عرفات: ثمة انقسام عمودي قديم داخل الإدارة الأمريكية

عرفات: ثمة انقسام عمودي قديم داخل الإدارة الأمريكية

وفي إجابته عن سؤال استهلالي يتعلق باستيضاح تصريحات د.قدري جميل بأن جولة جنيف المقبلة ربما تكون هي النهائية، قال عرفات: «انعقدت جولة لمؤتمر جنيف في 2014، وانعقدت جولات أيضاً في هذا العام، كانت تنطوي على إشكالات، أولاً بتمثيل المعارضة، وبالشروط المسبقة للمفاوضات. التوافق الروسي الأمريكي حل جملة من المشاكل. ولو عدنا قليلاً إلى مؤتمر جنيف فقد كانت تجري عملية الإفشال دائماً من خلال إسقاط الهدنة التي أعلنت في شباط الماضي. نتيجة توتر الوضع العسكري، احتج وفد الرياض في شباط ولم يذهب للمفاوضات بحجة الأعمال العسكرية. وبعد إعلان الهدنة اضطر في الجولة الثانية للذهاب للمفاوضات، وفي الجولة التي تلت ذهب وعلق مشاركته في المفاوضات وجمدها، ثم انسحب بحجة أن الوضع العسكري في حلب قد توتر. حلحلة هذه المشكلة التي أصبح جوهرها فصل الإرهابيين عن غير الإرهابيين يسمح بوجود هدنة ثابتة. ويوجد قرارات دولية واضحة المعالم تحتاج للجلوس على الطاولة للمناقشة والتطبيق. والمشكلة في الأزمة السورية أن الفرقاء لم يصلوا إلى هذه النقطة بعد، وهي تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 والوصول لحلول وسط».

 

 

وأضاف: «الاتفاقات الجارية الآن تحل جزءاً من المشاكل المتعلقة بوفد واحد، وبالشروط المسبقة أيضاً، ما يجعل لجولة جنيف المقبلة حظوظاً عالية بالنجاح، وأن تكون الجولة هي جولة الوصول للاتفاق وبالتالي هي نهائية وهذا المقصود».

المشكلة في التنفيذ..!

وحول كيف سيكون ذلك والرعاة غير متفقين على الأقل في الفترة الحالية، أجاب عرفات: «هناك اتفاق موقع (الاتفاق الروسي الأمريكي الأخير) وهو اتفاق من خمس أوراق، ولكن المشكلة في التنفيذ. وكما يتبين فإن هناك انقساماً عمودياً في الإدارة الأمريكية حول المسألة السورية. ولكن ليس بصفتها أزمة سورية، بل بصفتها نقطة اشتباك بين طرفين. وهذا الاشتباك في حال فضّه كما جاء في الوثائق فمآلاته ستفضي إلى تراجع أمريكي إضافي».

وعما إذا كان تظهير الخلافات الأمريكية مجرد شماعة لتسويف الحل في سورية، أكد عرفات أن: «الخسائر الأمريكية من ظهورهم منقسمين هي أكبر بكثير من تنفيذ الاتفاق، لأن ظهور الإدارة الأمريكية منقسمة يقلل من شأنها السياسي. وحلفاؤها سيتعاملون معها على أنها إدارة منقسمة وغير قادرة على حل المشاكل. وبالتالي أنا استبعد هذا الطرح. والانقسام هذا قديم ولم يعد بإمكانهم إخفاؤه. وهذا برز بشكل واضح بقصف جبل الثردة في دير الزور. ففيما كان الاتفاق الروسي- الأمريكي قد تم توقيعه، ويجري العمل على تنفيذه، تأتي ضربة عسكرية للقوات السورية تؤدي لوقف العمل بهذا الاتفاق. ولكن من يوقع الاتفاق يعني أنه يريد تنفيذه. وهذا ما سمح بالتقاط الانقسام، الذي سيتعمق لاحقاً وسيكون أحد أهم أسباب التراجع الأمريكي السريع على النطاق الدولي».

