حازم بو سعد حازم بو سعد

تحولات القاعدة الاجتماعية للنظام السوري

يتطلب فهم الحراك الجاري في سورية فهماً علمياً العودة إلى الأسس الاجتماعية/الطبقية له، ولعل نقطة الانطلاق في ذلك هي رؤية التوزع الطبقي في سورية وتحولاته خلال العقود الخمسة الأخيرة..

استلم البعث السلطة عام 1963 في بلد فلاًحي تصل نسبة الفلاحين فيه إلى أكثر من 75% من إجمالي السكان، وتنمو إلى جانبهم طبقة عاملة تتلمس طريقها في ظل برجوازية صناعية تلقت ضربات متتالية خلال عهد الوحدة بين سورية ومصر. مثّل البعث بوصوله إلى السلطة مصلحة الفلاحين تمثيلاً مباشراً عبر سياسة الإصلاح الزراعي التي لم تكن سياسة اشتراكية نموذجية بالمعنى العلمي وإن كانت قد أنجزت تحت شعارات اشتراكية.
 على الضفة الأخرى فإن الطبقة العاملة مٌنحت بعض المكتسبات المجانية من تأمينات وغيرها، وتم مقابل تلك المكتسبات السيطرة على نقابات العمال من قبل جهاز الدولة الذي وصل إلى مرحلة الاندماج مع البعث مطالع الثمانينيات..
الطبقتان اللتان لم تكفا عن التطور هما ما اصطلح الشيوعيون على تسميتهما البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الطفيلية، ومع انتهاء الفورة النفطية في بداية التسعينيات كان تطور البرجوازية البيروقراطية قد وصل الحد الذي يسمح لها بالانتقال من طبقة بذاتها إلى طبقة من أجل ذاتها، وتجسيد ذلك كان تحول قسم من البيروقراطية إلى طفيلية من خلال استحداث القطاع المشترك ومن ثم خصخصة القطاع العام في ظل «اقتصاد السوق الاجتماعي»
البعث الذي مثل لحظة وصوله مصالح الفلاحين، بدأ من حينها يبتعد عن قاعدته الاجتماعية شيئاً فشيئاً كلما اندمج بجهاز الدولة أكثر، ووصل منذ سنوات قليلة إلى المرحلة التي لم يعد ممكناً معها استخدامه من قبل الطبقة الجديدة (اتحاد البيروقراطية مع البرجوازية المالية) وأصبح مشروع تحويله أو حتى استبداله مطروحاً على طاولة البحث..
في هذه الأثناء نمت الطبقة العاملة في ظروف تزداد سوءاً يوماً بعد آخر، وبقيت درجة بلترة الطبقة العاملة في حدودها الدنيا، والمقصود بدرجة البلترة هو درجة وعي الطبقة العاملة لذاتها ودرجة شدة نضالها المطلبي والسياسي، وبين هذا وذاك دخل مزيد من الفلاحين السابقين في نطاق التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي كرسته ريعية الاقتصاد السوري المتعاظمة مع الانتقال نحو النموذج الليبرالي..
انطلق الحراك الشعبي في سورية في ظروف طبقية يمكن تلخيصها بالتالي:
طبقة عاملة يتسم معظمها بضعف وعيه الطبقي مع وجود طليعة لها ربما ينبغي البحث عنها داخل جهاز الدولة وداخل القطاع العام..
فلاحون فقراء يزداد فقرهم ويتحولون إلى مهمشين باضطراد.
برجوازية صناعية تتحول باضطراد إلى (برجوازية استيراد وتصدير) وتفقد مبرر تسميتها برجوازية وطنية أكثر فأكثر
حرفيون ينحدرون إلى صفوف التهميش مع كل «اصلاح» و«انفتاح» اقتصادي جديد
في ظروف كالتي ذكرناها يصبح من المفهوم وجود امكانيات كبرى للتلاعب بالحراك الشعبي من قبل القوى المختلفة، لكن تصاعد النشاط المطلبي ذي المطالب الاقتصادية الاجتماعية وخصوصاً في قواعد النظام يفتح الطريق باتجاه تطور نوعي في الحراك وتحول شكل الحراك القائم نحو حراك سياسي-اجتماعي واضح التمثيل، وبالتالي الاتجاه.