الخط الثالث المزيف.. نادباً ومهزوماً!
ساد في وسائل الإعلام لفترة غير قصيرة من عمر الأزمة السورية، تصنيف القوى بين خطين (موالٍ ومعارض)، أو (مع الحسم ومع الإسقاط).
لم يصمد هذا التصنيف التعسفي طويلاً، فمنذ الفيتو الروسي- الصيني الأول، بات جليّاً لكل ذي نظر أنّ لا حسم ولا إسقاط، وهو الأمر الذي فرض نفسه حتى على وسائل الإعلام، التي باتت مضطرة لفتح المجال، وإن بشكل ضيق، أمام الخط الثالث: خط الحل السياسي.
وبات التصنيف يجري ضمن ثلاثة خطوط من حيث الشكل: الخط الأول: هو خط الحسم العسكري، والثاني: خط الإسقاط، والثالث: خط التسوية أو الحل السياسي، وبدا هذا التصنيف أقرب إلى الواقع من التصنيف السابق. رغم ذلك فإنّ تعاقب الأحداث وتطورها يعيد التأكيد على أنّ الأمور في سورية دائماً أعقد مما تبدو عليه..
النقطة الأولى التي ينبغي التذكير بها وتثبيتها، هي أنّ حزب الإرادة الشعبية نبّه باكراً (منذ 2005) إلى أنّ ثنائية (نظام- معارضة) هي ثنائية غير صالحة للتعبير عن واقع الحال السوري، وأن الثنائية الحقيقية هي بين ناهبين ومنهوبين، والناهبون وممثلوهم، موجودون في صفوف النظام والمعارضة على حد سواء، ولذا فإنّ التمييز بين القوى ينبغي أن ينطلق من برامجها وأفعالها، وبخاصة برامجها الاقتصادية- الاجتماعية التي يتحدد على أساسها من تمثل حقاً. أهي قوى ذات برامج ليبرالية اقتصادية؟ إذا كانت كذلك فهي تمثل فئة الـ10% من السوريين، وليس مهماً هاهنا أكانت معارضة أم موالاة، والعكس بالعكس. أي أنّ التفارق الشكلي بين ثلاثة خطوط، يُؤَول في المضمون العميق، إلى تفارق بين خطين أساسيين عابرين لتلك الخطوط.
بالأحوال كلها، فإنّ الأشكال خدّاعة، وإذ اتضح أنّ خطي الحسم والإسقاط يصلان نهايات مسدودة، فإنّ ذلك لا يعفي مدعي الانتماء إلى خطٍ ثالث من الفرز على أساس البرامج الحقيقية، والتمثيل الحقيقي.. ذلك أنّه يوجد خط ثالث حقيقي يناضل حقاً وفعلاً من أجل الحل السياسي، وخط ثالث مزيف يتبنى شعار التسوية والحل لمآرب أخرى.. وهذا الخط بالذات هو من أعلن أحد ممثليه هزيمته على صفحات الجرائد العربية مؤخراً..
إنّ أصحاب الخط الثالث المزيف، طالما أخطؤوا في رؤاهم وتصوراتهم عبر أربعين عاماً مضت، وهم يخطئون الآن أيضاً: إنهم يفهمون كل تقدم ضد الإرهاب بالشكل التالي: تقدم ضد الإرهاب= تقدم النظام السوري= تراجع إمكانية الإسقاط وتقدم إمكانية الحسم، وكأنّ سورية تقبع في المريخ، وليس الصراع الجاري فيها جزءاً من صراع دولي، بطوله وعرضه.
الترتيب الموضوعي للأمور، هو: أنّ تقدماً ضد الإرهاب يعني بالضبط تقدم موسكو على واشنطن، ويعني تقدم العقلاني داخل واشنطن على الفاشي، ويعني أيضاً تقدم الحلول السياسية، التي تفتح أبواب الاستقرار الحقيقي وتغلق الأبواب في وجه الفوضى الأمريكية، واستقرار من هذا النوع لن يحدث دون تغيير جذري شامل.
إنّ من نصفهم بأصحاب الخط الثالث المزيف، هم فئة من المعارضة السورية يحلو لها البحث عن دور «بيضة القبّان». فهي ترى في نفسها خطاً ثالثاً بين النظام والمعارضة، خطاً ثالثاً بمعنى الحل الوسط، فهي تحاول الاستفادة من الضغوط الدولية والأمريكية تحديداً، على النظام، لرفع سقف مطالبها، بل ومدخلاً لا بديل عنه لتحقيق تلك المطالب، والفرق بينها وبين الائتلاف ليس إلا شكلياً وشعاراتياً بحتاً. وهي تحاول أيضاً الاستفادة من تقدم موسكو لتضغط على الائتلاف علّه يقدمها ويرفع شأنها بين صفوفه، إضافة إلى كونها قوى هامشية ضمن الصراع، وغير متبناة صفاً أولاً من الغرب.
إنّ التلاقي بين أشباه الائتلاف وأشباه النظام ضمن خط ثالث مزيف، ليس إلا أحد التعبيرات العميقة عما أسلفنا قوله بأنّ لا وجود حقيقياً إلا لخطين أساسيين من حيث المضمون البرنامجي.
إنّ أصحاب الخط الثالث المزيف، شأنهم شأن أصحاب الحسم والإسقاط، يرون العمل السياسي من باب «التكتيك والشطارة»، واللعب على التوازنات، وليتهم يفهمون تلك التوازنات..!
إنّ التراجع الأمريكي الواضح، بل والذي يقلع العين، يدفع أصحاب الخط الثالث المزيف إلى الاعتقاد بأن الوقت حان لتخفيض المطالب، وأنّ 2254 لم يعد قابلاً للتحقيق، بينما واقع الأمر (لمن يفهمه) يقول عكس ذلك تماماً.. فتقدم روسيا وتراجع واشنطن، يعني تقدم الحل السياسي، ويعني فوق ذلك ارتفاعاً كبيراً في إمكانيات تنفيذ القرار الدولي ضمن أجالٍ غير بعيدة.
بالأحوال كلها فإنّ (مصير الحيّ يتلاقى)، فأصحاب البرامج المتشابهة، ورغم شعاراتهم المتعارضة شكلياً، يتقاربون بشكل مستمر بل ويقتربون من توحيد شعاراتهم، وهذا ولا شك أمر مفيد، فهو يسمح بتعزيز وتبلور تكاتف الخط الثالث الحقيقي، الممثل لمصلحة غالبية الشعب السوري، في وجه الخطوط الأول والثاني والثالث المزيف، و «ما ملكت أيمان» العالم المتقهقر من خطوط..