بقلم هيئة تحرير «قاسيون» بقلم هيئة تحرير «قاسيون»

البرنامج البديل بين ميسلون وعربة غورو

ثمة من يقول إن البرنامج الاقتصادي- الاجتماعي الواقعي الوحيد هو برنامج قوى السوق، متحدياً بذلك القوى الأخرى أن تطرح برنامجاً مفصلاً في مواجهة هذا البرنامج، ليصل الى استنتاج بأنه لا مخرج إلاّ في الالتحاق بالوصفة الليبرالية الجديدة، التي تعني في ظروف سورية، وإن كانت لا ترمي إلى خصخصة قطاع الدولة فوراً، بأن تتركه يموت كقدر محتوم لامفر منه إذا ما أصر المجتمع والدولة على الحفاظ عليه، مهددة بذلك بإحجامها عن شرائه إذا تأخرت الدولة عن خصخصته، ومتصورة أنها هكذا تبتز الجميع للوصول إلى عَقد إِذعان كي تعجِّل بعملية تنفيذ برنامجها النهائي.

والحقيقة أنه في ظل الظروف العالمية والإقليمية الحالية، والتي تتميز باختلال ميزان القوى لصالح القطب المعادي للشعوب ومصالحها، يصبح البرنامج الوحيد البديل والمواجه لبرنامج قوى العولمة المحلية والخارجية هو البرنامج المقاوم والرادع لبرامجها، هذا البرنامج الذي طالما تحدثنا عن مكوناته الأساسية ونقطة انطلاقه التي تبقى في اجتثاث جذور النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي البيروقراطي، والتي لايمكن دونها التفكير بأي نمو لاحق، وبأي تحسين لمستوى معيشة الجماهير الواسعة.

والملفت للنظر أن برنامج قوى السوق لا يطلب تعديلات جذرية وهيكلية فيما يخص النهب الكبير وإنما جل ما يطلبه هو إعادة توزيع حصص النهب وتحويله من نهب غير مقونن إلى نهب مقونن لضمان حصصهم اللاحقة في ظل ضعف قواهم في جهاز الدولة الذي استفاد جزء صغير منه من هذه العملية على مدى العقود الماضية.

لذلك فإن مثال ونموذج يوسف العظمة في ميسلون يرتدي أهمية كبرى لأنه خرج إليها واثقاً من أنه يؤسس لفعل مقاوم سيؤثر على كل تاريخ سورية، وهو ما حدث فعلاً إذ انطلقت الثورة السورية الكبرى بعد ذلك لتصبح سورية أول بلد يتحرر من الاستعمار الأجنبي بعد الحرب العالمية الثانية وهذا ليس صدفة.

وعلى النقيض كان هناك برنامج التكيف مع الاحتلال القادم الذي أسس له بعض الذوات والأعيان والتجار بجرهم عربة غورو على بعد كيلو مترات من موقع استشهاد يوسف العظمة، وبعد فاصل زمني لا يتعدى الساعات، بالرغم من أن  الأكثرية الساحقة من أبناء دمشق عمالاً وفلاحين وحرفيين وتجاراً كانوا في الطرف الآخر يستلهمون مثال يوسف العظمة.

 

فما أشبه اليوم بالبارحة، فالبرناج المقاوم لا يحسب الربح والخسارة الآنية بل يحفظ الكرامة والنصر النهائي، أما البرنامج المتكيف «الواقعي» فيقوم بجر عربة العولمة المتوحشة عبر برنامجها الاقتصادي ـ الاجتماعي الذي يدّعي الديمقراطية والسعي إلى العدالة الاجتماعية وما هو في الواقع إلا رأس حربة للهجوم على الكرامة الوطنية، على السيادة الوطنية، على الاستقلال الوطني.