طهران تقتدي بكوريا الشمالية...الهجوم خير وسيلة للدفاع.. لكن بالاعتماد على قوى الشعوب
وسط اشتداد الضغوط الأمريكية عليها بذريعة امتلاكها برنامجاً نووياً خاصاً ومع بروز معطيات تشير إلى تورط واشنطن في إذكاء الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها البلاد، والتي أفضت إلى اعتقالات بالجملة في صفوف الحركة الطلابية الإيرانية استبقت طهران يوم الاثنين الماضي زيارة محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إليها للتباحث بخصوص تشديد التفتيش على منشآتها النووية بالإعلان أنها أجرت تجربة أخيرة على صاروخ أرض-أرض يصل مداه إلى 1300 كيلو متر تمهيداً لتسليمه للقوات المسلحة الإيرانية.
رسالة تحذير لواشنطن
ومع إدراك إيران أنها لا يمكن أن تعول إلى مالا نهاية على دعم «البراغماتية» الروسية لها في مجال مضيها في إنجاز مفاعل «بوشهر» النووي «المخصص للأغراض السلمية»، وبالتالي في درء مغامرة أمريكية جديدة مخصصة ضدها، يبدو أن طهران التي قبلت تحييد دورها في العراق المحتل أمريكياً أرادت أن تظهر عبر تجربتها على صاروخ شهاب 3 المطور ذاتياً والقادر على الوصول إلى عمق الكيان الإسرائيلي توجيه رسالة تحذير لواشنطن مفادها أنها دولة قوية وقوة عسكرية وسياسية إقليمية لا ينبغي الاستهانة بها واستباحة شؤونها الخاصة، ساعية من خلال الاقتداء بالأسلوب الكوري الديمقراطي في الصراع مع العنجهية الأمريكية إلى تحييد أكبر قدر ممكن من التصعيد الأمريكي المتواصل ضدها، على أساس مقولة: خير وسيلة للدفاع هي الهجوم.
احتدام التصعيد
واللافت في الأمر أن احتدام التصعيد الأمريكي ضد طهران وبشكل متشابك مع تطورات الأمور في العراق يتزامن مع تطورين بارزين دولياً وإقليمياً، أولهما استعصاء بيونغ يانغ أمام الابتزاز رغم كل الضغوط الأمريكية والإقليمية عليها والتي تأخذ اشكال محاولة تدويل المسألة عبر مجلس الأمن الراضخ كلياً لتطورات مسار لعبة المصالح بين القوى الكبرى، بما فيها موسكو وبكين وباريس، مع واشنطن، وثانيهما دخول العلاقات الأمريكية- التركية، من خلال حادثة اعتقال عسكريين أتراك شمالي العراق من قبل القوات الأمريكية، مرحلة جديدة من أزمتها المستجدة بعد وصول حزب العدالة والتنمية صاحب توجهات الانفتاح على العالم العربي للحكم في أنقرة في فترة التحضير للعدوان الأمريكي على العراق وما رافقها من تناقض في المصالح الأمريكية التركية وفي لعبة الأدوار العسكرية المطلوبة من كل منهما للآخر، وهما الحليفان القويان في حلف الأطلسي الخاضع بدوره هو الآخر لعملية إعادة هيكلة أمريكية.
لجم المخططات العدوانية الأمريكية
ورغم ذلك فإن احتمالات تطور المواجهة القائمة بين طهران وواشنطن تبقى مفتوحة، خاصة أن سيناريوهات الإدارة الأمريكية الجمهورية حالياً والموضوعة للمنطقة بعد العدوان على العراق انتقلت بخصوص إيران من سياسة الاحتواء المتمايز تودداً لها على حساب عراق ما قبل الحرب وسياسة الاحتواء المزدوج إلى سياسة نزع أسلحة الردع الإيرانية الكفيلة بلعب دور ما في لجم المخططات العدوانية الأمريكية في المنطقة عموماً ضمن ذات التصور الأمريكي لعالم تقوده الولايات المتحدة واحتكاراتها. وهو ما يستدعي من الحكومات في طهران وغيرها من الدول المناهضة لاستفحال النفوذ الإسرائيلي الأمريكي في الشرق الأوسط وحتى في وسط آسيا حيث تستفحل أزمات كوريا والهند وباكستان إجراء انفتاح داخلي فعلي مع تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية لا تخدم النخب المهيمنة بل أوسع الشرائح الشعبية الفقيرة في هذه المجتمعات بوصفها المدافع الفعلي والأكثر تأثيراً والتصاقاً بالبلاد، وصاحبة المصلحة الحقيقية في سيادتها واستقلالها الوطني.