«قاسيون» تلتقي المضربين عن الطعام في مقر الأمم المتحدة بدمشق: اعتصام الجوع.. يتحول إلى كرنفال وطني
تحول شارع «أبو رمانة» في دمشق، وعلى مدار ثمانية أيام، من شارع لآخر صرعات الموضة لشبان «عمر دياب» (الميتالجية) المتسكعين على الأرصفة والمشفطين بسياراتهم الفاخرة... إلى شارع الشباب الوطني المتضامنين مع الشبان المعتصمين في مقر هيئة الأمم المتحدة بعد أن أعلنوا إضرابهم المفتوح عن الطعام مطالبين الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بإصدار بيان يدين فيه قتل الأطفال الفلسطينيين، ومن أجل الإفراج عن المعونات المادية والصحية التي تحتجزها قوات الاحتلال الصهيوني...
نعم.. إنه كرنفال للحماسة الوطنية... وإدانة للقتل والصمت في ظل ما يسمى بـ «النظام العالمي الجديد» وطغيان الإرهاب الصهيوني... وعلى مدار الساعة يتوافد العشرات من الشبان والنساء والأطفال والشيوخ وهم يحملون الأعلام السورية والفلسطينية والشعارات المناوئة للاحتلال والإرهاب الأمريكي ـ الصهيوني... ويوماً بعد يوم.. لم ينل الجوع من تألق النضارة في وجوه المضربين عن الطعام.. تتحدث إليهم وكأنك تتحدث مع رجل واحد.. يبثون الثقة والعزيمة في انتصار قضيتهم العادلة..
دموع الرجال
وفي عشية اليوم الثامن للإضراب.. سالت دموع الرجال سخية بعد أن أُغلق إضرابهم المفتوح عن الطعام «بسبب الظروف التي نشأت نتيجة التفجيرات في أمريكا، والتي كانت نتاجاً مباشراً للصلف والعنف الأمريكيين تجاه شعوب العالم» كما جاء في البيان الذي أصدره المضربون...
وأضاف البيان: «نود بهذه المناسبة أن نتوجه بالشكر إلى شعبنا الفلسطيني والعربي في سورية وإلى الهلال الأحمر السوري، الذين كانوا معنا طيلة أيام الإضراب الثمانية، وصمموا مثلنا على استمراره حتى تحقيق المطالب العادلة، والتي لم تستجب لها الأمم المتحدة متمثلة برئيسها كوفي عنان ربيب أمريكا وإسرائيل».
وجاء في ختام البيان: «نعاهد شعبنا في فلسطين، أننا سنواصل نضالنا إلى جانبهم أياً كانت الظروف مصرين على العودة إلى فلسطين، كل فلسطين، فمصيرنا واحد ومستقبلنا واحد».
«قاسيون».. تلتقي المضربين
وفي اليوم الخامس للإضراب، أجرت «قاسيون» لقاءات مطولة مع بعض الشبان المضربين عن الطعام... الذين أكدوا ثقتهم واعتزازهم بالدور التضامني الكبير لمنظمة دمشق ولجنتها المنطقية في دعمهم والوقوف إلى جانبهم طيلة أيام الاعتصام... وتناول الحديث الهدف من إضرابهم... ومدى ثقتهم باستجابة الأمم المتحدة لمطاليبهم... وهمومهم الوطنية والإنسانية.. وكنا نتمنى أن تتسع صفحات «قاسيون» لتسجيل أحاديثهم كاملة.. إلا أن لضرورة المساحة أحكام... ونكتفي بنقل بعض المقتطفات المكثفة من هذه اللقاءات:
عجز الشرعية الدولية
* سامي حسن ـ مهندس زراعي: الهدف من الإضراب أكثر من رسالة، وأحد الأهداف هو كشف عجز الشرعية الدولية ممثلة بالسيد كوفي.. ومتأكدين بأنه من الصعب الاستجابة لمطالبنا، ولكن نضع الأمم المتحدة على المحك لنكشف عجزها مرة أخرى..
أما الهدف الأعمق من إضرابنا، فهو رسالة لأهلنا بالداخل، بأننا لسنا متفرجين، ونحاول قدر استطاعتنا أن نرتقي قليلاً لمستوى التضحيات العالية التي يقدمها أهلنا في الداخل، ونحاول أن نقدم شكلاً يحتذى للجماهير، وهذه هي النقطة المركزية، وهي رسالة للشعوب العربية أن تبدأ بالتحرك.
