الجبهة ودائرة الفعل الحقيقي

تواصل قوى السوق المحلية تقدمها مستفيدة من التوازنات الإقليمية الجديدة التي فرضتها تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق.

 

وهي في تقدمها هذا تحاول فرض برنامجها الاقتصادي - الاجتماعي الذي ما هو إلا امتداد لبرنامج قوى العولمة المتوحشة، أي قوى السوق الدولية.

وإذا كان أولو الأمر في وضع يضطرهم للتعامل معه انطلاقاً من المعطيات الواقعية على الأرض، إلا إن القوى السياسية التي يفترض بها أن تمثل الجماهير الشعبية، عليها أن ترسم خياراتها ليس انطلاقاً من ضرورات الأنظمة، وهي إن نجحت في ذلك، فهي تعطي خيارات الأنظمة هامشاً أوسع للتعاطي مع الضغوطات التي تتعرض لها داخلياً وخارجياً.

لذلك محق من يستغرب أن لايكون للجبهة الوطنية التقدمية كجبهة تمثل تجمعاً هاماً لأحزاب وطنية، موقفها الواضح والمحدد مما يجري على الساحة الاقتصادية ــ الاجتماعية، دون أن ننسى أن بعض مكوناتها طالب مؤخراً، عبر صحافته أو ممثليه في مجلس الشعب، ببعض الإصلاحات السياسية الهامة التي نضجت الظروف لتحقيقها، وهو موقف جريء يسجل لأصحابه.

إن استمرار الجبهة أو عدمه ليس منوطاً بمطالبة البعض بحلها أو غير ذلك، وإنما منوط بدورها الذي يجب أن تلعبه في هذه الظروف الانعطافية الحساسة والخطيرة.

فهي إن استطاعت أن تلعب الدور المطلوب منها، فألف مطالبة بحلها لن تؤدي إلى نتيجة، وإذا لم ترتق إلى المستوى المطلوب منها فهي تحل نفسها في الواقع دون حتى أي مطالبة من أحد، وهذا هو جوهر القضية.

لقد قرر حزبنا منذ مؤتمره الخامس 1980 أن الجبهة الوطنية التقدمية هي في جوهرها جبهة وطنية، وتقدمية بقدر ما هذا الوطني تقدمي فقط لاغير، ورُبِط هذا الاستنتاج في حينه بتوقف سير البلاد على طريق التقدم الاجتماعي، ذلك التقدم الذي يربط تطور القوى المنتجة بتحسن الأوضاع المعيشية للجماهير الشعبية الواسعة.

واليوم، وأكثر من أي وقت مضى، فإن الحفاظ على الطابع الوطني لأي تحالف يصبح مهمة أساسية، ولكن المطلوب أيضاً أن يكون فعالاً، وإذا فقد فعاليته فإنه يصيب القضية الوطنية بضرر كبير. والفعالية مرتبطة بالوزن الحقيقي بين الجماهير، وبالوضوح فيما يخص الموقف من قوى السوق والسوء.

لذلك نقول: إننا اليوم أمام استحقاق كبير، وهو استعادة فعالية الأحزاب الوطنية في الشارع، وهو الشرط الضروري لأي مقاومة ناجحة لمخططات قوى الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، سواء كان على المستوى الداخلي أو الخارجي. وسواء كان في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي بما فيه الديمقراطي.

ومن دون ذلك، لا جدوى نهائياً من أي صراخ وعويل، لأنه سيتم خارج دائرة الفعل الوطني الحقيقي.  

آخر تعديل على الخميس, 17 تشرين2/نوفمبر 2016 10:46