلسل الانقسامات والتراجعات والانتقال إلى حالة جديدة؟ وهل تكفي الرغبة وحدها مهما عظمت لتحقيق ذلك؟

لقد ترافق الوضع في الحركة الشيوعية السورية، بوضع مماثل في كل الحركة الشيوعية العالمية. فالتحليل الموضوعي اليوم يسمح لنا بالاستنتاج أنها قد بدأت بالتراجع عن مواقعها منذ بداية الستينات من القرن الماضي، هذا التراجع الذي تمثل بتغيير تدريجي بطيء في ميزان القوى العالمي لصالح الرأسمالية العالمية، والذي انعكس في نهاية المطاف بانهيار الاتحاد السوفييتي، ومنذ ذلك الحين لم تعد مقولة اختلال ميزان القوى العالمي بحاجة إلى إثبات ونقاش، لقد أثبتها الواقع والحياة.

ولقد انعكس هذا التراجع على كل فصائل الحركة الشيوعية العالمية، فمنها من دفع ضريبة هذا التراجع دماً (السودان، العراق، أندونيسيا)، ومنها من دفعه انقسامات وتشرذماً ولكن في كل الأحوال كانت النتيجة واحدة وهي تغير ميزان القوى لغير صالح حركتنا.

لسنا اليوم بصدد بحث تفصيلي لأسباب التراجع العام  للحركة ولكن على عجالة يمكن أن نستنتج أن هذا التراجع قد سد مؤقتاً الأفق التاريخي أمام حركتنا الشيوعية وأصبحت أهدافها غير قابلة للتنفيذ في المدى التاريخي المنظور في وقت كانت فيه برامجها تؤكد إمكانية الانتصار على العدو الطبقي خلال المستقبل المنظور. لقد أنشأ هذا الوضع تناقضاً بين الهدف المعلن والواقع الملموس، بل إن الهوة أخذت تزداد مع الزمن بين الهدف والواقع، ويجب الاعتراف اليوم بأن حركتنا ونحن بجملتها، لم تستطع أن تشخص في حينه السبب العميق للأزمة أي للتناقض بين هدف الحركة وواقعها، ولايمكن تحميل مسؤولية ذلك لأحد، لا لشخص ولا لمجموعة، والأرجح أن المستوى المعرفي لم يكن يسمح آنذاك بالوصول إلى الاستنتاج الذي توصلنا إليه اليوم، وخاصة أن التراجع كان يجري بشكل مستتر وتدريجي وغير معلن، بل كان يرافقه إعلانات وتأكيدات بالاتجاه المعاكس.

إن ترافق التراجع العام مع حالة عدم وعي لخطورة الخلل في ميزان القوى أدى إلى جملة من الاستنتاجات السياسية الخاطئة ترافقت مع ممارسات تنظيمية عمقت حالة التراجع.

فكل المتصارعين كانوا يعتقدون أن الأزمة مؤقتة وعابرة، مما كان يجعلهم يظنون أن المخرج التنظيمي هو المخرج الوحيد الصحيح، لذلك كانوا يتعجلون في الحسم التنظيمي دون إعطاء النقاش الديمقراطي الفكري والسياسي حقه ومداه الكافي، ودون إعطاء الحياة حقها في المساعدة على حسم النقاشات الفكرية والسياسية المثارة. وللحق والتاريخ يجب أن نسجل أن القسم الدولي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي الذي لعب دوراً سلبياً وخطيراً قبل وأثناء فترة البيريسترويكا كما تبين لاحقاً، قد ساعد على تأزيم الأوضاع الحزبية وإيصالها إلى طرق مسدودة بحجة دعم هذا الفريق أو ذاك.

والخلاصة أن وحدة الشيوعيين التي تعبر دائماً عن ضرورة موضوعية، والتي بقيت دائماً أملاً حقيقياً كانت محكومة بالواقع الذي أملاه التراجع، والذي أدى إلى الانقسامات المتتالية.

