الخصخصة أعلى مراحل الفساد

للخصخصة أشكال وللفساد درجات، الفساد سبب للخصخصة وهي سبب لمرحلة أعلى من الفساد.

وتبقى الخصخصة خصخصة مهما سميت: إلغاء للتأميم، أو تأجير للشركات العامة، أو تحرير لبعض القطاعات.

ويبقى الفساد نتيجة للنهب الواسع الذي قامت به البرجوازية الطفيلية والبرجوازية البيروقراطية على مدى عقود لمال الشعب وثروة الدولة.

فكل التجارب التي مرت بها البلدان التي تجرعت من كأس الخصخصة، أثبتت أن «الحرامية» الكبار، عندما يتراكم لديهم المال الحرام، يفترسون الملكية العامة المنهوبة لتحويلها إلى ملكية خاصة ناهبة.

وهذا يجري ضمن المعادلة المعروفة تاريخياً: من يملك يحكم، ومن لا يملك لا يحكم. وهم اليوم يريدون أن يحكموا بوجه مكشوف من أجل مضاعفة ثرواتهم غير المشروعة، بشكل مشروع، والحكم لديهم ما هو إلا أداة لحماية ثروتهم غير المشروعة التي يخافون من ساعة محاسبتهم عليها، كي يسنوا هذه المرة قوانينهم التي تؤمن لهم الحماية والمشروعية.

ويتباكون على قطاع الدولة الذي «سحبوا خيره» وكوّنوا ثرواتهم منه، ويرمونه بتهم ما أنزل الله بها من سلطان، وكأن المشكلة تكمن فيه وليس فيهم.

إن تجارب من سبقنا على طريق الخصخصة، قد راكمت لدى الشعب السوري وطبقته العاملة ما يكفي من معرفة وخبرة لصد وردع من يريد خصخصة وطننا، فمواجه الخصخصة وأصحابها وإفشال مخططاتهم هي مهمة ليست ذات طابع اجتماعي واقتصادي، اجتماعي يسعى للحفاظ على حد أدنى من العدالة الاجتماعية، واقتصادي يهدف إلى تأمين أرضية نمو عالي من أجل مواجهة التحديات الكبرى، من بطالة وتحسين مستوى معيشة ودور فاعل على المستوى الإقليمي، بل هي أيضا، والأهم من كل ذلك اليوم، مهمة وطنية من الدرجة الأولى.

فالخصخصة هي أداة تفتيتية للمجتمع والدولة والبلاد، وهي أداة ناجحة لزيادة التوتر الاجتماعي وخلق الأساس للفوضى السياسية، فإلى ماذا يسعى أصلاً المخطط الأمريكي المشبوه المسمى بالشرق الأوسط الكبير، هل يسعى إلى غير ذلك؟

إنهم يريدوننا أن نقع بين حجري رحى، ثنائية تضليلية جديدة، إما قطاع دولة منهوب وإما خصخصة ناهبة بوتائر أعلى من كل ما شهده تاريخنا من معدلات نهب.

إما قطاع دولة مخصخص فعلاً وسراً عبر حق الرقبة لناهبيه الذين لا يملكونه شكلياً وقانونياً، وإما بلد مخصخص علناً عبر حق الملكية المقدس والمشرع قانوناً.

والمطلوب فك الخصخصة غير المعلنة والشائنة لقطاع الدولة عبر تفكيك آليات الفساد وضرب رموزه التي هي نقاط ارتكاز بامتياز للعدو الخارجي، فهؤلاء وطنهم حيث حساباتهم المصرفية وليس حيث شعبهم، وليس الانتقال إلى المرحلة الأعلى من الفساد عبر الخصخصة المقوننة لقطاعات حيوية من الاقتصاد الوطني.

إن ما يطرح في السوق من وصفات للخصخصة التدريجية الزاحفة لن تؤمن الفعالية الاقتصادية المطلوبة، كما لن تؤمن الحدود الدنيا من العدالة الاجتماعية، بل العكس هو ما سوف يجري إن تم ذلك.

ويبقى خيارنا القضاء على الفساد والنهب وإنقاذ قطاع الدولة والبلاد والعباد من كليهما، والحفاظ على أساس سيادتنا الوطنية مع الحق المشروع للقطاع الخاص المنتج في العمل لبناء الوطن إلى جانب قطاع دولة معافى وقوي.

 

هكذا نستطيع مواجهة التحديات وتحقيق كرامة الوطن والمواطن.