عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

دردشات اجتهاد مثقوب

في مناقشة الخطة الخمسية العاشرة، في دورة مجلس الشعب الاستثنائية، اعترف عبد الله الدردري نائب رئيس الوزراء، بعد أن حاصرته أسئلة أعضاء المجلس، بعظمة لسانه وعلى رؤوس الأشهاد، بقوله حرفياً كما و رد في جريدة النور: «إن اقتصاد السوق الاجتماعي هو اقتصاد حر تنافسي يخضع لكل قوانين السوق الاقتصادية الرأسمالية».

إنه اعتراف واضح صريح، من مهندس اقتصاد السوق الاجتماعي، بأن إضافة كلمة اجتماعي إليه، لم تغيّر شيئاً من محتوى وجوهر اقتصاد السوق الليبرالي المنفلت من كل قيد اجتماعي، ولا يخضع لرقابة أية سلطة كانت، إلا لناظمة قانون العرض والطلب. وإن هذه الكلمة (الاجتماعي) حشرت تحايلاً، لذر الرماد في العيون، والاختباء خلفها للإيحاد بأن شعار اقتصاد السوق الاجتماعي، قد أخذ مصالح الجماهير الشعبية بعين الاعتبار، وصيغ لصالحها، قصد تطمينها بآمال خلبية.

لكن هذا الاجتهاد الموروب، لم ينطل عليها، بدليل ما كتب ويكتب عنه من نقد في معظم الصحف، وفي المعارضة الشديدةا لاقتصاد السوق الاجتماعي، في مؤتمرات اتحادات جميع نقابات العمال.

بات من حق الجماهير الشعبية ونقاباتها العمالية ومنظماتها أن تتساءل: ألا يتعارض هذا الشعار والتوجه الاقتصادي نحو الاقتصاد الرأسمالي ـ بعد اعتراف الدردري آنف الذكر ـ مع شعار وحدة حرية اشتراكية، ومع اسم حزب البعث العربي الاشتراكي ووثائقه، ومع الدستور السوري، الذي يصنف الاقتصادي الوطني بأنه اشتراكي؟

وهل سيجري تبديل كلمة اشتراكي واشتراكية، بالليبرالية والرأسمالية، في كل مكان وردتا فيه؟ أم سيجري العمل باقتصاد السوق الاجتماعي، تحت الشعارات والرأيات الاشتراكية؟

إن التاريخ لم يمح من ذاكرة الجماهير، بأن حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، تجاوب بإيجابية مع نضال الأحزاب التقدمية، وجماهير العمال والفلاحين وسائر الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، وحقق مكاسب تقدمية هامة للشعب والوطن. ثم لماذا هذا الانقلاب (180) عن مواقفه التقدمية السابقة، الذي يتمثل باتجاه السلطة للإجهاز على تلك المكتسبات.

السبب برأيي يعود إلى تغيّر التركيب الطبقي لأعضاء متنفيذين في السلطة والحزب، من الطبقة البورجوازية الصغيرة، إلى بورجوازية بيروقراطية كبيرة، التحمت مصالحها ـ بعد صراعات طويلة ـ مع مصالح البرواجوازية الطفيلية، فأصبحت تلك الشعارات التقدمية، ومكاسب الشعب السابقة، تتعارض مع مصالحها، وعائقاً في طريق تحرك رساميلها، وزيادة أرباحها. لذلك أخذت تتخلص منها تباعاً بالتقسيط، وتسير في طريق اقتصاد السوق الاجتماعي، أو الليبرالي الرأسمالي، فلا فرق بينهما طالما المحتوى والهدف واحد.