الفلسطينيون: المكسيك أم طروادة؟ الجدار الفاصل: قشة قصمت ظهر الدولة..
■ الضفة ستغدو (بانتوستان) ومفاتيح البوابات بيد إسرائيل…
■ نحن نقيم هذا الجدار لأنفسنا… هذا هو الفرق…
■ اعتقال للضفة الغربية، وطلاق ما بينها وبين القدس.
■ سياسة تمييز عنصري، يجسدها الجدار..
مائة وخمسون كيلو متراً، ليست بالتأكيد سوى حصيلة مرحلتين، من المشروع الذي بات يعرف بـ«الجدار الفاصل»، والذي تصر الحكومة الإسرائيلية على إتمام تنفيذه، لإحكام الطوق على الضفة الغربية، وضمان طلاقها مع جارتها القدس.
سلسلة من الحواجز والخنادق والأسوار والأسلاك..
ذلك بعد أن صادقت الحكومة المذكورة على المرحلة الأولى منه في حزيران 2002، وعلى الثانية في كانون الثاني 2003، فيما سيتلو هاتين المرحلتين، اثنتان أخريان، قد تصلان بهذا الجدار إلى طول يتراوح ما بين الثلاثمائة والستمائة كيلو متر، مع الإشارة إلى إمكانية تعديل طول الجدار في المراحل اللاحقة، تبعاً للاعتبارات الأمنية أو السكانية أو الإقليمية أو حتى العقائدية.. والجدار من الناحية المادية، يتجاوز جدار برلين بثلاثة أضعاف لجهة الارتفاع وبضعفين لجهة العرض، وهو يشتمل على سلسلة من الحواجز المكونة من الخنادق والقنوات العميقة والجدران الإسمنتية المرتفعة والأسلاك الشائكة المكهربة وأجهزة المراقبة الإلكترونية، بالإضافة إلى منطقة عازلة تفصل مابين هذه الحواحز، والمنطقة الحدودية المعروفة بالخط الأخضر، مما سيرتب على ذلك أثاراً تنفي الادعاءات بأن الهدف من بناء الجدار «محض أمني»…
خلف الأسوار
إن إقامة هذا الجدار بالقرب من الحدود الغربية للضفة الغربية، سيلتهم 23.4% من جملة مساحة الضفة الغربية، وستشمل هذه المساحة المنطقة العازلة، وغلاف القدس الذي تصل مساحته إلى 170 كليو متراً مربعاً، كمما تضم هذه المساحة عشرات القرى والبلدات الفلسطينية في منطقة غلاف القدس، كما أن مشروع الجدار سيكون مقدمة لإقامة جدار آخر في شرق الضفة، سيضم منطقة الغور التي تقدر مساحتها بـ 21.9% من مساحة الضفة مما يعني أن إسرائيل تخطط لضم 45.3% من مساحة أراضي الضفة، إلى أراضيها المحتلة..
والـ 12% المصادرة مبدئياً من أراضي الضفة عبر مرحلتي الجدار (أ ، ب) ستنتج خسائر مذهلة يتحمل عبئها الاقتصاد الفلسطيني المنهتك أصلاً، فالجدار يمر في أراضي الضفة المروية، والتي تسهم في حوالي نصف الإنتاج الزراعي للضفة، وقد صادر مخطط الجدار ثلاثين بئر مياه، فقط في قلقيلية وطولكرم، مما أفقد الفلسطينيين خُمس حصتهم المائية في هذا الحوض، عدا ضم 25 قرية فلسطينية بعد تدمير اقتصادها بالكامل وفصلها عن بعضها بعضاً، كما أن المرحلة الثانية من المخطط ستعزل القدس عن الضفة الغربية، إضافة إلى عزل مائتي ألف فلسطيني داخل «الخط الأخضر»..
وبالرغم من أن الجدار يشكل الحل السحري، لإفلاس حكومة شارون الأمني، وبالرغم من تكيف العديد من الإسرائيليين، مع فكرة الأسوار الممتدة تاريخياً إلى عمق ميثولوجيتهم، إلا أن الأراء السياسية الإسرائيلية مازالت متضاربة حول مدى الاستفادة من هذا الجدار، ومدى تأثيراته المستقبلية.
في الداخل بشر، في الخارج بربر
«الجدار العاطل» كما تسميه إحدى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية ، أصبح التهديد المباشر لأحلام طالما رسمتها القيادة الفلسطينية، أحلام خارطة خرج عن جغرافيتها محمود عباس وأدخل في معمعانها أحمد قريع ليطرح شروطاً فيما الأمتار تتقدم أكثر فأكثر، لتطويق الحلم برمته.
فالجدار ليس فقط، تحطيماً لمشروع الدولة المفترضة في عام 2005، وليس فقط مشروعاً استيطانياً جديداً يستولي على ما لم تحلم به حكومة شارون في ظل وضعها الأمني المتردي الذي وصل معه احتراسها إلى ما قبل حالة الطوارئ القصوى، وهي حالة حرب الدولة، وإنما هو مشروع أبارثيد (تمييز عنصري)، يقضي فصل البشر عن «أكلة لحوم البشر» في ظل هرمية عنصرية على غرار النموذج الجنوب أفريقي، فالجدار الإسرائيلي وكما يرى العضو العربي في الكنيست عزمي بشارة يحول أي كيان فلسطيني إلى بانتوستان (جيوب معزولة)، تغلق إسرائيل بواباته متى تشاء، وتفتحها متى تشاء وهو الحسم النهائي لموضوع الدولة الفلسطينية، بحيث لا تقوم له قائمة فيما بعد، عبر التحطيم المناهجي المؤدي إليه، في مجال حرمان مئات آلاف الفلسطينيين من قوتهم ومصادر رزقهم وبيوتهم ومبرر وجودهم، وبالتالي سيدفعهم إلى الهجرة شرقاً، مما يبرر عرقلة «شارون» لتنفيذ بناء الجدار سابقاً على مدى عامين ونصف العام، ليبدأ في دعمه اليوم إذ يساعده على تثبيت المفاوضات في مرحلة ستقوم فيها دولة فلسطينية مؤقتة، سيشكل الجدار حدودها العملية والدائمة في حال قامت.
