كيف نتصدى للعدوان؟!

ليست الحرب خياراً محبباً، ولكن الهروب من المسؤوليات والموجبات الوطنية ليس حلاً، كما أن التهافت على السلام لن يقربنا منه، فنحن الآن على أبواب مرحلة جديدة شديدة الخطورة، لأن العدو الصهيوني لم يغيّر ولن يغيّر خططه التوسعية تجاه الشعب الفلسطيني ولا تجاه سورية ولبنان والعرب جميعاً. فرغم المهادنة، لا بل المهانة ـ التي أبداها ويبديها معظم الحكام العرب تجاه الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الرئيسي الأهم للكيان الصهيوني، تعمّدت حكومة شارون بعد هبوط قمة عمان، عن مستوى نهوض الشارع العربي وموجبات المواجهة، وبعد أن طلب البعض «إعطاء فرصة لشارون لإثبات نواياه إزاء السلام»، تعمدت حكومة شارون استغلال تلك (الفرصة) لفرض سياسة الأمر الواقع عبر سياسة القتل والجرائم الوحشية ضد النساء والأطفال والشيوخ ودك المدن والمخيمات الفلسطينية بمدافع الدبابات وجرف الطرق وقطع الأشجار المثمرة وتدمير المراكز الأمنية الفلسطينية، وتوسيع رقعة الحرب العدوانية لتشمل إضافة إلى الفلسطينيين، لبنان والقوات السورية العاملة فيه.

أن شارون أو غيره من القادة الإسرائيليين هم ممثلون لعقلية إسرائيلية ـ استيطانية عنصرية، مثلها مثل النازية، تملؤها شهوة القتل والتدمير والاستئصال لكل ما هو عربي وبالتدريج من مركز فلسطين نحو أبعد نقطة في الوطن العربي إن أمكنهم ذلك... وإذا كانت «عمليات القتل والتدمير والقصف التي تتناقلها وسائل الإعلام الدولية تجري حصراً إما على أراض عربية محتلة أو ضد دول عربية مجاورة، وتستهدف مواطنين عرباً فلسطينيين ولبنانيين وسوريين»، فإن شارون نفسه وقادة إسرائيليين آخرين سبق أن اعترفوا بأن مدى السلاح الإسرائيلي ـ الاستراتيجي يطال دوائر جغرافية أبعد من الشرقين الأدنى والأوسط!!

ونذكرّ هنا بما قاله شارون فور عودته من واشنطن عشية «قمة عمان» حول «تطابق وجهات نظر إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية حيال التهديدات الإقليمية بسبب تزايد الإرهاب والتوجه نحو الحصول على أسلحة بالستية من جانب العراق وسورية وإيران…» وأضاف شارون: «لقد اعترف الأمريكيون بإسرائيل كشريك في تطوير منظومات دفاعية ومنظومات ردع ضد الصواريخ البالستية وتحييدها».

من هنا يصبح حديث العرب عن أن السلام خيارهم الاستراتيجي في ظل استمرار سياسة القتل والعدوان الإسرائيلية ضد المواطنين العرب في الأراضي المحتلة، وفي ظل الرفض الأمريكي ـ الإسرائيلي لقرارات الأمم المتحدة حول الانسحاب وحق العودة والقدس، والاستيطان، يصبح ليس فقط مضيعة للوقت، بل خيانة للانتفاضة الفلسطينية الباسلة وشهدائها الخالدين، وتراجعاً مفضوحاً عن موجبات الدفاع عن الكرامة الوطنية، وعقبة كأداء على طريق نهوض الشارع العربي في كل مكان ضد التحالف الصهيوني ـ الأمريكي.

لعل أخطر ما يميز النظام العربي الآن في عصر «العولمة ــ الأمريكية»، هو محاولة بعض الحكام العرب تمويه الوجه القبيح للاحتلال وتزيين صورة الاستسلام بتسميته سلاماً، وإخفاء التبعية والخضوع المطلق للإرادة الأمريكية تحت زعم «الالتزام بمقتضيات العولمة، والولوج إلى العصر». وبسبب هذا الخنوع لإرادة أمريكي سحب من التداول احتمال المواجهة مع إسرائيل، وكمقدمة لإثبات حسن النية أسقطت بعض الأنظمة العربية عن إسرائيل صفة «العدو» باتت عند بعضهم بمنزلة الشريك «في كل ما يتصل بقضايا المنطقة التي طمست هويتها العربية: «المياه، الاقتصاد، الزراعة، السياحة، الصناعة والأمن أولاً وأخيراً، بل بات لإسرائيل رأي في الإسلام وفي المسيحية وفي العلاقة بين المؤمنين ومتى يمكن قبولها ومتى يجب التصدي لها بوصفها إرهاباً..»!

