انتخابات مجلس الشعب.. فرصة أخيرة!
منذ بدء الأزمة في سورية لم يستطع النظام كسر حالة عدم الثقة بينه وبين الشعب السوري من جهة والقوى السياسية الموجودة من جهة أخرى، ورغم اتخاذه بعض الإجراءات الإصلاحية في مسار وضعه حلولا للازمة لكنه لم يستطع ردم الهوة وكسب ثقة الشعب السوري وقواه المختلفة مجدداً، لأن إجراءاته تميزت بالسطحية والشكلية وكانت بطيئة ومتأخرة ومجتزأة لم يذهب بها إلى نهاياتها القصوى بحيث تفعل فعلها وتخرج البلاد من حالة الاستعصاء وإخراجها من عنق الزجاجة، لا بل إن الممارسات على الأرض عمقت حالة عدم الثقة أكثر فأكثر.
توافرت للنظام، من بداية الأزمة، فرص كثيرة لو تمكن من استغلاها لكان استطاع جسر الهوة نسبياً وإعادة الثقة المفقودة بينه وبين الشعب، و التي كان آخرها الاستحقاق الذي جرى مؤخراً في الاستفتاء على الدستور الجديد وإقراره لاحقاً، حيث شكّل، على الرغم من تخلف بعض مواده، حالة سياسية نوعية جديدة من حيث إطلاقه للتعددية السياسية والتفاته إلى ضرورة اتباع نموذج اقتصادي جديد، كان من الممكن أن تأخذ مداها ولو بُدأ بالعمل به وتطبيقه ،إلا أن ذلك لم يحدث ومازال حبراً على ورق، فمازال النظام يتعامل بالعقلية الأحادية رغم إقراره بالتعددية، ومازالت قوى المال والفساد الكبير تتحكم بلقمة الناس وقوت الشعب، وعليه ايضاً مازال النظام يفوّت فرصاً ثمينة تتناقص باستمرار مع امتداد الأزمة وتعمقها.
ويأتي التحضير لانتخابات مجلس الشعب القادمة في أيار ضمن السياق نفسه، فمع فتح باب الترشيح، تمتثل أمام النظام فرصة أخرى، قد تكون الأخيرة، ليصحح ولو نسبياً علاقته مع الشعب السوري، مع الاعتراف بالظرف الخاص الذي يرافقه والجو المشحون والحالة المعقدة والمركبة والمستعصية نسبياً التي وصلت إليها الأزمة في البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى مقاطعة واسعة من قوى وشرائح وفئات متعددة وفي أماكن كثيرة للانتخابات وهذه لديها أسبابها الموضوعية والسياسية وحتى الأمنية، ولكن هذا كله لا يقلل من أهمية هذه الفرصة وما يترتب عليها لاحقاً .
لا يستطيع أحد أن ينكر بأن المجلس الحالي يعاني من جملة من المشاكل المرتبطة بما كان قائماً وسائداً في الفضاء السياسي القديم وواقع الحراك السياسي فيه، فغياب الديمقراطية والحريات السياسية وتضخم جهاز الدولة وسيطرته على مفاصل العمل السياسي أدى إلى شل الحركة السياسية وغيابها من جهة وغياب الفعل السياسي من جهة أخرى، ولم يخرج مجلس الشعب العتيد عن هذه القاعدة، فكانت الهوة أساساً واسعة وعميقة بينه وبين الناس الذين فقدوا ثقتهم به وبقدرته على تأدية دوره، وجاءت الأزمة الحالية لتعمق هذه الهوة وتظهر عجزه بشكل واضح وجلي إذ كان من المفترض أن يكون أحد أهم القوى الفاعلة في حلها وإيصال البلاد إلى بر الأمان.
تكمن أبرز أسباب عجزه في صلاحياته المؤطرة والمحدودة، مما حد من فعاليته وإمكانيته بالقيام بالدور المنوط به، فمثلاً يستطيع المجلس أن يمنح ثقته للحكومة ولكنه لا يستطيع أن يسحب ثقته منها عندما تخطىء؟ وبالتالي لا يملك حق وصلاحية محاسبتها مهما أخطأت بحق الشعب أو الوطن، فضلاً عن القانون الانتخابي والذي تغير شكليا ولكنه لم يختلف بالمضمون كثيراً عما سبقه ومازال يحمل عيوب القانون الماضي،
أمام استحقاق كهذا فإن المطلوب من النظام موضوعياً بأقل تقدير حتى يؤسس لحالة من الثقة بإجراءاته الإصلاحية ورغبته بإيجاد مخرج آمن من الأزمة، عليه أن يقدم ضمانات إذا أراد أن تشارك الجماهير والقوى السياسية في العملية الانتخابية ، تتمثل بالحد الأدنى بمستوى عال من النزاهة ليتمكن الناس من اختيار ممثليهم الحقيقيين وذلك يتطلب الحد من تدخل قوى الهيمنة في جهاز الدولة في الانتخابات وتخفيض عدد المراكز الانتخابية بحيث يتمكن المرشحون من متابعتها والتأكد من شرعية نتائجها من جهة، وحمايتها من سيطرة رجال المال والأعمال على صناديق الاقتراع من جهة أخرى