وجهات نظر: شتائم معلبة وشعارات مشفرة

لامني بعض الأصدقاء على ما سموه حشر الأنف في خلافات الحركة الشيوعية السورية، واعتبر بعضهم أن الحياد السلبي أوالتفرج هو موقف مفضل على ما يمكن اعتباره تدخلاً منحازاً يزيد في استعار الخلافات وزيادة حدة الشقاق أو ينقصها!؟

والبعض الآخر وبخني مستهزئاً باستمراري في الاهتمام بشراذم سياسية متبوغة مغلقة، وحسب اعتقاده خسرت كل القضايا التي ناضلت من أجلها، وبالتالي فإن خصوماتها الحالية تعبر عن جوهر قضاياها ودليلها وبرنامجها فحسب. وأن مصيرها إلى مزيد من الانقسام. فالتبوغ مثلها مثل أصحاب الطرائق الدينية المغلقة. ويقيناً أخذت بعين الاعتبار من وبخني ومن لامني ولكني وجدت أن واجبي الوطني والقومي والإنساني في مرحلة أمركة العالم وانطلاقاً من غريزة  الحفاظ على البقاء الاجتماعي يقتضي ذلك الواجب أن أسهم وسيسهم أي كان ينتمي لمقاومة الإذلال وبكل عزم وقوة وطريقة وأسلوب في وقف التشرذم والشتائم والاحتراب ليس في الحركة الشيوعية بل في أي مستوى أو رابطة سياسية أو اجتماعية أو حتى دينية في بلادنا.

وأوكد أن الهم الأول لجميع الوطنيين والتقدميين والديمقراطيين والمتدينين الذين يسددون نضالهم ضد الطغيان الأمريكي هو السعي الدؤوب والجاد و الصابر لإخراج جميع من يهمهم النقاء الوطني من هذه الدوامة وأن بديهيات العمل الوطني الآن والتحليل العملي لواقع هذه القوى وكوامنها وممكناتها يؤكد أن الحل لن يأتي من خارجها ولن يتم تجاوزها وإهمالها لأنها تضم برغم كل عللها وأمراضها الكوادر السياسية الرئيسية والتي أدى احترابها المرضي وضياعها وتخبطها المنهجي إلى هدر جهودها بعيداً عن القضايا التي حملتها والتي وجدت من اجلها.

وليس بسيطاً ما حصل في المنطقة وفي العالم وما أثره فلسفياً وسياسياً على الجميع، وأؤكد على أكبر الأحداث وأهمها المتمثل بانهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفييتي والذي يجعل الجميع من اليمين إلى اليسار الآن يدركون أي خسارة للبشرية وللعالم شكل غيابه.

فبوجود المعسكر الاشتراكي كانت حركة التحرر تقاتل متفائلة تستند إلى ظهر قوي ونموذج، مهما قيل فيه ومهما كانت ملاحظاتنا عليه، يبقى نقياً تقدمياً وإنسانياً لما نراه من عربدة الشر المطلق الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

إن الوضع غير الطبيعي الذي نعيشه الآن، والذي تغيب فيه قضية الدفاع عن المصير والوجود المهدد ويدور فيه الحفل اليومي للأطر السياسية للبحث عن تأكيد ذاتها على حساب المشترك وعدم بذل الجهد الكافي لرفع سوية الجماهير بالتلاحم معها مما يجعل العمل السياسي مقصوراً على العمل الإعلامي والدعائي المعلن في فضاء لا يتصل بهموم الجماهير ولايصوب العقل السياسي واليومي ضد الأعداء وحلفائهم.

