مشروع الوثيقة وقضية الاشتراكية

يتميز مشروع وثيقة المهام البرنامجية بأنه مكثف وأهدافه واضحة ومحددة، كان لينين يصر على أن يكون البرنامج مختصراً، كراس جيب، يقدم حلولاً للقضايا الرئيسة التي تواجه الطبقة العاملة، وبالوقت نفسه عملي ومفهوم من الجماهير، ويتوفر الإمكانية لتنفيذه.

تبين الآن، أن البرامج الواسعة، المتشعبة والمفصلة لدرجة الإسفاف، هي برامج البيروقراطية، غايتها إرهاق الجماهير وإلهاؤها بحوارات عقيمة لا طائل منها القصد منها أيضا، شل روح المبادرة عند الجماهير كي تتمكن البيروقراطية من تمرير مصالحها الفئوية الضيقة. البيروقراطية كارثة بالمعنى الضيق للكلمة، فالبيروقراطي لا تحكم مواقفه مبادئ أيديولوجيا، أو فكر، بل تحركه مصالحه الأنانية الآنية الضيقة، اليوم اشتراكي غدا رأسمالي بعد غد قومي... يتلون بجميع الألوان كي يحافظ على منصبه.

تتمسك الوثيقة بالرؤيا الطبقية للشيوعيين وان مرجعيتهم الفكرية هي الماركسية اللينينية، هذا التأكيد ضروري جدا في الظروف الحالية،حيث التخلي عن التحليل الطبقي يلقى رواجا بين الاشتراكين، وتوجه انتقادات مفتعلة و ظالمة إلى لينين من بعض الشيوعيين والماركسيين. لتميع الصراع الطبقي، تركز وسائل الإعلام الإمبريالية جهودها بكثافة لتكريس ثقافة التعصب العرقي والطائفية البغيضة لخلق تناقضات مفتعلة تدخل شعوب المنطقة في صراعات عبثية لا جدوى ولا طائل منها،... في هذه الحالة يصبح التمسك بالتحليل الطبقي هو الرد الوحيد الصائب على هذه التقسيمات المضللة، هو الطريق الوحيد الذي يفرز شعوب المنطقة إلى مناهضين للمشاريع والمخططات الأمريكية والصهيونية والى مستسلمين أمامها. إن النضال الطبقي هو النضال الوحيد الجدي الذي ثمرته وحدة وطنية حقيقية. جاء في الوثيقة (ويبقى هدفهم (آي الشيوعيين) الاستراتيجي بناء الاشتراكية) مما لاشك فيه على الإطلاق،إن هدف الشيوعيين الاستراتيجي هو بناء الاشتراكية، لكن السؤال المصيري هو،هل النضال من أجل بناء الاشتراكية ممكن الآن في سورية؟! يجب الإجابة على هذا السؤال قبل كل شيء، لأنها ستحدد كل تكتيك واستراتيجية الحركة الشيوعية في سورية، هي الأساس لوحدة الشيوعيين، وحدة الإرادة والعمل تتطلب برنامج الحد الأدنى متفقاً عليه، يلتف حوله الشيوعيون،العواطف والمواعظ لا تجدي نفعا.

جميع الأحزاب السياسية الموجودة في الحكم هي أحزاب اشتراكية، إن كانوا بعثيين أو ناصريين أو شيوعيين، هم اشتراكيون ليس على الورق فحسب، بل خاضوا نضالا حازما ضد الإقطاع والرأسمالية في الخمسينيات والستينيات وخرجوا ظافرين، وحققوا انتصارات مثبّته في الحياة الاجتماعية السورية، مازال قسم ممن نفذها على قيد الحياة، ومازال الحكم بأيديهم، ما الذي يمنعهم من اتخاذ إجراءات باتجاه الاشتراكية. لا يوجد ما يمنعهم من السير باتجاه الاشتراكية، سوى مصالح البيروقراطية والطفيلية، وتضخيم الأوهام حول موازين القوى المختلة لصالح الإمبريالية.

