الاعتداء الإسرائيلي على سورية: عيون الصقور لن تكفيها عين الصاحب
قامت إسرائيل صباح العاشر من تشرين الحالي بشن غارة جوية على منطقة عين الصاحب القريبة من دمشق بزعم وجود معسكر لتدريب الفلسطينيين، وجرى هذا العمل العدواني بالتنسيق المسبق مع الإدارة الأمريكية وقد اتضح ذلك جلياً بعد تصريحات الرئيس الأمريكي بوش التي أعطى فيها «الحق» لشارون بضرب أعداء إسرائيل في كل مكان، كما نشرت الصحف الإسرائيلية مصوراً لدمشق حددت عليه الأماكن التي تدعي إسرائيل أنها مقرات لمنظمات المقاومة لضربها في المستقبل.
وقد قوبل هذا العدوان بالشجب والاستنكار من جميع البلدان، وداخل مجلس الأمن بالذات وداخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، باستثناء الولايات المتحدة التي دافع مندوبها في الهيئة الدولية عن هذا العدوان، وقال إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وبكل الوسائل كما أنها، وقفت عقبة كأداء أمام اتخاذ قرار يدين إسرائيل في عملها القرصني، ولوح باستخدام «الفيتو» لإجهاض مشروع القرار السوري الذي يتضمن إدانة العدوان الصهيوني على الأراضي السورية.
ماهي أهداف العدوان؟
هناك هدفان من وراء هذا العدوان، أحدهما أمريكي وهو الأساس، والآخر إسرائيلي.
1. الهدف الأمريكي:
ترى الولايات المتحدة أنه حان الوقت لتشديد الضغط على سورية وتوجيه ضربة لها إما مباشرة أو عن طريق ذراعها الإسرائيلية، إن الفصل الأخير من الحرب الأمريكية على العراق والتي تبدو متعثرة بل مأزومة لامخرج منها وذات آفاق مسدودة مما يتطلب تحقيق إنجازات إقليمية جديدة تساهم في حل المعضلة العراقية، وتحافظ في الوقت نفسه على زخم المشروع السياسي والاقتصادي الذي دخل الأمريكيون من أجله إلى بغداد.
ومن هنا يتبين لنا لماذا ساندت واشنطن إسرائيل في عدوانها، ولماذا صعدت الموقف ضد سورية في مجلس النواب الأمريكي يوم 8 تشرين الأول الجاري لتمرير ما يسمى بـ «مشروع محاسبة سورية» والذي يدعو إلى فرض عقوبات إضافية عليها إذا لم توقف دعمها لمنظمات المقاومة التي تعتبرها واشنطن «إرهابية»!! وإذا لم تسحب قواتها من لبنان، كما تشمل العقوبات الجديدة تقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي في العاصمتين، وتقليص مستوى الدبلوماسيين السوريين في واشنطن ونيويورك حيث مقر الأمم المتحدة. إضافة إلى منع الاستثمارات الأمريكية في سورية، كما أن المشروع يعطي للرئيس بوش خيار عدم تصدير مواد وبضائع إلى سورية.
وجاءت الضغوط الأمريكية بعد أن أخفقت واشنطن في الشهور الأخيرة، منذ زيارة باول إليها والطلبات التي قدمها ـ لإقناع سورية حسب قوله لسحب يدها من العمليات «الإرهابية»، وقد اعترف باول أن «اللقاءات الدبلوماسية والضغط الاقتصادي على سورية لم تُجدِ نفعاً» فمن أجل ذلك كله تقوم الولايات المتحدة بتشديد الضغط على سورية، ولذلك كانت الإشارة الأمريكية التي تلقاها شارون شديدة الوضوح، إذ لم تعد هناك قيود على حركة إسرائيل العسكرية ولا حاجة بعد الآن إلى الالتزام بما يسمى بـ «ضبط النفس» مادامت الفرصة سانحة وهي قد لاتدوم طويلاً للإفادة القصوى من الاختلال الهائل في موازين القوى الإقليمية وتوجيه ضربة قاضية تعيد تشكيل الشرق الأوسط وترسيم الحدود بين دوله وكياناته وشعوبه، كما رسمته القيادة الأمريكية منذ زمن بعيد.
2. الهدف الإسرائيلي:
لقد تأكد أن الغارة الإسرائيلية على منطقة عين الصاحب جاءت في إطار التصعيد الأمريكي ضد سورية، فإسرائيل وأمريكا وضعتا دمشق على قائمتهما قبل العدوان الأمريكي على العراق ومازالتا تصفانها بشكل استفزازي إلى الآن في محاولة لابتزازها وجرها إلى مواجهة عسكرية تعتقد إسرائيل أنها قادرة فيها على أن تحقق نتائج تغير الوضع في الشرق الأوسط لصالحها ولصالح الخطط الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على العالم.
إن الحسابات الأمريكية الإسرائيلية ليست عشوائية، بل هي مبنية على حسابات توحي لهم بأن المجال العربي مفتوح لتوجيه ضربتهما تؤدي إلى إصابة عدة عصافير بحجر واحد.
ما الذي يردع العدوان؟
إن الضغوط الأمريكية التي تتخذ أشكالاً متنوعة بما فيها تحريض إسرائيل، تفرض أخذ الأمور بشكل جدي وتدعو إلى رفع درجة اليقظة لأقصى حالاتها، وإنهاض الشعب وإعداده لمقاومة أي عدوان خارجي، وتوحيد جميع القوى الوطنية في جبهة عريضة للوقوف صفاً واحداً حيال ما يبيت لوطننا وأن نكون على مستوى خطورة هذه التهديدات، وهذا يتطلب تأمين الانفراج السياسي الداخلي المطلوب، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإطلاق الحريات العامة وإلغاء كل القوانين الاستثنائية التي تقيد الحرية والديمقراطية في البلاد لصيانة كرامة الوطن والمواطن، كما أنه من الضروري معالجة الوضع الاقتصادي الصعب، ورفع مستوى معيشة المواطنين ورفع الأجور بما يتناسب ومستوى الغلاء. إن كل ذلك سيشكل الضمان الوحيد للصمود في وجه أي عدوان في غياب الدعم الخارجي وتواطؤ الحكام العرب.
وهنا لابد من الموافقة على ماجاء في افتتاحية الزميلة «البعث» يوم 8 تشرين الأول الجاري،حين قالت:
«ولعل أهم ما يمكن أن يردع إسرائيل هو أن »نعطيها« تماماً عكس ماتتوقعه، أن نقرر تمسكنا بالتوجه الوطني والقومي الذي أضحى عنواناً للبلد، وأهم ما في هذا التعزيز تطوير آليات التعبير الشعبي والمجتمعي، عن الحس الوطني عند الناس وتطوير وسائل الحراك الشعبي وآليات تفعيل جاهزية الشارع لمواجهة الاحتمالات كلها».
عادل الملا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.