وإن كنت لا أقصد السعي الإصلاحي التقليدي لحل مسألة الخلاف أو الانحياز العصبي لطرف ضد آخر انطلاقاً من نظرة صورية لواقع القوى والفئات المحتربة ولا أقصد الشيوعيين بل جميع الوطنيين والتقدميين فإن علينا الأخذ بعين الاعتبار أنها تتضمن في داخلها تمايزات وتفارقات مسقوفة بسلطات حزبية تخفيها وتعطيها طابعاً يجب ألا يؤخذ وحده عند التقييم الموضوعي للمكان النضالي الذي يجب أن نأخذه الآن ومستقبلاً وأوكد على المستقبل الذي ينتظر تغييراً هاماً في أوضاعها ودورها. إن واجبنا وقضيتنا ومصيرنا الإنساني كبشر يفرض علينا أن نسعى بصبر وحزم لنصبح في كل إطار وخارج الأطر قوى الوحدة وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار الالتزامات والواجبات وأساليب العمل التي يتطلبها الجهد الضروري لجعل مئات بل آلاف المناضلين والمثقفين التقدميين والوطنيين والديمقراطيين والمتواجدين في جميع هذه الأطر وخارجها يتلمسون الطريق الصحيح لاصطفاف تفرضه القضايا الكبرى ويحكمه الصراع الرئيسي في هذه المرحلة.

إن المنهج العلمي يلزمنا بتمييز التناقضات الثانوية والتناقض الأساسي وتجليه الرئيسي في كل مرحلة. والآن فإن الصراع الرئيسي بخطورته العظمى وبقواه العاتية الطاغية يستلزم ضمور ما هو ثانوي ليأخذ الحيز الذي يستحق ولترسيخ قضية الحوار المعرفي كحل وحيد وطريقة وحيدة تحتكم إلى الديمقراطية واحترام الرأي الآخر عند حل هذه التناقضات الثانوية ومعالجتها. ولذلك من غير الممكن الحياد إزاء خلافات المجموعات الشيوعية نظراً لما تشكله بممكناتها المنهجية والثقافية وللموقع الذي يجب أن تأخذه الآن وفي المستقبل لأن الصراع مع نظام الإمبريالية المتفاقمة لا يتطلب عملاً مسلحاً ونضالاً جماهيرياً كردة فعل بسيطة فحسب بل يحتاج أيضاً إلى القوى القائدة التي تشكل بأيديولوجيتها وببرنامجها وتحالفاتها وإدراكها لمسار الصراع وتطوره المقبل.

وبعمق النظرة الإنسانية نفياً تقدمياً لواقع العالم الراهن. وحلاً للإنسانية برمتها. ولماذا إذاً رغم احترامي لمن لام ولمن شمت رأيت أن ميثاق الشرف الذي أعلنته مجموعة قاسيون هو شيء إيجابي ويجب دعمه؟ لأنه ببساطة يأتي في السياق الوطني والتقدمي الصحيح وهو مطروح على جميع الشيوعيين دون استثناء وعلى قدم المساواة وهو دعوة لوحدتهم لأنها موضوعياً أمر طبيعي وهي تستند إلى مبادئ لا إلى مصالح ذاتية متضاربة.

ولا أدري لماذا واجههم البعض بالشتائم والسباب والاتهامات المعلبة والتي أصبحت فاسدة منذ زمن بعيد وآخرون شككوا بصدقهم.. حسناً إذا كانت الدعوة لوحدة هذه القوى الوطنية صادقة فادعموها.. وإذا كانوا غير صادقين فليكن جميع المؤمنين بهذه الوحدة صادقين في الفعل والقول في الدعوة لها ولدفعها بكل جدية وعزم إلى التحقيق.

وإذا كان الطرح التوفيقي الإصلاحي التقليدي لوحدة الشيوعيين يغفل ديالكتيك عملية الوحدة والتي لها جانب تناقضي نابع من أخذ المصالح الفردية للبعض كهم رئيسي مما يفسر المبادئ لتصبح خادمة لتلك المصالح وتتحول القضايا الكبرى في خدمة المصالح الصغرى والتنظيمات لتمجيد أفراد وبدلاً  من أن يكون الحزب شيوعياً تصبح المجموعات لفلان وفلان. فإن تناقضاً ثانوياً يجب حله كواجب على جميع الشيوعيين والوطنيين يضعنا وجهاً لوجه أمام من  لاتتفق مصالحه وهذه الوحدة لأن طرائقه في العمل السياسي اصبحت شكلاً لازماً لاستمرار مصالحه كفرد يذلل مبادئه وحزبه لخدمته الشخصية.