 هل تكفي الديموقراطية لحل مشاكل سورية؟!...

الديموقراطية ليست هدفاً بحد ذاته، بل هي وسيلة، أداة لتطبيق، لتنفيذ برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي محدد تاريخيا ارتبطت الديموقراطية المجردة بالليبرالية، وعليه فالديموقراطية المجردة تعني سيطرة،هيمنة الاتجاه الليبرالي على الإصلاح، عندئذ يصبح تشكيل الحكومة من الدردري أو عامر لطفي أو ممن على شاكلتهما تحصيل حاصل وأمرا محتما، حتى نسد الطريق على الليبرالية يجب أن يكون شعارنا واضحا هو(حل مشاكل سورية بالاشتراكية وليس بالديموقراطية المجردة.

مما لا شك فيه يوجد داخل الرأسمالية فئة وطنية، منتجة، ديموقراطية،لكن هذه الفئة تعاني من ابتزاز و(صلبطة) البيروقراطية والطفيلية، لو أن النضال الديموقراطي سيؤدي إلى سيادة البرجوازية الوطنية، لسايرنا الآخرين مكرهين مستحيل أن تقود هذه الفئة الطبقة الرأسمالية عامة، لان القوة المالية الضاربة طابعها طفيلي بيروقراطيي، بيروقراطي يتعيش على الفساد، وطفيلي يتعيش على السمسرة، ليس لهما أي مصلحة في الديمقراطية .وعليه فالنضال من اجل الديموقراطية يعني سيطرة البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية على السلطة، الأمر الذي يعني الديكتاتورية، بعد حسم الصراع في أواخر السبعينيات في العراق بين الاتجاه التقدمي والاتجاه البيروقراطي الطفيلي لصالح الأخير، تحول النظام إلى الدكتاتورية،كذلك الحال في مصر،حكم الحزب الوطني مصر مدة ثلاثة عقود بأسلوب شبه دكتاتوري، أم أن يناضل البعثيون والناصريون والشيوعيون وهم في الحكم من اجل الديموقراطية فهذا سخف وهراء، من باب أولى أن يبنوا الاشتراكية الحقيقية، إن فصل أو تناقض الاشتراكية مع الديموقراطية هو افتراء تتخفى وراءه البيروقراطية.

مشكلة تيار الإصلاح الوطني الجدي المخلص،انه يستقوي بالليبرالية على البيروقراطية، كالمستجير من الرمضاء بالنار، نزيح البيروقراطي ليحل محله الرأسمالي، نستبدل الفساد بالاستغلال، نستعيض عن التوزيع عبر الفساد بالتوزيع عبر الاستغلال، الله اكبر ماهذا الإبداع. الاعتماد، الاستناد على الجماهير الشعبية هو الاستقواء، الوحيد الصائب، الحقيقي، ماذا تريد الجماهير؟ تريد تعميق التحولات التقدمية، السير باتجاه الاشتراكية هل يمكن أن تحل القضية الوطنية محل القضية الاجتماعية؟ مطلقا فكلاهما قضيتان مترابطتان متكاملتان. خذوا مثلا المقاومة المشرفة في العراق و فلسطين ولبنان ثابتة ومستمرة لأن سندها الأساسي الجماهير الشعبية، أما الأنظمة العربية التي تخضع لمصالح الطبقات الاستغلالية فمواقفها السياسية مخزية.

مما يلفت النظر، إن السياسة الوطنية السورية ثابتة وحازمة، وبالوقت نفسه اتجاه الإصلاح ليبرالي، هذا التناقض غير مفهوم وخطر،من يتحكم بالاقتصاد يتحكم بالسياسة في نهاية الأمر، السادات انقلب على الناصرية قبل أن يوقع كامب ديفيد. البيروقراطية ضد الليبرالية السياسية بعنف، وبالوقت نفسه هي مع الليبرالية الاقتصادية بتهافت، هذا التناقض يعكس حالها المأزوم بدقة متناهية، فهي ضد الليبرالية السياسية لأنها تهدد تسلطها، مع الليبرالية الاقتصادية لأنها أتخمت ماليا.