هناك إمكانيات كبيرة كي نبدأ أشكالاً جديدة لدعم الانتفاضة، حاولنا أن نقدم هذا النموذج للجماهير لنثبت أن هناك إمكانية لكسر حاجز الخوف والصمت بقليل من الجرأة فالأمور لم تعد تحتمل...
حراك شعبي
* أكثم محمد ـ مهندس زراعي: من أهداف الإضراب إيجاد حالة حراك شعبي سواء على الصعيد الفلسطيني أو السوري أو العربي... وهو تصعيد نوعي في عملية الدعم للأخوة الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة، بعد أن أثبتت العديد من الأساليب أنها غير فاعلة.. ونمارس الضغط على الرأي العام العالمي والحكومات العربية لتتخذ موقفاً أكثر صلابة تجاه ما يجري داخل الأرض المحتلة..
تفعيل دور الشارع
* فخر الدين ـ عامل: إضرابنا في اتجاه تفعيل دور الشارع... وفوجئنا بالعدد الكبير من المتضامنين معنا.. وهو يزيد من إصرارنا على الاستمرار ونحن نستمد القوة من دعم المتضامنين معنا..
على المحك..
* خالد علي السمرة ـ بائع ألبسة: يعتبر إضرابنا رسالة إلى الأمم المتحدة التي توضع على المحك للمرة المليون خلال تاريخها... وعلى ما يبدو فأن دور هذه المنظمة منذ تأسيسها هو لتكريس الظلم على الشعوب... ونحن صامدون هنا لآخر نفس فينا..
الصمت المعيب
* همام اللحام ـ طالب هندسة: العالم يعيش حالة صمت معيب.. رما فقدت الإنسانية جمعاء شعورها بالآخر.. ونحن لا نرضى أن نكون مجرد متضامنين مع الانتفاضة ومراقبين لها... هدفنا استكمال الانتفاضة بكافة التجمعات الفلسطينية وصولاً لاستكمال المشروع الوطني الفلسطيني في العودة والتحرير...
رمز الكرامة والعزة..
* خليل خليل ـ مدرس لغة عربية: فلسطين مغتصبة.. والشعب العربي، بغض النظر عن حكامه المغتصبين بإرادتهم، لن يصل إلى القبول بالتخلي عن أجمل أنثى ويدعها مغتصبة.. وهو يضحي بأرواحه ثمناً لفلسطين.. التي هي رمز الكرامة والعزة والشرف..
الاحتجاج السلمي
* خالد خالد ـ عامل: قبل الإضراب كنت أتعاطف مع الانتفاضة ومع الأطفال الشهداء ومع الطفلة إيمان حجو.. ولكن الآن وأنا جائع أرى إيمان بصورة مختلفة عن الأول.. صرت ارى والدها جائعاً وأمها تهرب بها من تحت القتل والدمار وهي تحملها.. فماتت على الطريق... أشترك مع أهلي في الداخل في الموت، لأنني لم أقدر أن أشاركهم في ضرب الحجارة ولا في العمليات.. ومهما فعلت، لن أزاود على نضالاتهم..
لقد شردت أسرتي مرتين: الأولى عندما لجأنا إلى الجولان السوري، والثانية من الجولان إلى دمشق.. نحن لا نستطيع أن نتجاوز الحواجز المعاهدات.. ولكن يمكن لنا أن نمتلك أشكال الاحتجاج السلمي بكل تفاصيله..
لا يهم أن نموت..
*عبد الله محمد بيطاري ـ أعمال حرة: هيئة الأمم المتحدة ترضخ لإرادة أمريكا وإسرائيل.. ونحن اتخذنا قرارنا بالإضراب كي نعيش أحراراً.. لا يهم أن نموت.. المهم أن نحقق أهدافنا..
أصحاب حق
* زوسر عبد الله الحسن ـ طالب: عدد الأطفال الفلسطينيين الذين سقطوا برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي خلال أقل من عام يزيد عن (1400) طفل ومن بينهم عدد من الرضع.. من هنا كان إضرابنا للضغط على هيئة الأمم المتحدة لكشف هزالتها ولنؤكد أننا أصحاب حق.. مطالبنا واضحة وبسيطة.. وسنتابع الإضراب حتى أخر رمق..
