عندما يكتم الكلام المباح.. ويتكلم السلاح.. ويسيل الدم..!
انتهى زمان: «هص لا يأكلك البس»، و«الحيطان لها آذان».. و«امشي الحيط الحيط وقول يا ستّار».. وضع في أذنٍ عجين وفي الأخرى طين.. ابعد عن الشرّ وغني له .. واحكي في كل شيء إلاّ السياسة فقد كان لها أكثر من خطّ أحمر.. اللي ما يخاف الله خاف منه.. وكثيرةٌ هي العبارات والأمثلة التي استخدمت سابقاً ليس لكتم أنفاس الناس فقط وإنما لإحباطهم أيضاً
وحيث كان من يتجرأ ويسمي بعض الأشياء بمسمياتها تثكله أمه،أو يختفي لسنواتٍ كأهل الكهف، وفي أحسن الأحوال يُقال عنه أنه مسّه الجنون.. ويتبرأ منه الكثيرون.. بل وحتى الأقربون..!
لكن بعد انفجار الحركة الاحتجاجية الشعبية السلمية والفضل لها، الحركة التي لها أسبابها الموضوعية وظروفها الذاتية ولم تأت من العدم أو بفعل فاعلٍ خارجي كما تدّعي قوى القمع والفساد..
بفضل هذه الحركة، تغيرت الألوان وامتزجت وتعددت ربما بأكثر من ألوان قوس قُزح، كما تغيرت الأحوال وكُسرت كثير من حواجز الخوف، ونفض الكثيرون عن أجنحتهم غُبار التعب، وأصبحت هناك ألوانٌ وجوقات متعددة تردد مزامير الحرية.. وخرجت سورية من حالة العطالة السياسية إلى أعلى أشكال النشاط السياسي من الطفل الصغير.. وحتى الشيخ الكبير..
لكنّ عصي الشبيحة وقوى القمع والفساد حاولت منذ البداية وما زالت، أن تعيد الزمن إلى الوراء وتكتم صراخ الفقراء وتحوله إلى حشرجةٍ وأنين من الألم..بل ولعلع الرصاص ليطفئ النور في عيونهم ويحول حياتهم إلى ظلامٍ دامسٍ..
وتكلم السلاح من هنا وهناك، لكتم الكلام المباح، بالقتل والاعتقال والتدمير والتخريب..وسال الدّم السوري الطاهر وتخضبت أرض الوطن بحِنّاء الحرية..ونجح ذلك ليس في إضعاف الحركة الشعبية السلمية، وإنما في استفزازها وجرها إلى ما كانت تريده قوى القمع والفساد عبر المندسين فيها، وعبر قوى أخرى خارجية وداخلية تسعى للهدف ذاته سراً في البداية.. ومن ثمة علناً..وهو حمل السلاح أيضاً والقتال بحجة الدفاع عن النفس..والدفع نحو إلى الحرب الأهلية..
وبين حجة قمع المسلحين وتقديم بعض الاصلاحات المنقوصة والمتأخرة للايهام..وبين دعم المسلحين.. مع التجييش والكذب الاعلامي من الطرفين..كانت الحركة الشعبية السلمية هي الضحية وتاهت وفقدت مصدر قوتها.. سورية هي الضحية التي تقدم قرابين الحرية.. فالاثنان يسعيان لجرّ سورية إلى الهاوية، وإيجاد المبررات للتدخل الخارجي المباشر أو جرها إلى الحرب الأهلية كما حدث في يوغسلافيا والعراق وليبيا..وساعد على ذلك ضعف الوعي السياسي..وضعف الأحزاب والقوى السياسية وغيابها، سواء كانت معارضة أم موالاة وعجزهما عن القيام بدورهما الوطني نتيجة التهميش خلال العقود الماضية.. ونتيجة القصور المعرفي مما دفع البعض منها نحو التطرف ورفض أي مقاربةٍ أو حوار.. والبعض الآخر بقي عاجزاً صامتاً لا يتكلم..
أمّا صوت العقلاء الذي ارتفع منذ سنوات وقبل انفجار الأزمة، وما زال يدعو بعد انفجارها واستعصاءاتها إلى التغيير الحقيقي..التغيير الجذري والشامل عبر حلّ سياسي وعبر الحوار والخروج منها بأقل الخسائر..فقد تعرض للهجوم من الطرفين كليهما، وأوشك الاثنان - أي قوى القمع وقوى الدعم - أن يحققا هدفهما لولا أنّ الظرف الدولي قد تغير وجاء الفيتو المزدوج الروسي والصيني ليمنح فرصةً في الوقت الضائع للخروج من الأزمة واستعصائها وقبل الدخول في مرحلة الفوضى التي يسمونها خلاّقة..
لقد اتضحت الآن الاصطفافات والثنائيات الحقيقية وبان المستور وتعرت المواقف، وبدأ الفرز في النظام وموالاته والمعارضة وداعميها، والحركة الشعبية ومسلحيها.. بين من هو مع مصلحة الشعب والوطن ومن هو ضِدّهما.. بين موقفٍ وطني وموقف لا وطني. فهل يتعظ من يريد أن يتعظ، ويعيدون حساباتهم من أجل سورية..؟
وسنبقى ننادي بعالي الصوت..سورية ..حرية..!