الذكرى السابعة والخمسون لعيد الجلاء العظيم
يحتفل شعبنا السوري في السابع عشر من شهر نيسان الحالي بالذكرى السابعة والخمسين لعيد الجلاء العظيم.
ففي مثل هذا اليوم من عام 1946، خرج آخر جندي فرنسي من بلادنا، بعد نضال لاهوادة فيه ضد قوى الاحتلال ولم يتوقف هذا النضال إلا بتحقيق النصر المؤزر بتحرير البلاد من القوات الفرنسية الغازية، وبذلك كانت سورية أول بلد ينال استقلاله في قارة آسيا بعد الحرب العالمية الثانية، ثم توالى استقلال البلدان المستعمرة الأخرى بدءاً من الهند وانتهاء باستقلال كثير من البلدان الأفريقية.
وقد تحقق هذا النصر بفضل:
■ نضال الشعب السوري الذي لم يتوقف لحظة، وضحى خلال ربع قرن من الوجود الفرنسي على أرضه بأكثر من خمسين ألف شهيد في سبيل حرية الوطن واستقلاله.
■ دعم الشعوب العربية لهذا النضال.
■ الدعم السوفييتي في مجلس الأمن الذي أيد بقوة مطالبة المندوب السوري بخروج القوات الأجنبية من أراضيها.
معركة ميسلون
إن الشعب السوري لم يستقبل القوات الفرنسية الغازية عام 1920 بالورد والرياحين بل بالحديد والنار، وكانت أول معركة خاضها شعبنا مع المستعمرين هي معركة ميسلون إذ خرج الجيش السوري بقيادة وزير الدفاع يوسف العظمة إلى ساحة ميسلون القريبة من دمشق لملاقاة القوات الفرنسية. وعلى الرغم من أن البطل يوسف العظمة كان يعلم علم اليقين أن قواته وأسلحته ليست متعادلة مع القوة الغازية فقد صمم على المقاومة، حتى لايقال إن المستعمرين دخلوا سورية بلا قتال، وفي أرض المعركة سقط عدد كبير من الشهداء وعلى رأسهم يوسف العظمة وأكد باستشهاده أن شعبنا يأبى الذل والهوان، وأن المستعمرين قد دخلوا إلى دمشق بخلاف إرادته ولذا استحق هذا القائد الوطني التبجيل والتمجيد.
الشعب يتابع النضال
وما إن دخلت قوات الاحتلال إلى بلادنا تحت اسم الانتداب، حتى هب الشعب السوري هبة رجل واحد لمقاتلة الفرنسيين، واندلعت ثورات عديدة في كل أنحاء سورية، منها ثورة إبراهيم هنانو في الشمال، وثورة الشيخ صالح العلي في الساحل السوري. وبلغ النضال ذروته باندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش والتي دامت سنتين، وبعد فشلها، تابع الشعب نضاله، وبلغ أوجه في الإضراب الخمسيني عام 1936، ثم هدأ النضال بعض الهدوء حين اقتربت الحرب العالمية الثانية من الاندلاع عام 1939، وخلال الحرب، ولكسب ود الشعب السوري وتأييده للحلفاء، صدرت تصريحات مطمئنة انكليزية وفرنسية بأن سورية ستنال استقلالها بعد القضاء على النازية.
ولكن ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى «لحس» الإنكليز والفرنسيون وعودهم السابقة وتبين أن الفرنسيين ينوون البقاء في بلادنا تحت أشكال أخرى، فعاد شعبنا للنهوض من جديد مطالباً بالاستقلال وأخذت المظاهرات تتصاعد، وضرب الفرنسيون دمشق بقنابل الطائرات مما أثار غضب الشعوب العربية والعالم. وعرضت قضية خروج القوات الأجنبية من سورية بدون قيد أو شرط على مجلس الأمن وأصبح يوم السابع عشر من نيسان عيداً وطنياً مجيداً يحتفل به كل عام.
محاولة العودة من الشباك
وقد سعت الدول الاستعمارية جاهدة للعودة إلى سورية بأشكال مختلفة فكانت بمثابة الخروج من الباب و الدخول من الشباك، وأخذوا يطرحون على سورية الدخول في معاهدات استعمارية مشبوهة تحت اسم أحلاف، كحلف بغداد، وسورية الكبرى، والهلال الخصيب، ومشروع ملء الفراغ في الشرق الأوسط في عهد أيزنهاور، لكن جميع هذه المعاهدات رفضها بشدة شعبنا وقواه الوطنية وأفشلها جميعها على الرغم من الانقلابات التي جرت بدافع منها وظلت سورية بلداً مستقلاً لايشوب استقلاله أي شائبة وذلك بفضل:
■ تصميم الشعب السوري على صون استقلاله الوطني.
■ التحالف بين القوى الوطنية والتقدمية الذي أخذ اسم «التجمع القومي البرلماني».
■ وطنية الضباط والجنود السوريين.
■ التحالف بين الجيش والشعب.
■ الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي قدمه الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى لسورية.
التهديدات الأمريكية
إن سورية العربية تتعرض اليوم من جديد للتهديدات الأمريكية بالعدوان عليها واحتلالها تحت حجج واهية والتي هدفها، بعد العدوان على العراق الشقيق السيطرة على المنطقة بأسرها بتحريض ودعم من إسرائيل الصهيونية.
إن شعبنا الذي صان استقلاله خلال سبعة وخمسين عاماً عازم على الوقوف بوجه التهديدات الأمريكية صفاً واحداً وهو على استعداد للتضحية بكل غال ونفيس من أجل الحفاظ على استقلاله الوطني، وإنه سيلقى كل دعم من الشعوب العربية وشعوب العالم أجمع.
عاش عيد الجلاء العظيم.. ولتسقط التهديدات الأمريكية البريطانية لسورية العربية.
■ وحيد الشامي