طرد الشركات الأمريكية
* عامر الحمد ـ صحفي: بوسع الشارع العربي أن يفعل الكثير.. والقضية لا ترتبط على الإطلاق بالمؤسسات الحكومية والأنظمة الحاكمة، وتجمعنا هنا أكبر دليل على أن الشعب قادر أن يفعل إذا أراد أن يفعل شيئاً.. وهو بوسعه مقاطعة البضائع الأمريكية والضغط على الحكومات لطرد الشركات الأمريكية... ونشعر أن الشارع السوري هو الرديف الكفاحي وصمام القلب الفلسطيني..
نموت نجوع .. ولن نركع!..
* نايف حسين ـ مهني: الشعب الفلسطيني يقاوم ويستشهد من أجل القضية.. ونحن محرومون من هذا الشرف الكبير.. الشعب الفلسطيني لن يركع مهما كان هناك من مؤامرات لاغتيال الانتفاضة، ونحن هنا نقول: نموت نجوع ولن نركع!..
جرائم يومية..
* محمد عبد الله ـ موظف: سنبقى مستمرين في إضرابنا حتى تستجاب مطالبنا.. ولا أود أن أقول حتى نموت، لأننا لا نود أن نموت هكذا.. نحن هنا نهدد بالموت ويمكن أن نموت إن لم تتم الاستجابة لمطالبنا.. وأعتبر رفض الأمم المتحدة لمطالبنا جريمة ترتقي إلى مستوى جرائم شارون والكيان الصهيوني من قتل وهدم للمنازل واغتيال للأفراد وتدمير لحياة المواطن الفلسطيني اليومية..
هدية للشعب الفلسطيني
* بلال ـ أعمال حرة (وهو أصغر المضربين سناً 16 عاماً): شعرت أن بإمكاني أن أفعل شيئاً وسط ما يجري بشكل يومي للشعب الفلسطيني ولأطفال فلسطين.. وحول موقف أهله من إضرابه عن الطعام. قال: يومياً يأتون إلى هنا ويطالبونني بعدم التخاذل.. معنوياتي عالية جداً لأنني أقوم بعمل وطني.وسأستمر بالإضراب حتى الموت لأقدم نفسي هدية للشعب الفلسطيني البطل...
تحرك الشارع العربي
* متولي عبد الناصر ـ مدرس: مبادرتنا الإضرابية عقلانية، ونتمنى أن تكون بداية للتحرك على صعيد الشارع العربي بغض النظر عن الأحداث الآنية.. فالقضية ليست قضية فلسطين وحدها، وإنما هي قضية كل الشعوب العربية التي يجب أن تدافع عن حقوقها. وعلى الأنظمة أن تدرك بأن «الإنسانية» و«الديمقراطية» التي تدعيها الولايات المتحدة الأمريكية، ليست لشعوب العالم قاطبة، وهي لا يهمها إلا مصالحها فقط.. يجب أن تأخذ الشعوب دورها من جديد في التحرك المعادي للإمبريالية العالمية والهيمنة الأمريكية والصهيونية المتغطرسة..
قضيتنا قضية حق
* رياض الوحش ـ محامي: إلى متى يبقى المجتمع الدولي صامتاً أمام الجرائم التي ترتكبها إسرائيل الصهيونية.. نحن مستمرون في إضرابنا، ونتمنى على الشارع العربي وعلى مجمل حركة التحرر الوطني أن تتحرك، بعد أن ضعف دورها إبان سقوط الاتحاد السوفييتي الصديق.. قضيتنا قضية حق.. وسيحقق أبطال الانتفاضة الاستقلال الناجز... والتنازل عن الحق هو خيانة للشعب وللقضية الوطنية..
فضح الشعارات «الإنسانية»
* أحمد موعد ـ أعمال حرة: نحن نطالب الأمم المتحدة، لا بحماية الأطفال الفلسطينيين فقط، بل إدانتها لإسرائيل بقتلها للأطفال الفلسطينيين، وهذه مسألة لا تتضارب مع طبيعتها من حيث تبعيتها للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا نحن نفضح الشعارات «الإنسانية» التي تدعيها هذه المنظمة، لنجد أن الأمم المتحدة غير معنية بالدفاع عن الأطفال والشعوب. وهدفنا من إضرابنا هو تحريك الرأي العام العالمي والعربي..