ولعل أخطر ما تواجهه الجماهير العربية هو أن غالبية الحكام العرب يحولون، عن عمد وإصرار، بينها وبين مواجهة التحالف الصهيوني ـ الأمريكي. كما أن أولئك الحكام العرب يتوهمون بأنهم حالة أبدية «لا تحول ولا تزول». فمنذ زمن بعيد لم يسمح للمواطن العربي بأن يعبر عن رأيه في السياسات العربية الرسمية، ومن يتجرأ على الخروج للشارع طلباً للحرية أو للمواجهة ضد المشروع الصهيوني كان يجري التعامل معه من قبل حكامه على أنه مغامر...

لكن صمود الانتفاضة الفلسطينية الباسلة، والنتائج الباهرة التي حققتها المقاومة الوطنية اللبنانية في دحر الاحتلال في الجنوب وثبات الموقف الوطني لسورية العربية والتمسك الواضح بالحقوق العربية المشروعة وعدم التنازل عن مبدأ الانسحاب الإسرائيلي حتى خط 4 حزيران 1967 بما في ذلك حق العودة للفلسطينيين وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، كل ذلك أوجد التربة المناسبة لنهوض الشارع العربي وعودة حركة التحرر الوطني العربية لأخذ دورها الرئيسي في التصدي للمشروع الصهيوني ـ التوسعي المدعوم كلياً من الإمبريالية الأمريكية.

إن من يراهن على أي دور للولايات المتحدة في إحقاق الحقوق العربية المشروعة، أو على رغبة واشنطن في الضغط على إسرائيل، كمن يراهن على قبض الريح. فأمريكا كانت وستبقى الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني، حارس مصالحها الاحتكارية في المنطقة، المدجج بكل صنوف أسلحة التدمير الشامل والتقليدية من مخازن البنتاغون الأمريكي. وقد سبق للرئيس الأمريكي رونالد ريغان أن قال بالحرف غداة احتلال بيروت: «إن الجيش الإسرائيلي يصل تعداده في حالة الاستنفار إلى أربعمائة ألف عسكري، فلو لم يكن هذا الجيش في الشرق الأوسط لكنا اضطررنا أن نكون نحن هناك». وإذا كان هذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق، فإننا نذكر بعض الحكام العرب الموالين لأمريكا بما أقرته «مجموعة التخطيط الرئاسية» في إدارة جورج بوش الجديدة من توجهات سياسية ـ استراتيجية إزاء الشرق الأوسط على مدى السنوات الأربع اللاحقة.

1.متابعة المحافظة على تدفق البترول وحماية منابعه عبر استمرار تواجد القوات الأمريكية في دول الخليج ودعم الأنظمة الخليجية الموالية بما يضمن بقاءها وموالاتها للسياسة الأمريكية في المنطقة.

2.مان أمن إسرائيل والمحافظة على تفوقها العسكري على كل ما عداها في المنطقة وهو أمر متوفر أكثر من أي وقت مضى.

3.التراجع عن التزامات الإدارة الأمريكية السابقة بشأن الحل النهائي للقضية الفلسطينية (خصوصاً بشأن القدس وحق العودة وإزالة المستوطنات) ومن أجل ذلك أقرت مجموعة التخطيط الرئاسية «سياسة العودة إلى استراتيجية الخطوة ـ خطوة» ودعم سياسة شارون حول الوصول إلى ما يسمى اتفاقات مرحلية جديدة دون الاعتراف بأية مرجعية دولية بشأن الحقوق الفلسطينية الثابتة بتقرير المصير وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية على كامل الضفة والقطاع بما فيها القدس.

 4.تنزيل القضية الفلسطينية من مرتبة رقم واحد بالنسبة للدول العربية إلى مرتبة ثانوية من خلال تصوير العراق «بأنه أخطر من إسرائيل على الدول العربية» وهو المشروع الذي حمله وزير الخارجية كولن باول في جولته الأولى على المنطقة بعد أن كانت الطائرات الأمريكية قد قصفت بغداد ومدن عراقية أخرى لوضع دول الخليج وجميع الدول العربية أمام الأمر الواقع عشية مؤتمر القمة في عمان وخفض سقف القرارات التي ستصدر عنه وبالفعل هكذا كان.