وحول ما إذا كان الخلاف بين البنتاغون والاستخبارات العسكرية الأمريكية كخلاف الصقور والحمائم، قال عرفات: «في أمريكا لا يوجد صقور وحمائم، كلهم صقور. جميعهم أولاد الإدارة الأمريكية الإمبريالية الاستعمارية النّهابة. لذلك تعبير صقور وحمائم يعطي انطباعاً خاطئاً. هناك من نسميهم نحن ممثلي الأوساط الأشد رجعية الذين يرون أن مصلحة أمريكا في وقف تراجعها بالوسائل العسكرية، والآخرون هم ليسوا ضد الشكل العسكري لأنهم حمائم سلام بل لأنه خاسر. ففي العمل العسكري الخسائر أكبر، وبالتالي هم لا يريدون الخسائر الأكبر.

الذي يحكم لا علاقة له بالرئيس..! 

وحول ما إذا كان المرشحَين لمنصب الرئاسة في الولايات المتحدة يمثلان التيارين المذكورين، قال عرفات: «يجب أن نتأكد من أن ما نراه حول المرشحَين هو بروباغندا. ثانياً : إذا كانت كلينتون من الحزب الديمقراطي، والحزب الديمقراطي هو الحاكم، بمعنى أن الإدارة القائمة الآن هي إدارة ديمقراطية وهي منقسمة، فحتى لو أتى الجمهوريون ستكون الإدارة مقسومة، أي أن الانقسام بين الإدارة الأمريكية هو ليس انقساماً بين هذا الحزب أو ذاك، هو انقسام بين جناحين، ومؤسسات هذين الجناحين موجودة في الأحزاب الأمريكية كلها، وخصوصاً بين الحزبين الأساسيين».

وأوضح عرفات: «جوهر المسالة في الإدارة الأمريكية أن الذي يحكم لا علاقة له برئيس الجمهورية، فمرةً يعينون ممثلاً (ريغان) ومرة شاباً اسمه (كلينتون) ومرة شخصاً من أصول أفريقية (أوباما)، والآن امرأة لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. هم يأتون بنجوم لمنصب الرئاسة، وهذا لا علاقة له بالسياسة. الذي يحكم هي مؤسسة غير منظورة وهي أجهزة الدولة والمخابرات. و100 عائلة هي من تملك الثروة في أمريكا ومنهم : (روتشيلد- روكفلر- مورغان- كينيدي)، هذه العائلات الأساسية التي تملك السلطة وتحكم، والباقي هم موظفون لدى هذه العائلات».

معاني «ضرب النصرة»...!

وحول ما غاية موسكو من نشر أوراق اتفاقها مع واشنطن وما الذي يخيف الأخيرة بهذا الشأن قال عرفات: «حديث بوتين طبّق، وهو قال أن أمريكا كشفت عن مقاطع مبتسرة، والمقاطع غير الكاملة تعطي انطباعاً خاطئاً لذلك اضطر الروس لأن ينشروا الاتفاق. وما يزعج الأمريكيين أنهم أخذوا على عاتقهم فصل جبهة النصرة عن التنظيمات المعتدلة بحسب تعريفها، وثانياً وافقت على توجيه ضربات للنصرة وللأطراف التي تخرق الهدنة على اختلافها.

توجيه ضربة للنصرة يعني توجيه ضربة للقوة الرئيسية للقوى المسلحة الإرهابية، وثانياً: يعني قطع الطريق على الأطراف التي تريد أن تعرقل الاتفاق السياسي، وثالثاً: تحييد أدوار الدول الإقليمية في المسألة السورية التي كانت تحاول أن تمارس ضغطها عبر هذه الأدوات (المسلحين– نسف الهدن)، وهذه المسألة مزعجة لحلفاء الأمريكيين ولذلك كانوا يتحفظون على نشرها.

وبخصوص على ماذا تعول أمريكا من وراء هذه الزوبعة كلها، قال عرفات: «الأزمة السورية ستذهب إلى حل، وهي وصلت إلى ذروتها عملياً وبدأت بالانخفاض، والأمريكيون يعون ذلك، وعلى هذا الأساس وُقع الاتفاق. ولكن هناك أطرافاً أمريكية تمانع الاتفاق. ومن لا يريد الهدنة مصلحته أن تبقى الأمور متوترة ليحقق حسب اعتقاده بالوسائل العسكرية نتائج أفضل. وحسابات هؤلاء ليست صحيحة».