مأزق البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية الخانق، يكمن في أنها واقعة بين فكي كماشة، من جهة، ضغوط الإمبريالية الأمريكية والصهيونية، من الجهة الأخرى، مطالب وأهداف الجماهير الشعبية، إذا اختنقت البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية نتيجة لتصاعد الضغوط الإمبريالية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن حلولها الليبرالية العرجاء الخرقاء، هل تخضع للأمريكان أم تلتجئ إلى الجماهير الشعبية، محاسبة الجماهير، أم إذلال الأمريكان والصهاينة، أيهما اقل خسارة، تثبت تجارب حركة التحرر الوطني والدول الاشتراكية، أنها تستسلم بنذالة للأمريكان، كل الفاسدين والمتسلطين الذين فقدوا،خسروا مناصبهم الحكومية يتآمرون على سورية من عواصم الدول الغربية، أخرهم الخادم الذليل للإمبريالية الخدام، اسم على مسمى، لكل من اسمه نصيب.

الموضوعة اللينينية الأساسية بالنسبة لشعوب الشرق مفادها: خلال نضال شعوب الشرق ضد الاستعمار ستنتقل إلى النضال الاجتماعي حتما لأن الطبقات الاستغلالية المحلية ستتردد تحت ضغط مصالحها الطبقية الضيقة في اتخاذ مواقف ثابتة وحازمة ضد الاستعمارـ والوثيقة تؤكد هذه الموضوعة «إن الميزة الأساسية لمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة هي ما تنبأ به لينين من اندماج المهام الوطنية بالمهام الاجتماعية»، الشعار الوحيد الذي يكثف هذه الموضوعة هو «مقاومة المخطط الأمريكي الصهيوني بالاشتراكية وليس بالليبرالية» من هنا أهمية تخصيص فقرة في مشروع الوثيقة البرنامجية تستخلص الدروس والعبر من تجارب الدول الاشتراكية ودول التوجه الاشتراكي المنهارة والأخطاء التي ارتكبت، كي لا يتكرر الوقوع فيها مستقبلا، والاستفادة من هذه الدروس من اجل حسم اتجاه الإصلاح في سورية باتجاه الاشتراكية.

كل الظروف تنضج لنهوض حركة التحرر الوطني في المنطقة من جديد، انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية، الانتفاضة الفلسطينية الباسلة والمقاومة العراقية البطلة بداية هذا النهوض، كلما عجلنا في تفسير أسباب الكارثة التي حلت بالاشتراكية وقدمنا الحلول العملية والنظرية لمشاكل الفكر الاشتراكي، كلما عجلنا في نهوض حركة التحرر الوطني، فهل تنهض حركة التحرر لتكرر ما آلت إليه ثورة تموز الناصرية وثورة شباط في العراق، كلا لن تنهض الجماهير الشعبية قبل أن تتيقن إن نضالها لن (يركبه) الانتهازيون السفلة والوصوليون الحثالة ويحولونه إلى أرصدة في البنوك الاستعمارية .

لم تتعرض الوثيقة لدور الفلاحين، هذا نقص خاطئ و ضار جدا خصوصا في المرحلة الحالية التي تمر فيها سورية، فالمكاسب الاقتصادية و السياسية التي حققها الفلاحون بكفاحهم، تتعرض لخطر الضياع، زد على ذلك، في ثورة أكتوبر كان للفلاحين دور هام في انتصار الثورة وبالتالي للفلاحين دور هام في بناء الاشتراكية في البلدان النامية حيث يشكلون جمهوراً واسعاً.

112006

 

■ رياض اخضير