ومما لاشك فيه أن خسائرنا كانت أقل لو رافق التراجع حالة وعي متقدم له مما كان سيحد من أثاره السلبية ولكن الذي حدث هو العكس. واليوم بعد (12) عاماً من انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية بقيت فيه المبادرة وزمام الأمور بيد الإمبريالية العالمية وعلى رأسها الإمبريالية الأمريكية يتبين لنا أن الهزائم التي حلت بنا، وإن كانت قد أطالت في عمر الرأسمالية إلا أنها لم تخرجها من أزمتها المستعصية بل أن أزمتها ازدادت استعصاء مما يدفعها إلى الخيار العسكري كخيار وحيد لحل التناقضات الناشئة فيها، مما يجعلنا نصل إلى استنتاج هام مفاده:

إن الأفق التاريخي قد بدأ بالانسداد أمام الرأسمالية العالمية وإذا كان هذا الأفق مسدوداً بالمعنى التاريخي استراتيجياً، إلا أنه الآن قد بدأ بالانسداد بالأفق الآني القريب المدى مما يعني أن توازن القوى الذي تكون خلال العقود الماضية لصالحها غير قادر على الاستمرار، بل العكس هو الصحيح، فالخيار العسكري كخيار وحيد لحل المشاكل العالمية ما هو إلا دليل على إفلاس عميق وأزمة مستعصية لا حل لها، وهذا يعني أن الأفق التاريخي لحركتنا قد انفتح على المدى المنظور مما سيغير ميزان القوى بالتدريج لصالحها.

إن التقاط هذه اللحظة بالذات هو الذي يدفعنا للاستنتاج بأن الواقع الموضوعي أصبح يملي وحدة الشيوعيين التي كانت ضرورة وأملاً طوال الوقت، فإذا كنا محكومون بالتراجع خلال الحقبة الماضية فإننا اليوم محكومين بالتقدم الذي سيسير بشكل أسرع كلما استوعبنا هذا الأمر بشكل أسرع.

كما أن استشراس قوى السوق الكبرى محلياً واندفاعها نحو تحقيق برنامجها، يدفع المزيد من الجماهير المتضررة إلى ساحة الفعل والنضال مما سيزيد من زخم الحركة الجماهيرية وينعش الحركة السياسية ويفرض عليها استعادة دورها المفقود.

ومن ثم أكد الاجتماع الوطني الثاني في 25/4/2003 بأن إنهاء الأزمة بين أيدينا، فبقدر ما نتوجه إلى الجماهير عملياً على أرضية التوجهات الفكرية السياسية الصحيحة المصاغة، بقدر ما نخرج من الأزمة، وبقدر ما نتأخر في ذلك، بقدر ما نتخلف عن حركة الجماهير التي لم يعد لديها الوقت لانتظارنا في ظل خطورة الأوضاع المعاصرة وتعقدها. إن وحدة الشيوعيين السوريين بالنسبة لنا تعني إعادة بناء حزبنا الذي تهشم وتهمش خلال العقود الماضية، هذا الحزب الذي ليس بالنسبة لنا إلا أداة واعية هامة للوصول إلى الأهداف الكبرى التي نذر كل شيوعي نفسه لها.

وهكذا ترون أيها الرفاق، أن الطريق التي اجتزناها في النضال من أجل استعادة الحزب لدوره الوظيفي كانت تمر عبر بوابتين:

■ بوابة العودة إلى الجماهير.

■ وبوابة توحيد الشيوعيين السوريين.

ومثلاً، فإن «ميثاق الشرف» في 15/3/2001 قد أكد على النقاط التالية:

● عودة الحزب إلى الجماهير.

● التعبير عن مصالح الجماهير الشعبية الواسعة والدفاع عنها بجرأة وعدم الاكتفاء بإعلان النوايا، بل دعمها بالممارسة اليومية أي ربط القول بالفعل لإعادة مصداقية الحزب بين الجماهير.

● الاستمرار بالعمل من أجل تحالفات مبدئية دون أن يكون الشيوعيون عبئاً على أي تحالف أو قوة هامشية فيه ودون أن يقبلوا أية وصاية عليهم أو تدخل في شؤونهم الداخلية محافظين في كل الأحوال على وجههم المستقل.

● كسر مسلسل الانقسامات، والانطلاق نحو الوحدة، وتطور الديمقراطية الحزبية الداخلية الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الوحدة في ظل التباين والاختلاف، من أجل منع إعادة إنتاج الأزمة.

● إعادة القدسية للقب الشيوعي عبر سلوكهم وأخلاقهم وممارستهم ورؤيتهم النافذة  البعيدة النظر، وإعادة الاعتبار لمنظومة العلاقات الرفاقية الإنسانية التي تصهر الشيوعيين في بوتقة واحدة.

