بقلم هيئة تحرير «قاسيون» بقلم هيئة تحرير «قاسيون»

برنامج الإصلاح الاقتصادي بين الأرقام والحقائق

أصدرت رئاسة مجلس الوزراء، المسودة الجديدة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي وهي إن كانت متقدمة عن المسودة السابقة، من حيث ملموسيتها وجدولتها الزمنية في معالجة المسائل الرئيسية المتعلقة بالنمو والأجور ومصادر تمويل الاستثمارات، غير أنها تعاني من ثغرات أساسية تُضعف مصداقيتها وتطرح تساؤلاً مشروعاً عن جدية القائمين على مسودة البرنامج الجديد في إيجاد حلول حقيقية للمشكلات الكبرى التي تنتصب أمام اقتصادنا الوطني ومجتمعنا في هذا الظرف الحساس والخطير الذي تمر به منطقتنا وبلادنا.

إن إعلان النوايا لحل قضايا كبيرة، مثل وتيرة نمو الدخل الوطني وتخلف مستوى الأجور عن متطلبات المعيشة، وحجم التمويل للاستثمارات الجديدة المطلوبة لحل مشكلة النمو والبطالة، هو شيء هام، لكنه غير كافٍ، إذا لم يكن مؤَسَساً ومبرَراً علمياً، على أساس ضرورات التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي اللاحق.

فمسودة البرنامج تعلن عن الطموح للوصول تدريجياً الى مستوى نمو سنوي قدره  6% للدخل الوطني بعد سبع سنوات، أي أن نسبة نمو الدخل الوطني المفترَضَة بعد 7 سنوات، ستكون بمجملها، وفي أحسن الاحتمالات، (30%) بالنسبة لسنة الأساس. فماذا يعني هذا الرقم في ثناياه؟:

1 ـ إنه لن يتجاوز كثيراً نسبة النمو السكاني الإجمالية المفترضة بعد السنوات السبع، مما يعني أن حصة الفرد الوسطية المنتظرة من الدخل الوطني لن تتغير من حيث المبدأ.

2 ـ  كل الأبحاث والدراسات تشير الى أن الواقع والظروف تتطلب مضاعفة الدخل الوطني خلال الفترة نفسها، فهل يمكن ذلك مع هذا الرقم الذي يشترط واضعوه للوصول إليه نجاح الخطط المقترحة، أي أنهم يشككون منذ البداية في إمكانية تحقيقه. ويبقى غير مفهومٍ التبرير المنطقي والعلمي لرقم نسبة النمو المقترحة في نهاية السنوات السبع، فمن أين انطلق واضعو الدراسة للوصول إليه؟.

3 ـ انطلاقاً من ذلك يصبح الحديث عن تحسين مستوى المعيشة عبثاً في ظل تخلف نسب النمو عن حاجات التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي. والتي سيكون الوسطي لها حسب واضعي الدراسة 4% سنوياً، في احسن الاحتمالات ،إذا ما تم تنفيذ التوجه المقترح في البرنامج.

ولو انطلق واضعو البرنامج من ضرورة ردم الهوة بين الأجور ومستوى المعيشة بشكل نهائي خلال الفترة الزمنية المقترحة لتوصلوا الى استنتاج مفاده أن نسبة النمو الوسطية السنوية يجب أن لا تكون أقل من 10% مع إحداث تغيير جذري خلال الفترة نفسها في العلاقة لصالح الأجور بالنسبة للأرباح في الدخل الوطني.

وتفيد المسودة، أن وسطي إنفاق الأسرة حسب أرقام 1997 هو بحدود 10475 ل.س شهرياً، مشيرة الى أن 66% من العاملين في الدولة تقل دخولهم عن 7500 ل. س شهرياً. ولكنها لا تشير الى أن الحد الأدنى الضروري لمستوى المعيشة، حسب أكثر الدراسات، هو حوالي 18000 ل.س، مما يتطلب تحديد الحد الأدنى للأجور بـ (15000) ل.س شهرياً. إن هذه المهمة لا يمكن حلها بدون تأمين معدلات نمو عالية وبدون تغيير العلاقة بين الأجور والأرباح، والتي تعترف المسودة بازدياد حصة أصحاب الملكية، وانخفاض حصة قوة العمل من الدخل الوطني، خلال الفترة السابقة.

 

وهنا نصل الى أهم استنتاج مفاده أن تغيير العلاقة بين الأجور والأرباح لا يمكن أن تتم بدون اجتثاث النهب الكبير من جذوره وكسر آلياته، مما سيسمح بانطلاق الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى معيشة الجماهير الشعبية الواسعة، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن أن يتم ذلك؟!، والجواب يمكن ويجب، لأن في ذلك، مصلحة تطور الاقتصاد الوطني لاحقاً، ومصلحة تلبية مصالح أوسع الفئات في المجتمع فقط، بل هو ضمانة أيضاً لتصدي بلادنا للمخططات الأمريكية الصهيونية التي تستهدف استقلالنا الوطني وسيادتنا وكرامتنا.