5.متابعة إطلاق صفة الإرهاب على حركات المقاومة العربية والدول العربية والإقليمية المؤيدة لها (سورية وإيران مثالاً) وخلق شبكة من ضغوط الترهيب والترغيب ضدها وخاصة في المجال الاقتصادي عبر أدوات العولمة.

من هنا لا يجوز الخطأ في قراءة الموقف الأمريكي من قضية الصراع العربي ـ الصهيوني، فهو في جوهره يخدم سياسة التوسع والعدوان الصهيوني منذ ما قبل اغتصاب فلسطين وحتى وقتنا الراهن. وفي ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، التي يقود سياستها الخارجية مجرم حرب الخليج الثانية الجنرال كولن باول، وفي ظل حكومة الجنرالات الإسرائيليين بقيادة سفاح صبرا وشاتيلا ـ شارون ـ، ستشهد منطقتنا مرحلة شديدة الخطورة وستزداد الضغوط والمخاطر الصهيونية ـ الإمبريالية على حركة التحرر الوطني العربية وخصوصاً ضد سورية من أجل الهيمنة على المنطقة واستباحتها... لكن سورية ومن خلفها الجماهير العربية كما كانت على الدوام ستعرف كيف تفشل المؤامرة من حيث أتت.

عندما نؤكد نحن الشيوعيين السوريين على أن بلدنا سورية ومنطقتنا العربية أمام مرحلة جديدة شديدة الخطورة، من حيث اشتداد حدة الهجمة العدوانية الصهيونية وازدياد حجم التحالف العسكري والسياسي بين واشنطن وتل أبيب، فإننا ندعو إلى تعزيز وتوطيد الوحدة الوطنية الداخلية عبر تعميق التعاون الفعلي بين جميع القوى الوطنية والتقدمية وتضافر جهود جميع أبناء الوطن في الدفاع عن السياسة الوطنية السورية وزيادة تأثيرها النوعي على ساحة الوطن العربي ككل. ولا يمكن الوصول إلى ذلك بدون رفع المستوى المعيشي للغالبية الساحقة من جماهير شعبنا التي كانت ولا زالت سياج الوطن والمدافع الأمين عن الكرامة الوطنية والقومية، بعكس ممثلي البرجوازيتين الطفيلية والبيروقراطية الذين جمعوا ثرواتهم الطائلة بدون وجه حق ونهبوا الدولة والمجتمع معاً. فهؤلاء وطنهم جيوبهم ولا تروق لهم ا لمواقف الوطنية المتميزة التي عبر عنها الموقف السوري في قمتي القاهرة وعمان، حول احترام مشاعر ودور الجماهير في الشارع العربي، وكذلك لم ترق لناهبي قوت الشعب ما عبر عنه السيد الرئيس بشار الأسد في المكالمة الهاتفية مع الرئيس جورج بوش، من رفض سورية الواضح للانحياز الأمريكي الصارخ لجانب المعتدين الإسرائيليين، ولزيف الدعوات الأمريكية حول ضبط النفس، في حين يقدم البيت الأبيض الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري اللامحدود لمجرمي الحرب الصهاينة، الذين لولا المساعدات الأمريكية لما استطاعوا البقاء في الأراضي العربية المحتلة، ولا استطاعوا الاستمرار في انتهاج سياسة القتل والتشريد وتهويد الأرض العربية!

ومن هنا فإن الدفاع عن الوطن والدفاع عن لقمة الشعب أمران متلازمان خصوصاً في المرحلة الراهنة، حيث تتعرض سورية لهجمة معادية وضغوطات مضمرة ومعلنة يراهن فيها الأعداء ـ الداخليين والخارجيين منهم ـ على إضعاف سورية من الداخل اقتصادياً واجتماعياً وإضعاف تأثيرها المعنوي على جماهير الشارع العربي، الذي يعتبر السياسة الوطنية السورية ضد الأطماع الصهيونية، أنها تمثل صوته وبوابته للمشاركة في مواجهة الأخطار والأطماع الصهيونية والإمبريالية في المنطقة العربية.

 

لذلك كله نعتقد نحن الشيوعيين ـ بأن قاطرة الصمود السورية في وجه الاستحقاقات الحالية واللاحقة لابد أن تنطلق داخلياً من نقطة إصلاح الخلل في توزيع الثروة وإصلاح قطاع الدولة وتخليصه من سارقيه وجعله فعلاً رافعةً وأساساً راسخاً لصمود سورية وتجنيبها مخاطر العولمة والرأسمالية المتوحشة وأدواتها الرئيسية الثلاث: (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ـ الغات).