ماركسيو الأمس، ديمقراطيو اليوم، تائهو الغد؟؟؟

من جملة ردود الأفعال السريعة على إطلاق مشروع الوثيقة الوطنية كان تصريح الأستاذ ميشيل كيلو لسيريا نيوز والذي رأى فيها:

- (إنها هرجة ضد الإمبريالية، وإنها حديث سخيف عن الإمبريالية والصهيونية..)

- أن يأتي رد فعل من هذا النوع ممن له مصالح مع المشروع الأمريكي أمر مفهوم، وأن تستفز مراكز الفساد في الدولة والمجتمع من الوثيقة أمر طبيعي باعتبار أن نهبها وفسادها يزداد طردا مع تقدم المشروع الأمريكي، وأن تنهال على الوثيقة والمبادرين إليها الاتهامات من قبل المستفيدين من واقع الاستبداد أيضا وأيضا أمر مبرر فمشروع الوثيقة في آخر تحليل ما هي إلا دعوة إلى مقاومة شاملة وجدية للمشروع الأمريكي وإسقاط مراكز الفساد في الدولة والمجتمع وإشاعة الديمقراطية .... أما أن يكون مثل هذا الموقف صادراً ممن يحسبون أنفسهم على اليسار والفكر الماركسي (كما يتم تقديمهم عبر الفضائيات) وبمثل هذا الخطاب الاتهامي الديماغوجي المضلل فانه أمر يستحق المناقشة (إذا سمح لنا الأستاذ ميشيل؟!!)

- وجدت الماركسية كفكر ونظرية وقوانين من خلال تطور الفكر الإنساني كنقيض موضوعي للأيديولوجيا الرأسمالية فالعمل ضد الاستغلال الرأسمالي هو مبرر وجود الماركسيين، وفي هذه المرحلة من تطور الرأسمال العالمي وباعتبار إن الرأسمال الأمريكي يمثل طليعته، ولان البشرية تشهد يوما اثر يوم تجذر عملية تدويل الصراع الطبقي فان الماركسي يمكن أن يسمى بأي شيء ماعدا الماركسية إذا لم يكن واضح الموقف من الإمبريالية الأمريكية في أي بقعة من الأرض كانت ، وتصبح المهمة في بلدان الأطراف المنهوبة مهمة مركبة فالنضال ضد الإمبريالية هنا ليس موقفا طبقيا فحسب بل هو موقف وطني والهرجة الحقيقية لا بل المهزلة أن يصدر بيان إنقاذي في ظرف كالظرف السوري ولا يحدد موقفا من المشروع الأمريكي، لاسيما وان الجماعة باتوا يفصحون عن مشروعهم ليل نهار ويقرون بأنه يستهدف (تغيير بنية المنطقة وإعادة صياغتها) بحيث تكون قادرة على التحكم بما فيها من ثروة لتحقيق مشروع الهيمنة والاستفراد الأمريكي ومن ثم التحكم بمسار التطور العالمي اللاحق لصالح حفنة من الشركات الاحتكارية ما فوق القومية.

- وما لاشك فيه أن السياسة الاقتصادية الاجتماعية ومستوى الديمقراطية في البلاد وما تمخض عنهما بالتراكم التاريخي تسهل مهمة تنفيذ المشروع الأمريكي فالفساد العام والنهب الشامل والإفساد المنظم وكبت الحريات وتغييب القانون أدى وخلال عقود إلى غياب السياسة عن المجتمع وأنتج أغلبية صامته خارج دائرة الفعل الوطني و بالتالي أعاق التطور التاريخي الموضوعي في البلاد الأمر الذي نتج عنه إحياء البنى التقليدية في المجتمع بنماذجها الإلغائية الإقصائية ولكن الوقائع (العراقية مثلا) تقول إن الذي يجري في ظل المشروع الأمريكي ليس تجاوز ذلك بل قوننته أي قوننة الطائفة والقبيلة والعشيرة والمذهب والدين لتجري الاصطفافات المجتمعية على أساسها ولتدفع إلى السطح طائفيّ الطوائف ومتعصبي القوميات ومن ثم تراهم يتحدثون وكأنهم حصلوا على تفويض رباني بتمثيل طوائفهم أو قومياتهم .......أريد القول إذا كان الاستبداد أسس لكل ذلك فان الغزاة يعملون على شرعنته والعديد من ماركسيي الأمس وديمقراطيي اليوم يعملون على تسويقه مغلفاً بغلاف الديمقراطية وحقوق الإنسان وهذا التغليف ضرورة باعتبارها بضاعة فاسدة لاسيما وأن تلك البنى التقليدية تتناقض مع المفهوم الحقيقي لمبدأ المواطنة الذي يتباكى عليه الأستاذ ميشيل وكل من لف لفه... ومن هنا فإن تحديد الموقف من المشروع الأمريكي وبوضوح ما بعده وضوح هو ضرورة ديمقراطية أيضا، ناهيك عن كونها مسٍألة وطنية كما أسلفنا

- ما لاشك فيه إن البعض من أهل النظام جعل من الخطر الخارجي مشجبا يعلق عليه كل سلبيات التجربة الماضية، وغطاء للنهب، واستخدم ذلك الخطر مرارا حجة للهروب من استحقاقات التغيير الداخلي ،ولكن كل ذلك لايعني عدم وجود خطر خارجي، بل يعزز وجوده لان ذلك النمط من التعامل مع خطر المشروع الأمريكي واستطالاته الإقليمية غيّب موضوعيا الأرضية الواقعية للمواجهة المفروضة علينا ومن هنا فان تحديد موقف منه ليس ترفا أيديولوجيا نمارسه، ولاهو حديث سخيف يا أستاذ ميشيل، ولاهو خدمة للنظام ،بل هو تعبير عن واقع موضوعي قائم، وبغير ذلك هناك أحد أمرين: أما جهل وقصور معرفي أو تجاهل لواقع يراه حتى العميان، فكما إن الحقل السياسي الرسمي قزم القضية الوطنية إلى مجرد جغرافيا وخرائط، فان (ماركسيّ الأمس، وديمقراطيّ اليوم)، يقصمون ظهر الديمقراطية، بتحويلها إلى وثن، وبالتالي قلب المعادلة رأسا على عقب – من وطن بلا ديمقراطية إلى ديمقراطية بلا وطن – لتكون النتيجة خسارة الوطن والديمقراطية معا .

- يبدي العديد من المثقفين، خلال السنوات الأخيرة امتعاضهم من ذكر الإمبريالية، وأصبح ذلك مجالا للتندر عند البعض الآخر، وكأن الحديث عن الإمبريالية هو حديث عن الأشباح، وكان الإمبريالية ليست هي التي تشعل الحروب وتزرع القواعد العسكرية في جهات الأرض الأربع، أليست هي المسؤولة عن نهب خيرات العالم بالتواطؤ مع الكومبرادور المحلي في كل بلد، ألم تزدد الحروب والأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية طردا مع محاولة المراكز الإمبريالية تحقيق الهيمنة التامة على العالم ... ألم تكن شعوب المنطقة ضحية مباشرة لهذا المشروع ومنذ الحرب العالمية الأولى؟ وبالتالي أليس كل هذا الموت تعديا على ابسط حق للإنسان(حق الحياة) يا جنرالات حقوق الإنسان، وكهنة المشروع الحداثوي؟؟

 

■ عصام حوج