مجلس اسطنبول.. سوء الخاتمة من سوء العمل !!
تستمد أية قوة سياسية وجودها الحقيقي من دورها الذي تمارسه لتأدية وظيفة محددة، والوظيفة هي مهمة تاريخية غير منجزة .
تعبر هذه المهام عن تطلعات وحاجات الأغلبية الواسعة من الجماهير، وتأتي برامج هذه القوى كتجسيد نظري لهذه الحاجات في برنامج يضع آليات واضحة وممكنة لتحقيق هذه التطلعات، ليعاد طرحه على الناس فتقبل أو ترفض. إن قبلت يتحول هذا البرنامج وبالتالي هذه القوة إلى أداة للتغيير بيد الجماهير .
إن فقدان أي قوة سياسية لهذا البرنامج يعني عدم قدرتها على صياغة متطلبات الناس وبالتالي فقدانها لدورها الوظيفي مما يجعلها هشة إلى درجة التفسخ أو الزوال..
إن انطلاقنا من هذه المقدمة لمعايرة الوضع السوري، سيكشف زيف الصورة المروجة إعلاميا ومدى ابتذالها، وبعدها عن حقيقة العديد من القوى السياسية.
يبرز هنا مجلس اسطنبول كإحدى هذه الصور التي توضع على طاولة التشريح، فهو قوة سياسية يفترض أن تترجم وجودها الحقيقي ببرناج وآليات مفترضة لإنجاز المهمة.
بلورت قوى مجلس اسطنبول ذاتها بناء على أن «إسقاط النظام» هو مطلب جماهير السوريين، وأن التدخل العسكري هو الآلية الأمثل لإنجاز عملية الإسقاط ، ودون الولوج بمدى دقة هذا المطلب وبأنه يختزل طموحات السوريين في أيقونة النماذج السابقة، نجد أن مجلس اسطنبول مركب فقط على هاتين المقولتين «إسقاط – تدخل عسكري»..
رهن مجلس اسطنبول ذاته لهذه الفكرة ليحيلها برنامجه وديدنه وشغله الشاغل، حاول لاحقاً هذا المجلس بلورة مهمات مشتقة عن هذه الفكرة كموضوعة الممرات الإنسانية والضغط الدولي والحصار الاقتصادي والمناطق العازلة ، الخ .. الخ..
وصل مجلس اسطنبول إلى مرحلة الذروة، فمع تعثر مشروعه بفعل الضعف الأميركي أمام موقف الروس والصينيين المتصلب، بدأ المجلس يفقد وظيفته التي تمت برمجته لأجلها. كانت أولى المؤشرات هي انفعالات كوادره على وسائل الإعلام وإلقاؤها خطابات عصماء تبتذل دماء السوريين، وكيل من السباب والشتائم على الفيتو الروسي - الصيني، توالت لاحقاً التسريبات عن سوء إدارة غليون للمجلس وتحكم الإخوان به، وصولاً للانشاقات و التصدعات في داخله.
لم ير مجلس اسطنبول أن أزمته تكمن في وظيفته، فالتدخل العسكري المباشر بات أكثر بعداً، أما الجماهير التي يدعي أنها تسانده فهي لاتمثل قاعدة حقيقية وصلبة تحميه من الانهيار( فهو يمثل مزاجها ولا يمثل مصلحتها)، فمؤيدوه لايتعدون سوى تلك المجموعات التي كفرت بالنظام لتبحث عن أي بديل، لكن البديل يجب أن يكون فاعلاً ذا برنامج وآليات قابلة للتحقيق ومقنعة لأنصارها على الأقل، فليس من المعقول أن تقول إن برنامجي معطل بسبب الآخرين، فالجماهير لاتبحث عن أعذار، هي تبحث عن الحقيقة وعن الحلول.
يجاهد مجلس اسطنبول اليوم لإعادة الإعتبار لوظيفته لاعن طريق إعادة النظر بها أوببرنامجه المفترض، بل عن طريق بعث الروح في وظيفة منتهية الصلاحية، فمن خلال عقده للمؤتمرات ( اصدقاء سورية1 و 2 ) يسعى لإيهام مناصريه أن مهماته قيد التحقق والمتابعة في محاولة يائسة لبقائه موحداً على الأقل.
إن الإنشقاقات المتتالية في مجلس اسطنبول تؤكد حقيقة فشل هذا المجلس ببلورة وظيفته عبربرنامج وآليات قابلة للتحقيق وبالتالي قابلة للحياة، لنجد أنه من الطبيعي أن يبدأ بالتصدع عدا عن كل الأمراض المتركزة في بنيانه بدءاً بالعمالة وصولاً إلى ضيق الأفق. إن الصورة الإعلامية لمجلس اسطنبول تتبدى للمشاهد البسيط كصورة كاريكاتورية مليئة بالانتفاخات غير الواقعية. لكن الطامة الكبرى أن مجلس اسطنبول مقتنع بمهارة هذا الرسام، والذي وعلى الرغم من شيخوخته يستطيع إقناع المحبطين في صفوفه بأنهم قادرون على التبدي كسياسين منقذين للطموحات الحالمة.