الرهان على أوباما.. والقربة المثقوبة

 منذ عقود.. كان معظم قادة النظام الرسمي العربي وكل التابعين له من إعلاميين ومثقفين، يجتهدون وبكل السبل لإقناع الرأي العام في بلداننا أن الحركة الصهيونية وحدها هي من تسيطر على الولايات المتحدة، وتضع لها السياسات والاستراتيجيات في المنطقة والعالم. ولا شك أن في جوهر هذه الرؤية الملتبسة عند العامة، أو الخاطئة، أو المقصودة على نحو تضليلي، عاملين اثنين: أولهما أن النظام الرسمي العربي ليس من مصلحته الظهور أمام شعوبه بمظهر التابع للإمبريالية الأمريكية الراعية والحاضنة للحركة الصهيونية العالمية والمسؤولة عن تغذية الكيان الصهيوني ودعمه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً منذ مؤتمر بلتيمور عام 1942 وحتى الآن.

وثانيهما أن الرجعية العربية التابعة، التي يعود القسط الأكبر لبقائها في عروشها للدعم الخارجي الأمريكي خصوصاً، تجد نفسها ملزمة بإيجاد أية مبررات للسياسة الأمريكية التوسعية والعدوانية في المنطقة.

وإذا كانت، والحال هذه، غير قادرة وغير راغبة في المواجهة، فهي لا تتورع عن اتهام كل من يرفع شعار المقاومة بالمغامر والمتطرف!.

.. اللافت الآن، وبعد فشل كل محاولات «تجميل السياسات» الإمبريالية الأمريكية، وخصوصاً بعد فشل الكيان الصهيوني بدوره الوظيفي في حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وبعد خروج أمريكا للحرب المباشرة ضد الشعوب كتعبير عن أزمة بنيوية داخلية، توهم منظرو الإدارة الأمريكية أن الحرب هي المخرج الوحيد من تلك الأزمة، نجد مَنْ لا يزال يردد الكلام «المعلوك» حول التمايز بين واشنطن وتل أبيب، ويسدي «النصائح» للبيت الأبيض حول كيفية الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة عبر الابتعاد عن السياسات الإسرائيلية وتنفيذ ما أطلقه أوباما من وعود بتغيير جذري في طريقة التعامل مع النزاع العربي- الإسرائيلي!.

بغض النظر عن مواقع مطلقي هذه «النظريات» القديمة الجديدة وانتماءاتهم السياسية وأهدافهم ونواياهم، فإن الوقائع التي أعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق، والجرائم التي ارتكبها الجيش الأمريكي هناك، وتأييد واشنطن المطلق للكيان الصهيوني، يضع شعوب المنطقة أمام الحقائق التالية:

ـ إن التحالف الإمبريالي- الصهيوني يرتكز على تطابق كامل في الأهداف الاستراتيجية أكثر من أي وقت مضى، كما أن الدور القيادي فيه كان ولم يزل في عهدة واشنطن، وليس في تل أبيب.

ـ كلما تعثر المشروع الأمريكي في المنطقة، ازدادت الحاجة إلى خدمات الكيان الصهيوني عسكرياً (حرب تموز نموذجاً)، ومن هنا فإن واشنطن ليست في وارد الضغط على تل أبيب، وليست في وارد أي حل عادل للصراع العربي- الصهيوني طالما أن هذا الصراع يخدم مصالحها في الهيمنة الشاملة على المنطقة وتفتيتها عبر تسعير الصراعات العرقية والطائفية والمذهبية فيها.

ـ إن ما يقوم به جورج ميتشل وسلة المطالب التي يحاول فرضها على العرب  (تطبيع مقابل تجميد مؤقت للاستيطان) هي مطالب أمريكية أكثر منها إسرائيلية، حيث تتكامل مع ما يقوم به المبعوثون الأمريكيون الآخرون أمثال هولبروك وزلماي خليل زاد ودينيس روس وفيلتمان لترتيب المنطقة من أفغانستان وباتجاه آسيا الوسطى وعودةً إلى العراق وإيران ولبنان، وتغيير ميزان القوى فيها بالترغيب أو الترهيب- إن استطاعوا- تجنباً لانهيار المشروع الأمريكي الاستراتيجي.

ـ في ظل استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية للرأسمالية، لن تستطيع إدارة أوباما الخروج من عباءة استخدام «القوة الغبية» والتوسع فيها ضد شعوب المنطقة، ولم تعد سراً الآن تلك الاتصالات والترتيبات التي قامت بها إدارة أوباما مع ممثلي حركة طالبان بهدف توجيه نشاطها باتجاه جمهوريات آسيا الوسطى لزعزعة الأمن فيها بغية إضعاف روسيا والصين والسيطرة على كل الطاقة في منطقة قزوين!.

ـ إن الديمقراطية التي يبشرنا بها أتباع الاحتلال الأمريكي والصهيوني نراها الآن في العراق وأفغانستان وفلسطين وقد تحولت إلى إعلان رسمي بتفجير الحروب الأهلية عبر صناديق الاقتراع تحت وهم السلطة وتحويل الانقسام الداخلي إلى اشتباك مسلح لتفادي المقاومة التي تجمع ولا تفرّق. فالديمقراطية التي يدعو إليها أوباما- وإن كانت محمولةً «على ظهور الحمير» وتحميها المروحيات في أفغانستان، هي نفسها التي مورست في العراق تحت حماية الجيش الأمريكي، لأن بناة الديمقراطية لا يمكن أن يأتوا على دبابات الاحتلال الذي يفرض على الشعب تأييدهم بقوة السلاح أو بالتهديد بأن البديل هو الحرب الأهلية!.

إن الرهان على إدارة أوباما كمن يراهن على حفظ الماء في قربة مثقوبة، فأوباما اليوم على رأس إدارة تدير أكبر احتلال عسكري بالتاريخ، وهذا هو موطن ضعف الإمبراطورية الأمريكية الرئيسي، إذا أردنا أخذ العبر من التاريخ والذي يتجاهله البعض بسبب فقدان الإرادة السياسية وغياب الثقة بقدرات الشعوب وطاقاتها الجبارة على المقاومة والانتصار النهائي!.