وما من شك في أن ما ينطبق على الشيوعيين ينطبق على سائر الجماعات الوطنية والقومية والديمقراطية وأن الغاية من كل ما ذكرت هو الإسهام وبقدر المستطاع في إخراج كل تلك القوى التي يمكن أن تستنهض همم العرب في كل مكان وتخرجهم من ورطة الاصطراع والتآكل الذاتي والحيادية من خلال المعركة على مشاكل مها كانت غاياتها ومبرراتها قد أصبحت أكثر من ثانوية بعد أن فرض الصراع الرئيسي الوحيد نفسه وبعد أن  أصبح البحث عن الانتصارات الثانوية المؤسسة على تحاليل سابقة لأوضاع تاريخية فات أوانها عقيماً وبلا طائل وهو بحث عن انتصارات مهزومة سلفاً لأن التغلب على القوى في الداخل لن يؤثر في قوة أحد بل سيجعل الجميع أضعف في مواجهة الخطر الداهم. وحتى لو قضت قوة واحدة على شقيقاتها وحليفاتها لابل على جميع نقيضاتها الثانويات فستجد نفسها أكثر قابلية للهزيمة والاندحار.

إن شعوبنا ليست عزلاء من السلاح المكافئ فحسب بل ومن القوى الطليعية القائدة والفاعلة وهذا الشر الأكبر سببه الرئيسي الاحتراب بين فصائل تحمل نفس الشعارات ونفس المبادئ ونفس الفلسفة لابل على الغالب لها برامج إن لم تكن واحدة فهي متقاربة.

ويقيناً إن التنوع الحالي مشروع وطبيعي وحتى ذلك الذي جرى على هوامش الحركات السياسية وبدوافع مرضية ولا مبدئية وإن بدا مرفوضاً فإن الضرورات تقتضي معالجة خاصة له لا تؤثر على الجبهة الرئيسية وتنبذ الشتائم والاحتراب ويتحتم اعتمادها حرصاً على أي مناضل وطني في أي موقع كان.

  إن المحرم الوحيد هو فقط التواجد قولاً وفعلاً في الخندق الأمريكي والفعل والقول الذي يسوغ ويسهل ويشق القنوات الضرورية للسيطرة الأمريكية على المنطقة.

وأخيراً فإن المعركة مع العولمة الأمريكية تفرض شعاراتها ووسائلها وتحالفاتها ومن يصر على استخدام شعارات لمراحل سابقة يضع نفسه في الموقع الذي لا فائدة ترجى من وجوده فيه.إنه موجود الآن ويحارب في الماضي وهو لذلك يرفع شعارات مشفرة غير مفهومة المرامي لأن الواقع الجديد في العالم جدد بشكل مذهل وضعاً يستلزم اصطفافات  جديدة وشعارات تناسبها تشكل هادياً للفعل الإنساني العام ويتكيف حسب ظروف كل أمة وذلك لحل التناقض الرئيسي الآن مع العدو الرئيسي والذي أصبحت الشعارات السابقة طريقاً للهزيمة أمامه.

ومن جديد فإن الدافع الرئيسي لما أكتبه يكمن في الرغبة الأكيدة على استثارة روح الحرص على جميع المجموعات والقوى والأفراد كشرط للحفاظ على البقاء الوطني والإنساني ومن الإيمان العميق بوحدة جميع القوى التقدمية والوطنية والديمقراطية على أرضية احترام تنوعها وتمايزها والتسليم بحقها الضروري لإعلان رأيها وأسلوبها وشعاراتها مع تحريم الاحتراب وتحريم القمع الفكري والمادي.

وإن الإصرار على إخضاع ما هو مبدئي ومصيري واستراتيجي لما هو شخصي واتباع تكتيك يجعل من المبادئ إعلاناً تجارياً هدفه الربح وفق قواعد السوق السياسي المحلي وتوظيف الجهد لتسويد صفحة الآخرين وتشويههم وجعل أخلاق السوق (خالية من النظرة العلمية والموضوعية والنضالية) حكماً ومنهجاً لهزيمة كبرى.

 

■ محمد فاضل فطوم