أوهام.. وحروب من نوع آخر..!

وأضاف أنه للآن يوجد من يتمسك بالأهداف الأمريكية الأولية تجاه سورية، ويبقى يتحدث عن نصر عسكري، وقال: «عملياً هذا لا يزال يتخيل أن القوى لدى هذا الطرف وحلفائه قادرة على تحقيق هذا الهدف. يعني أنه لا يرى اللوحة بشكل جيد إلى الآن. واليوم يوجد هناك بعض السياسيين السوريين الذين يطالبون الولايات المتحدة بتغيير سياستها مفترضين أن الولايات المتحدة لديها الإمكانية لتحقيق ما يريدونه، والذي كانوا موعودين به. لم ينتبهوا إلى الآن، ولم يقتنعوا، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة على تحقيق هذه المسائل. وهذا موجود حتى لدى دول إقليمية. وهناك من ينتظر الإدارة الأمريكية الجديدة على أمل أن هذه الإدارة سيكون لديها تغييرات بالاتجاه السياسي العام وبالتوجهات العامة. وهم يراهنون على الإدارة الجديدة التي لن تغير سياساتها سواء جاءت إدارة ديمقراطية أم جمهورية لأنه في النهاية يوجد ميزان قوى. يعني لو كانت هذه الإدارة قادرة على تحقيق نصر عسكري في سورية هل كانت لتتوانى؟ كلا، وبالتالي هي تعلم أنها ليست قادرة، وثانياً: مثل هذا السلوك سيؤدي إلى تصعيد كبير يمكن أن يودي بالمنطقة وبالعالم إلى صدام كبير وممكن أن نذهب إلى حرب عالمية من العيار الثقيل».

لا أفق غير الحل السياسي

وحول لماذا لا تضغط موسكو وواشنطن على الأطراف الإقليمية والمحلية الموالية لكل منهما بغية تهدئة الصراع وحله سياسياً بالمحصلة كما هي الحال مع أوراق الاتفاق الخمس أو مع 2254، أكد عرفات: «هذا هو جوهر الحل السياسي. يعني الاتفاق الروسي- الأمريكي زائد القرارات الدولية. القرار 2254 يوافق عليه المجتمع الدولي(..) أي أنهم قطعوا ثلاثة أرباع الطريق، والحل مصاغ، والعرقلة الآن تتعلق بالذهاب إلى التنفيذ».

وحول كيف يقرأ سياسياً الأيام والشهور القليلة القادمة بعد اتضاح الإدارة الأمريكية الجديدة وربما انتهاء عملية حلب قال عرفات: «الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، ولا يوجد حل آخر. وعلى الأقل بالتصريحات أصبحت الأطراف جميعها تتحدث به: السوريون والدول الإقليمية والمجتمع الدولي. من يتابع التصريحات يرى أن الجميع يقول أن الأزمة السورية لا حلاً عسكرياً لها، وليس لها إلا الحل السياسي. هذه تصريحات، أما القناعات فقد تختلف بمستوياتها. ولكن الأفق هو الحل السياسي. ثانياً: أنا أنصح بعدم أخذ موضوع الإدارة الأمريكية بعين الاعتبار أبداً، لأن مواقف الولايات المتحدة الأساسية والاستراتيجية لا تتأثر بتغير الرؤساء».

ورداً عن سؤال هل سيعود التوافق الروسي الأمريكي من جديد، أجاب عرفات: «التوافق الروسي- الأمريكي على النطاق الدولي وفي الأزمة السورية هو حالة موضوعية إجبارية. يعني سيتم، لأنه إذا لم يكن هنالك توافق، فماذا سيكون؟ حرب، والحرب ليست لعبة، وبالتالي هذا التوافق هو حالة لا بد منها. الطرفان مجبوران عليها لأن البديل ليس جيداً لأي أحد، وحرب هؤلاء ليست مثل أية حرب».