إلى ماذا تدفع التطورات؟
لنحاول وسط الجَلَبة السياسية والإعلامية العالمية السائدة، التي تثيرها التحولات الدولية المتلاحقة بسرعة، بما فيها مؤخراً «هزة» نتائج الانتخابات الأمريكية، لنحاول إعادة ترتيب المشهد، تحديداً فيما يخص الأزمة السورية، وحقيقة اقتراب الحل السياسي لها من عدمه، وعلى أية إحداثيات..!؟
في التشخيص، ينبغي تثبيت الوقائع والحقائق التالية، بعناوينها المختصرة:
- ثمة تراجع أمريكي بوتيرة تزداد باطراد، مشكلاً انحساراً نسبياً واضحاً في الوسائل التقليدية في بسط هيمنة مراكز التحكم الأمريكية، سواء في خارج الولايات المتحدة أم في داخلها.
- إقليمياً، ثمة تخبط تركي، داخلي وخارجي، يمليه عدم حسم مركز القرار التركي لخياراته الاستراتيجية، في الاستدارة الموضوعية المفروضة على تركيا، والمطلوبة لمصلحة الشعب التركي وشعوب المنطقة، والتي بدأت معالمها بالظهور عبر تقليم أظافر أنقرة عملياً وليس عبر خطابها السياسي كاملاً، بالضرورة.
- ينجم عن ذلك، بتكامله مع عناصر أساسية أخرى في مقدمتها الدخول الروسي إلى سورية، تراجع قوى الإرهاب عموماً، وفي مقدمتها «داعش»، وخروج موضوع تسويق «جبهة النصرة» من بازار الابتزاز السياسي والحسم الإيجابي، من حيث المبدأ، لموضوع وجوب مكافحتها.
- يسهم ذلك في دخول المتشددين السوريين، أياً كان لبوسهم ومواقعهم، في مأزق مستفحل، فمتشددو المعارضة يفقدون وسائلهم، ومتشددو النظام يفقدون ذرائعهم..
- الثبات المطرد في إصرار قوى السلم العالمي الصاعدة، وفي مقدمتها روسيا، على التمسك بالحلول السياسية للأزمات الدولية، وفي مقدمتها الأزمة السورية. ويترافق ذلك مع صبر مع الخصوم الاستراتيجيين، والتزام منقطع النظير، لتثبيت قواعد الاشتباك والعمل استناداً للقانون الدولي.
ما معنى هذا كله، تحليلياً؟ إنه يعني ببساطة، أن التطورات العالمية والإقليمية بمجملها تدفع باتجاه الحل السياسي للأزمة السورية، وأن انتعاش الطروحات الميدانية بحكم ما تبدى مؤخراً، بعد تعطيل واشنطن لاتفاقها مع موسكو حول سورية في أيلول، من انحسار لهذا الحل، هو انتعاش لا مبرر قطعي ونهائي له. فالأزمة السورية، شأنها شأن كل التجارب المشابهة تاريخياً، لا حل عسكرياً لها، وهي بحكم التداخل الإقليمي والدولي في مجرياتها ومفاقمتها، لا إطار داخلياً صرفاً لحلها حلاً نهائياً ناجزاً، وبالتالي لا مناص موضوعياً من تثبيت التوجه نحو تطبيق البيانات والقرارات الدولية الخاصة بحل هذه الأزمة، والتي صِيغت خارج إحداثيات الهيمنة الأمريكية التقليدية، بدءاً من بيان جنيف 2012، وانتهاءً بقرار مجلس الأمن 2254، والتي بمجموعها تشكل مداخل حقيقية لوقف العنف وإطلاق العملية السياسية ذات الأفق التغييري، بالتوازي مع مكافحة الإرهاب، والحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً، وتهيئة الأرضية والمناخ للسوريين لتقرير مستقبل بلادهم بأنفسهم. وإن هذه المداخل يؤمنها إلى اليوم إطار «جنيف» ومساره الذي لا بد من إنعاشه، إذا كان الهدف حقاً إيجاد حل سلمي حقيقي للكارثة السورية، وتوحيد السوريين في وجه الإرهاب بهدف اجتثاثه.
إن أية محاولات اليوم، لإيجاد بدائل عن هذه المداخل والأهداف والأطر، هي أوهام، ولكنها أوهام بالغة الخطورة، لأن معناها الأوحد، هو: إطالة أمد الصراع والنزيف ومنع الحلول الحقيقية الموضوعية عن أخذ مسارها المطلوب، والذي يحتاجه السوريون بشدة للبقاء.