«نصف الكأس الفارغ ونصفها الملآن»

في ستينات القرن الماضي وعندما كانت تتفتح بصائرنا ومشاعرنا ويتشكل وعينا القومي والنضالي، كنا نرى في رفاقنا الشيوعيين مثالاً للوعي السياسي والتفاني في النضال ونكران الذات والمثقفين الذين نجد لديهم الأجوبة والتحليل المنطقي لاتجاهات السياسة العالمية والمحلية ونستشرف من خلالهم الآمال العريضة بالنصر على العدو الصهيوني والإمبريالية الأمريكية والعالمية ـ «وما هي إلا مسألة وقت».

وتدور الأيام ويمضي ذلك الوقت ولاتتزعزع ثقتنا بانتصار الاشتراكية، ترهلت القيادات وتقلبت الأفكار وفقدت بريقها وزخمها النضالي  ـ ولم نفقد الأمل ـ 

سقط الاتحاد السوفييتي وسقطت معه الأفكار المسبقة الصنع والقوالب الجاهزة (ووصفات الجيران والجدات) لكل علة ولكل سبب سببه، وانهالت علينا الأسئلة من الصديق ومن الشامت والمتشفي ومن الجائر وماذا بعد... وماذا عن الملايين من المسحوقين والمستَغَلين أين طليعتهم؟ أين أنبياؤهم.. أين رسلهم...أين قادتهم إلى غد أفضل؟ إنهم لم يفقدوا الأمل بعد.

أن يسقط الاتحاد السوفييتي وأن تخسر الاشتراكية معركة وأن تسود الإمبريالية العالمية عقداً أو بعض العقود ليس نهاية المطاف إنها آلية الحياة. ولكن أن تفقد الجماهير طليعتها، وأن تفقد الاشتراكية رجالاتها في انقسامات وصراعات ويترهلون وتمتلئ جيوبهم وتتدلى كروشهم وراء مكاتب سلطوية ـ «هذا ما يفقد الأمل».

إنني أتحدث بشكل عمومي بعض الشيء لأنني قرأت على صفحات «قاسيون» كثيراَ من المداخلات الموضوعية وقد أغنوا الموضوع تحليلاَ معمقاً حول ظاهرة الشرذمة والتفرق والأنانية والزعامات المزمنة وحيا الله نضال الرفاق.

وإنني إذ أشارك بالدعوة إلى وحدة الصف للرفاق الشيوعيين على مساحة الوطن (ولو كنت من خارج السرب) «الوطني الديمقراطي» فما ذلك إلا «لأننا كلنا في الهم شرق» وأن ما يصيب أي تيار وطني يصيبنا جميعاً بالوهن والضعف، فإذا كنا ننادي بوحدة الصف ونحن متفرقون وننادي بالوحدة الوطنية ونحن أحزاب شتى وتيارات متناحرة في كل حزب أربعة أو خمسة فرق وننادي بالرأي الآخر وبعضنا يعتقد أنه المُلهَم والمنتصر وأنه يملك ناصية الحق أينما سار سار معه، والآخرون منشقين خونة.

إن الحزب الشيوعي بما يملكه من كوادر مثقفة واعية وتجربة على مدى أكثر من نصف قرن وخلفية نضالية في ميادين السياسة والاجتماع والاقتصاد والتنظيم قادر على ترميم ما انتابه من خلل في هذا الظروف، ونحيي رفاق الطريق في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ونشد على أيديهم ليكونوا قدوة توحيدية لكل الأحزاب على ساحة الوطن ونرى في طرحهم العودة إلى الجماهير والشارع السياسي معياراً للصدق نحو التوجه الوطني الحقيقي.

وهمسة للرفاق في قيادات الحزب الشيوعي السوري أو الأحزاب الشيوعية ( وياللأسف) لستم آلهة ولستم معصومين. إن ما تكسبونه بالعودة إلى قواعدكم أعظم ألف مرة من منافع تنالونها آنية أو مادية.

إن عهود الأصنام والقيادات التي لا بديل لها ولا تبديل قد ولت وأظنكم مؤمنين ولو نظرياً أن الكلمة الأخيرة للجماهير ولا يمكن اختصار نضال آلاف من البشر وعبر عشرات السنين بشخص واحد أو عدة أشخاص.

 

■ حماة ـ محمد طيباني