اعتقال الضفة… اعتقال تل أبيب
من أجل ألا تسير الولايات المتحدة على عكازي الشرق الأوسط معاً، عكاز العراق وعكاظ فلسطين، بسطت اللجنة الرباعية ما عرف بخارطة الطريق التي وصلت إلى ختام طريقها بعد خرق الهدنة من الجانب الإسرائيلي والمستجدات الأخيرة، وقد رفض شارون حين ذلك، مقترحات اللجنة الرباعية التي تطال أية انسحابات من المناطق التي أعيد احتلالها كيما تكسب الحكومة الإسرائيلية وقتاً إضافياً بتسريع بناء الجدار وفرضة كأمر واقع على طاولة التسوية.
وتعاملت الإدارة الإمريكية مع قضية الجدار كأزمة خلافية في تصريحات متبانية أدلى بها أركان الإدارة الإمريكية تراوحت بين القلق والانتقاد الصريح والتحفظ الضمني، إلا أن تصريح مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط «وليم بيرنز» زاد من طمأنة الحكومة الإسرائيلية، حين حجب الصبغة الجغرافية السياسية عن الجدار، ونظر إليه من الزاوية الأمنية فقط «إذا كان الجدار يتعلق بأمن إسرائيل ، فإننا نلتزم بذلك بشدة»، فيما بقي الموقف الأوروبي تحت سقف الموقف الأمريكي، على عكس موقفها الأخير من حركة حماس.
إلا أن أراء بعض الإسرائيليين، ترمي إلى أن تطويق الضفة واعتقالها، قد يتمثل وجهاً آخر، فـ«نحاس فالنشتاين» أحد قادة المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية يصف الجدار الذي يعكف الإسرائيليون على بنائه، بجدار معسكر (أوشفيتز) وهو أحد مراكز الاعتقال التي أقامها النازيون لليهود في بولندا في أوائل ا لأربعينات ويضيف: «إلا أن هنالك فرقاً هاماً ما بين الجدارين وهو أن أوشفيتز أقامه أعداء لنا، أما هذا الجدار فنحن ننصبه لأنفسنا!»
هل سيمنع الحماس حماس؟
هنالك تشكيك في الأوساط السياسية الإسرائيلية بالوظيفة المزعومة للجدار تلك الوظيفة «الأمنية» فالقائد السابق للمنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال ينصح المتحمسين لإقامة الجدار بأن يفكروا ملياً قبل التعبير عن حماسهم، وقد يكون تشكيكه مبرراً في حال علمنا أن الفدائيين الفلسطينيين كانوا قد استطاعوا سابقاً اجتياز جدارين أكثر إحكاماً أمنياً من الجدار الفاصل، (والذي يمكن اختراقه)، جدارين كانا يحيطان بمستوطنة (عتصمونا) التي استطاع مقاومو حركة حماس اقتحامها وقتل خمسة من مستوطنيها من دون أن يمنع الجداران طرواديي التنظيمات الفلسطينية من التسلل وتنفيذ العملية المخطط لها.
وكذلك هنالك موقف آخر وفقاً لحسابات المردود والتكلفة عبر عنه «أفيعاد فيسول»حين جسد المأزق الأمني والمالي الذي سيدفع إليه بناء الجدار، ويقول: «إذا صرفت الحكومة مليارات الشواكل على الجدار وصيانته، من أجل محاولة القضاء على عنصر وحيد وصغير في المشروع الإرهابي فإنها ستشل القدرة على معالجة العناصر الأخرى لهذا المشروع» مفنداً بذلك ماتدعيه الحكومة الإسرائيلية من أهمية أمنية خالصة لهذا الجدار الذي يستهدف في حقيقة الأمر تغيير المشهد السياسي والجغرافي في المنطقة.
جدران أخرى
الحكومة الإسرائيلية وفق التطورات الجارية، ماضية في عزمها على إتمام تنفيذ مخطط الجدار، رغم الأصوات الدولية التي حاولت كبح عزم شارون، وهو الذي قال للرئيس الأمريكي في زيارته الأخيرة: «إذا كنت تستطيع أن تضمن لي تبديل الفلسطينيين بمكسيكيين، سأكون مستعداً لإلغاء الجدار الفاصل» ومن جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية بشكل قاطع أن بناء الجدار سيستمر، مما سيضع الفلسطينيين، إن لم نقل المنطقة برمتها، أمام استحقاقات جديدة، لايفرضها واقع الجدار فحسب، إنما واقع دول عربية حَّولها بوش على طريقة شارون إلى دجاج عربي يعتمر قبعات مكسيكية وها نحن نسمع:
■ زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى المغرب.
■ استعداد الرئيس المصري لزيارة تل أبيب (لتفعيل عملية التسوية).
■ عودة السفير الإسرائيلي للأردن وتسليمه أوراق اعتماده.
■ زيارة مدير البنك المركزي الإسرائيلي إلى الإمارات..
ولدينا من الجدران المزيد.. ولدينا من القبعات المزيد..
■المحرر