الافتتاحية ضمانات نجاح حملة مكافحة الفساد
تشير كل المعطيات في الأسابيع الأخيرة إلى الاهتمام المتزايد في أوساط المجتمع والدولة والإعلام بموضوع مكافحة الفساد، مما يؤكد أن هنالك حالة وعي متنام تجاه خطورة هذه الظاهرة على حاضر البلاد ومستقبلها.
إن الإحساس بالمسؤولية يدفع أوساطاً واسعة نظيفةً في المجتمع والدولة إلى البحث عن حلول لهذه الآفة التي كانت إفرازاً للنهب الكبير الذي تعرضت له ثروة الشعب والبلاد.
واللافت للنظر أن تصريحات بعض المسؤولين تؤكد أن هذه الحملة يجب أن تكون دائمة ومستمرة وليست عابرة وطارئة.
ولكن الأهم برأينا هو إيجاد تلك الضمانات والآليات التي تسمح بسير هذه الحملة نحو هدفها بنجاح.
لقد أكدنا سابقاً على جملة من الأمور تشكل أرضية ضرورية لهذه العملية وهي:
- الفساد الكبير برموزه الأساسية هو المشكلة الكبرى التي يجب التصدي لها، أما الفساد الصغير فهو نتيجة وسينحسر حكماً بضرب مواقع وآليات الفساد الكبير.
- ضرب رموز الفساد لا يكفي، بل لابد من كسر آلياته، وهي عملية معقدة وطويلة، لا يمكن لذلك الجزء النظيف من جهاز الدولة أن يقوم بها لوحده دون دعم من المجتمع، وحتى في حال ضرب رموز الفساد دون كسر آلياته يبقى ماثلاً خطر إعادة إنتاج الفساد لنفسه.
- أصبح النضال الحقيقي ضد الفساد، قضية أساسية، تُختزل فيها جميع المهام الوطنية والاقتصادية – الاجتماعية والديمقراطية.
- المجتمع بشرائحه الواسعة والشعب بفئاته المختلفة هو المستفيد الأول من حملة مكافحة الفساد، لذلك تخطئ القوى النظيفة في جهاز الدولة إذا جردت نفسها من أهم سلاح يمكن أن تستخدمه في هذه المعركة لتحسمها في الاتجاه الصحيح، أي قوى الشارع والشعب.
ومع التحرك الجاري باتجاه مكافحة الفساد، ومع القناعة المتزايدة لدى فئات واسعة بالأهمية المصيرية لهذه المعركة وانعكاساتها على كل المستويات وخاصة على القضية الوطنية، لأن مراكز الفساد الكبرى هي نقاط ارتكاز العدو الخارجي داخلياً، يصبح توفر الضمانات لنجاح هذه العملية الهامة أمراً لا يقبل التأجيل، وأهم هذه الضمانات:
■ إعطاء هذه العملية بعدها الشعبي بإطلاق طاقات الجماهير في هذا الاتجاه عبر تشجيع كل أشكال العمل الجماهيري الواعي والمنظم، مما يستدعي ملاقاة كل المبادرات بشكل إيجابي ودعمها بمختلف الأشكال.
■ إضفاء طابع العلنية على هذه العملية كي تكون موادها وملفاتها الأساسية تحت أنظار الجمهور الواسع، ويمكن للإعلام بمختلف أشكاله أن يلعب دوراً هاماً في هذا الاتجاه.
■ إن الحملة التي بدأت بتنظيف القضاء تلقى رد فعلٍ إيجابياً بشكل عام، ولكن لابد في هذا المجال من العلنية والوضوح بالأسماء والملفات لقطع الطريق على أي تشكيك ممكن، وهو قد بدأ. وكي تصبح لاحقاً الكلمة الفصل للقضاء المستقل ذات مصداقية وهيبة فعلية، فالقضاء النظيف هو أحد ضمانات نجاح حملة مكافحة الفساد.
■ ستواجه حملة مكافحة الفساد إذا تصاعدت صعوبات كبيرة، وسيشتد الضغط خارجياً وداخلياً بمختلف الأشكال لإيقافها أو إفشالها، ويبقى موضوع استمراريتها – رغم كل الصعوبات – شرطاً وضماناً لنجاحها.
■ ويبقى الضمان الأساسي لنجاح حملة مكافحة الفساد، هو انعكاس هذه العملية على مستوى معيشة الشعب وعلى وتيرة تطور الاقتصاد الوطني، فعندما يشعر المجتمع وبشكل ملموس أنه مستفيد من هذه العملية، فإنه سيدعمها بكل قواه، ولن تستطيع أية قوة حينذاك أن تعرقل هذه الحملة وفي ذلك أفضل تحقيق لكرامة الوطن والمواطن.