بعد 37 عاماً سأتحدث!
بعد 37 عاماً سأتحدث لأنني مؤمنة بالوحدة من تحت إلى فوق منذ بدايات الأزمة في الحركة الشيوعية وبين قياداتها التي ساهمت بخلق الحالة الفصائلية على وجه الخصوص كثرت الطروحات على ضرورة الوحدة والتضامن والالتفاف حول قيادة واحدة موحدة تعيد للحزب الشيوعي السوري دوره على أرض الواقع السياسي.
ولكنها في هذا الطرح لم تقترب مما هو جوهري ولم تصل إلى ماهو أساسي، بل دفنت جوهر طرح الوحدة في سيل من العواطف والنصائح حيناً وفي سيل من النوايا الخبيثة حيناً آخر.
بدا هذا الطرح في كل أشكاله، من قول وحيد وشعار وحيد، ضرورة إنهاء الأزمة في الحركة الشيوعية ووحدة الحزب الشيوعي السوري. ولكن ما أنجز من هذا الطرح يشير صراحة أو ضمناً إلى التفرقة والتجزئة والانقسام ويبين حقيقة الصراع بين قيادات الفصائل الشيوعية.
فهو صراع من أجل الانقسام وخلاف من أجل التمزيق والتفكك ومواجهة من أجل التحطيم والتدمير، قد تبدو طروحات الوحدة عبر مؤتمرات الفصائل الشيوعية طرحاً صحيحاً ومقنعاً للوهلة الأولى خاصة عندما تكون مُصاغة بلغة العاطفة الوطنية ونوايا التقدم والتطور لكن تحليل الأمور سرعان ما يظهر للأسف عدم جدوى هذه العواطف وتعاسة هذه النوايا فهناك فرق بين الواقع والنوايا وبين العواطف والمعطيات السياسية المحددة، إذ أن كل موقف لا معنى له إلا إذا انطلق من الواقع، وفي ضوء ذلك نجد الفرق بين الوحدة الشكلية الزائفة والوحدة الفعلية وبين الاختلاف الذي يقود إلى ركام الهزائم وبين الاختلاف الذي يقاوم من أجل تجاوز الهزائم ويقود إلى التضامن، فالوحدة لايتحدد معناها بالألفاظ بل بشكل الأفعال وإلا كانت مطلباً مشكوكاً فيه.
ونحن حين نتحدث عن الوحدة يجب أن ننطلق من حقيقة وحيدة وهي تاريخ الحزب الشيوعي السوري وضرورة استعادة هذا الحزب لدوره الوطني. فإذا نظرنا إلى الوحدة على ضوء الواقع السياسي والاجتماعي نجد أن إعادة طرح ضرورة الوحدة أصبح مطلباً وطنياً وضرورة عليا وذلك لسبب واضح هو مدى انحراف القيادات التاريخية للفصائل الشيوعية واستبدالها منطلقاتها الوطنية والعقائدية بما هو نقيض لها.
استبدلت مصالح الجماهير بمصالحها الشخصية، وتنظيم الجماهير بتضليل الجماهير، والتحالفات الوطنية الضرورية بشبكة بائسة من العلاقات البائسة مبتعدة عن أيديولوجيتها ومتنكرة لمفهوم الصراع الطبقي أساس وجودها. كما استبدلت القيادة الجماعية بقيادة الفرد المطلق، وإذا كان تقدم الوطن هو الغاية في البداية فقد أصبح الدفاع عن الامتيازات هو الغاية في النهاية.
إذا تابعنا النظر إلى الوضع الفصائلي الذي أوصلتنا إليه قياداتنا التاريخية نجد أننا في مأساة عبر استمراريتها لم تستنهض قدرات كوادرها ولم توظفها بشكل صحيح بقدر ما قامت بتبذير طاقاتها وإهدار إمكاناتها واستبعاد لطاقات فاعلة وجريئة واستبدالها بركام عاجز ومحنط وكسيح.
ومن هنا أقول أن طرح الوحدة والحديث عن وحدة الشيوعيين السوريين لايجد له معنى ومصداقية إلا إذا قمنا بتحليل الظواهر وإدراك حدود وآفاق ومصالح المستفيدين من عدم الوحدة واستمرار الحالة الفصائلية.
وعندما يبدأ التحليل الموضوعي لهذه الظواهر وتسمية الأشياء بأسمائها فإننا نبتعد عن الوعظ الأخلاقي والإرشادات الانتهازية ونصل إلى قلب الموضوع وجوهره، وقلب الموضوع هو ما نريد وجوهره هو البرنامج السياسي الوطني المتبع لذلك.
البرنامج الذي يبدأ من الوطن ويعيد معنى الوحدة إلى مكانها الصحيح.
وتاريخ الحزب الشيوعي الوطني الواحد يقول إن الوحدة الشكلية الزائفة لاتصل إلى الوطن وأن إعادة بناء هذه الوحدة بشكل سليم (من تحت لفوق) هو الطريق إلى الوطن.
وأنا أسأل: لماذا تدور صحف الفصائل الشيوعية وتصريحات قياداتها عن المعايير الشكلية للوحدة وتهرب من العمل باتجاه الإرشاد الفوقي ومن التحليل السياسي الصحيح إلى النصائح. والجواب لايحتاج إلى كثير من التفكير فبعض تصريحات قياداتنا الفصائلية تدور في إطار التضليل وتستقي وجودها من تضليل كوادرها. كما أن تصريحاتها الحريصة على الوحدة لا تقوم إلا ببيع المواقف كي تحافظ على مكان بائس في وحدة شكلية زائفة للحركة الشيوعية.
وأخيراً فأنا أرى أن القيادات التاريخية للحزب الشيوعي السوري ليست (رسل منزلة). وأن من يعمل من أجل وحدة الشيوعيين يجب أن لا يدافع عن شرعية الرموز والقيادات، بل يدافع عن مصالح الشعب مالك الشرعية الوحيد.
*■ مريم بشارة
*عضو اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين/ درعا