الاجتياح الإسرائيلي والمناقشات البيزنطية الفلسطينية

تشن القوات الإسرائيلية منذ العاشر من الشهر الجاري هجوماً عسكرياً واسع النطاق، وخصوصاً على مدينة رفح ومخيمها في عملية فاشية جديدة هي الأشد منذ اندلاع انتفاضة القدس وقد وصفها المراقبون بأنها جزء من مخطط شارون للتطهير العرقي، وأسفرت عن سقوط عشرات المواطنين  بين قتلى وجرحى وتدمير أكثر من مائة وخمسين منزلاً جرى هدمها وجرفها بما فيها من أثاث، وترك مئات الناس في العراء.

وكعادتها اعتبرت حكومة شارون المجرمة هذا الهجوم بأنه جاء في إطار الرد على عملية مطعم «مكسيم» بمدينة حيفا الساحلية، في عملية أطلقت عليها اسم «علاج جذري» إلا أن المراقبين اعتبروا الهجوم الإسرائيلي بأكثر من مائة دبابة على مخيم رفح هو مقدمة لاجتياح القطاع عسكرياً ومحاولة لتدمير الانتفاضة والمقاومة بدعم وموافقة أمريكية مسبقة في ظرف تنشغل فيه السلطة الفلسطينية ـ للأسف ـ بتوزيع المناصب الوزارية بين فرقائها.

تدهور غير مسبق لشعبية شارون

ومن جهة أخرى فإن العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني منذ ثلاث سنوات ليس فقط فشل في وقف الانتفاضة والمقاومة، بل انعكس سلباً على الحكومة الإسرائيلية ورئيسها شارون بالذات، وعمق من أزمة الكيان الصهيوني على الصعد كافة.

فلقد شهدت الصحف الإسرائيلية مزيداً من المقالات التي تنتقد بشدة أداء رئيس الوزراء، وتتحدث عن لجوئه إلى قوة الذراع العسكرية ضد سورية للتغطية على إخفاقه في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية وصرف أنظار الإسرائيليين عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا ً عن الأزمة الأمنية التي وعدهم بتحقيق الأمن لهم خلال سنة، وهاهي ذي تمر ثلاث سنوات على الانتفاضة ولم يتحقق شيء من وعوده ولذلك فإنه سياسته الانتقامية ضد الشعب الفلسطيني قد أوصلته  إلى «حضيض غير مسبوق».

مناقشات بيزنطية فلسطينية

في هذا الوقت بالذات، وفي الانحدار الذي بلغته حكومة شارون فإن المناقشات البيزنطية مازالت دائرة داخل القيادة الفلسطينية الحالية، وخصوصاً بين الرئيس عرفات ورئيس الوزراء المعين أحمد قريع  حول قضية اللواء نصر يوسف، وأيهما أفضل: حكومة طوارئ أو حكومة عادية، وكأن هذه القيادة لا تسمع ولاترى مما يحدث في جنوب فلسطين، وفي رام الله وجنين أيضاً، من قتل وتدمير وتهديم. وكان الأحرى بهذه القيادة أن تسرع إلى لم الشمل وتوحيد القوى الفلسطينية بدون استثناء عبر تشكيل قيادة وطنية موحدة لمواجهة سياسة التطهير العرقي لحكومة شارون وتعزيز خيار المقاومة الشاملة والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية وأهمها جلاء الاحتلال وحق تقرير المصير وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ولكن القيادة الفلسطينية والتي لازالت رهينة اتفاقات أوسلو وخريطة الطريق تبتعد عن شعبها أكثر فأكثر ولازالت تراهن على عودة المفاوضات وتتوهم بإمكانية «المساعدة الأمريكية» للخروج من المأزق، وكأن كل التجارب المريرة مع التحالف الصهيوني ـ الأمريكي غير كافية لإقناع السلطة الفلسطينية بضرورة الاعتماد على الشعب الفلسطيني وخيار المقاومة الذي لابديل عنه الآن ومستقبلاً.

فرئيس الحكومة أحمد قريع مازال يتحدث عن «خارطة الطريق» التي نسفتها إسرائيل نسفاً كاملاً، وأعلنت عن عدم اعترافها بها، كما أن قريع مازال يتحدث عن وقف العنف المتبادل، والقوات الإسرائيلية كما يعلم القاصي والداني لم تتوقف لحظة عن القتل والتدمير والهدم، أما تصليب الصف الفلسطيني وتقوية الجبهة الداخلية للوقوف بوجه البربرية الإسرائيلية فهذا ما لم يخطر بباله.

ماذا تريد إسرائيل من عدوانها؟

من الواضح أن العدوان الحالي على رفح يرمي إلى تحقيق هدفين:

■ تدمير مئات المنازل على طول الشريط الحدودي الفاصل بين فلسطين ومصر لخلق مناطق عازلة بعمق مئة وخمسين متراً داخل الأراضي الفلسطينية تعتبر امتداداً للجدار الفاصل الذي أنشأته إسرائيل على طول الحدود .

■ القضاء على جذوة النضال الشعبي الفلسطيني  المتواصل والذي يخوضه أبناء مدينة رفح البواسل ومخيماتها منذ اندلاع الانتفاضة، والتي لم تشهد هدوءاً منذ واحد وخمسين يوماً هي مدة الهدنة التي انهارت في الشهر الماضي.

أين الطريق الصحيح؟

أمام العدوان الإسرائيلي المستمر، والدعم متعدد الوجوه الذي تلقاه إسرائيل من القيادة الأمريكية، فليس أمام الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية إلا متابعة النضال الذي لا هوادة فيه ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم. فالعدو ليس عنده أي استعداد لوقف عدوانه، وليست عنده أية نية للخروج من المناطق التي احتلها بعد عدوان 1967 مهما وجهت له من دعوات.

 

وقد دعت حركات المقاومة الفلسطينية كافة رجال الشرطة وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية إلى عدم الوقوف مكتوفي الأيدي إزاء العدوان الإسرائيلي البربري، ودعت قيادات السلطة إلى  عدم التلهي بالصراعات السياسية والبحث عن المناصب الحكومية والوقوف صفاً واحداً مع الشعب الذي تتعرض  عجائزه ونساؤه وأطفاله إلى حملة تطهير عرقي جديدة لا يمكن مواجهتها بالتنازلات ولا بالمفاوضات العقيمة، بل بالمقاومة الشاملة وبقيام قيادة وطنية موحدة وهو مطلب أصبح الآن واجب التنفيذ قبل فوات الأوان.