● العمل على تحقيق الوحدة من (تحت) إلى (فوق) على أساس مبدأ سيادة المؤتمرات، أي الديمقراطية الحزبية  الواسعة.

كما أن الاجتماع الوطني الأول قد أكد الأمور التالية:

1. أن الوحدة الحقيقية لايمكن أن تتم إلا بمبادرات من (تحت) وهذا لا يعني استثناء الذين (فوق)، إلا إذا استثنوا أنفسهم، لأن محاصرة أمراض الماضي والقضاء عليها لايمكن أن تتم إلا بهذه الطريقة.

2. أشار الاجتماع الوطني الأول إلى ضرورة تعلم فن التوحيد واستكشاف أدواته. فإذا كان من أهم أدوات فن الانقسام شخصنة الصراعات وتسمية المجموعات المتصارعة بأسماء زعمائها، فإن طريق التوحيد لا يمكن أن يكون إلا عكس ذلك.

3. لفت الاجتماع الأول الانتباه إلى أن الحسم التنظيمي في الصراعات هو من أدوات الانقسام التي لا تعطي المجال للحسم الفكري والسياسي أن يأخذ مداه الطبيعي عبر النقاش، لذلك فإن التوحيد يتطلب أجواء ديمقراطية لاستيعاب النقاش الرفاقي الواسع والمعمق، والذي سيؤدي بالتدريج عبر المساعدة التي ستقدمها الحياة لنا بحسمها هي للكثير من الأمور المختلف عليها إلى الوصول إلى الوحدة، أي أنه يجب إلغاء عقلية الإقصاء والقمع والاتهامات الجاهزة وتأكيد وتمتين عقلية الاستيعاب والحوار والوصول إلى قواسم مشتركة تؤمن وحدة الإرادة والعمل، مما يتطلب تفسير المركزية الديمقراطية على أساس متطلبات الحياة المعاصرة. مما يعني إلغاء منطق الفيتو وإلغاء كل الاتهامات السابقة ضد أي كان، وعدم السماح بإبعاد أحد، لعل الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة، هم المدانون بجرائم شائنة بحق المجتمع. إن منطق الفيتو هو منطق الوصاية والاستعلاء والمعلمية على الآخرين، إن الشيوعي يجب أن يقيم فقط على أساس إمكانياته وتنفيذه لمهامه.

4. توصل الاجتماع الوطني الأول إلى استنتاج أن هامش الخلاف بين الشيوعيين حول مهامهم الآنية قد ضاق جداً لأن الحياة قد حلت الكثير من الأمور المختلف عليها سابقاً، وافترض أن قضايا الماضي البعيد والمستقبل البعيد المختلف عليها، يجب أن لا تكون عائقاً أمام الوحدة، بل يجب أن تبقى مجال بحث ودراسة واستقصاء، وهي أصلاً قضايا لايمكن إغلاقها ولكن التمترس والتخندق على أساسها، ورفع شعار: «فلنتوحد حول مهامنا الآنية الملحة، ولنمنع خط الفصل من المرور بيننا حول قضايا غير آنية والغير متفق عليها».

5. واستنتج الاجتماع أن عمق الأزمة يتناسب طرداً مع درجة الابتعاد عن الجماهير. لذلك فإن سرعة عودتنا إليها سيحدد سرعة خروجنا من الأزمة، وهذا ما جعله يؤكد أن العوامل التي تؤكد الوحدة اليوم هي موضوعية بالدرجة الأولى، أما درجة وعينا الذاتي فستحدد فقط سرعة تحقيقها فهي آتية لا محالة عاجلاً أم آجلاً.

وفي الاجتماع الوطني الثاني في 25/4/2003 أكد الاجتماع أن الظروف الموضوعية عالمياًَ وإقليمياً وداخلياً تنضج أكثر فأكثر وخاصة  بسبب عدوانية الإمبريالية الأمريكية لعودة الجماهير إلى الشارع، مما يتطلب تسريع خطواتنا بالعودة إلى الجماهير، وتسريع الخطوات التوحيدية. وأقر أوراق العمل لفتح النقاش لتوحيد الشيوعيين السوريين، ودرس تجربة انتخابات مجلس الشعب التي خاضها الشيوعيون خارج قوائم الجبهة بشكل مستقل، كأحد أشكال العودة إلى الجماهير، ودرس ردود فعل قيادات الفصائل حول التوحيد التي أكدت القناعة أن الطريق الرئيس نحوها هو الوحدة من (تحت)، وأكد أن إنهاء النقاش حول أوراق العمل  المطروحة سيفتح الطريق لتحديد ملامح العمل التوحيدي التنظيمي الملموس الذي سيكون أحد مهام الاجتماع الوطني الثالث الذي سيعقد قبل نهاية 2003.

لقد مر طريق توحيد الشيوعيين السوريين، من إعلان النوايا في «ميثاق الشرف» إلى تشكيل لجان التنسيق في المحافظات في الاجتماع الوطني الأول، إلى وضع مهام ملموسة فكرية سياسية في الاجتماع الوطني الثاني، وسيجمل الاجتماع الوطني الثالث مجمل النشاط السابق ويقرر شكل السير إلى الأمام.

إن مؤتمرنا الاستثنائي، إن كان من جهة هو استحقاق فرضته الحياة علينا لمعالجة الأزمة التي فجرتها قيادة الحزب السابقة، فإن هذه المعالجة تتم لأول مرة في تاريخ الحزب على أساس النظام الداخلي وليس خارجه، وبشكل ديمقراطي بعيداً عن القمع والتصفيات، كما جرت العادة، فاتحين آفاق تسريع عملية توحيد الشيوعيين السوريين، مما يتطلب من مؤتمرنا استعادة الحزب لدوره التاريخي.

لقد سرنا خطوات هامة على طريق العودة إلى الجماهير وعلى طريق وحدة الشيوعيين السوريين، وإذا كان طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، فإننا قد اجتزنا على هذه الطريق خطوات كبيرة، ومازال أمامنا الخطوات الأهم التي نحن على ثقة أننا قادرون على اجتيازها بتكاتف جميع الشيوعيين الذين يعملون جادين بهذا الاتجاه بروح رفاقية عالية مستعيدين كل التراث الماضي المجيد، ومضيفين إليه إنجازات جديدة يتطلبها واجبنا تجاه الشعب والوطن والحزب.

لقد كانت أوراق العمل التي أقرها الاجتماع الوطني الثاني محطة هامة فكرية وسياسية وتنظيمية تكثف وتلخص كل تجربة الحزب الماضية. وتكيفها بشكل ثوري مع المستجدات على الساحة  الدولية والإقليمية والمحلية. وقد جرى نقاش واسع حولها.

فما هي نتيجة هذا النقاش حتى الآن؟!

لا نريد أن نستبق الأمور، فهذا النقاش سيلخصه الاجتماع الوطني الثالث، ولكن الذي يمكن قوله اليوم:

1. أثبت النقاش افتراضنا السابق أن نقاط الاتفاق حول النقاط الآنية هي كثيرة، وأن نقاط الافتراق هي قليلة جداً.

2. أثبت النقاش أن الشيوعيين لا يتخندقون اليوم، كما كانوا في الماضي، حول قضايا الماضي البعيد أو المستقبل البعيد، وهذا أمر طبيعي بسبب حدة وشدة القضايا التي تطرحها الحياة اليوم.

3. أثبت النقاش أن لا خلاف بين الأكثرية الساحقة للمشاركين فيه حول مرجعيتهم الفكرية الماركسية ـ اللينينية.

4. أكد النقاش أن هناك اتفاق كامل حول النظرة إلى العلاقة ما بين المهام الوطنية العامة والاقتصادية ـ الاجتماعية والديمقراطية.

لم يُستكمل النقاش بعد حول القضايا التنظيمية التفصيلية في عملية التوحيد اللاحقة، مما يتطلب وقتاً وجهداً إضافياً.

 

وتأكيداً على ما أتينا عليه أعلاه، سيناقش الاجتماع الوطني الثالث مسودة الورقة السياسية التي يمكن اعتبارها عمود فقري لمشروع برنامج سياسي، وتأتي أهمية هذه الورقة من أنها تشكل إجمالي للنقاش الذي دار وتلخيصاً إبداعياً له، يستند إلى الماضي دون انقطاع ويتجاوزه إلى الحاضر و المستقبل، مضيفاً إليه الضروري من الرؤى والاستنتاجات.