صيانة وحدة الحزب وتحاشي الانشقاقات

بالرغم من أن الانقسامات في الأحزاب الشيوعية وغيرها من الأحزاب أصبحت ظاهرة عامة، إلا أن ما تعرض له الحزب الشيوعي السوري من انشقاقات كثيرة ربما يكون مردها بالدرجة الأولى للموقع الاستراتيجي الذي تحتله سورية، ولدورها الريادي في نشر الأفكار اليسارية، مما جعلها محط أنظار قوى الإمبريالية والرجعية، دون إهمال بقية العوامل من ضغط العقلية البرجوازية الصغيرة، وضعف العمل الفكري، ومحاولات السيطرة على الحزب. ويمكن إجمال هذه الانقسامات على التوالي بأعوام 1972، 1979، 1986، 2000 ومازال حبل انقسامات بعض هذه الفصائل على الجرار مما أدى إلى شلل الحزب وتمزق منظماته وبالتالي أصبح عاجزاً عن تأدية الدور الوظيفي المنوط به.

كيف يحصل الانشقاق:

إن الخلافات الكبيرة تنشأ أحياناً من أصغر الخلافات، فإن كل جرح تافه أو حتى كل خدش يصاب به كل إنسان في حياته عشرات المرات من شأنه أن يتحول إلى مرض فادح الخطر.

بهذا الشكل يعرض لينين منشأ الانقسامات، ويحدد أسبابها بما يلي:

1 ـ وجود منتسبين للأحزاب الشيوعية لا يستوعبون سوى بعض جوانب الماركسية.

2 ـ الطابع الديالكتيكي للتطور الاجتماعي.

ثمة أناس أو جماعات يحولون هذه الميزة أو تلك من التطور الرأسمالي إلى نظرية وحيدة الطرف إلى نهج تكتيكي وحيد الطرف.

3 ـ تكتيكات الطبقات الحاكمة بوجه عام:

فلو أن تكتيك البرجوازية كان دائماً وحيد الشكل أو كان دائماً على الأقل من النوع نفسه لتعلمت الطبقة العامة بسرعة أن ترد إلا أن برجوازية جميع الأقطار تصوغ حتماً في الواقع نهجين للحكم دفاعاً عن مصالحها.

الأسلوب الأول: رفض كل تنازل للحركة العمالية ودعم جميع المؤسسات القديمة البائدة.

الأسلوب الثاني: أسلوب الليبرالية، أي تقديم بعض التنازلات والقيام ببعض الإصلاحات البرجوازية لا بدافع الصدقة ولا بدافع حساب سيىء النية يقوم به بعض الأشخاص، بل بدافع التناقض الأساسي في وضعها بالذات، وإذ ينخدع البعض بتنازلات ظاهرية مما يؤدي إلى خلاف حول التكتيك الواجب تطبيقه تجاه هذه المسألة أو تلك ويؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى خلق تكتل ومن ثم إلى الانشقاق السافر.

ما هي سمات التكتل:

إن التكتل هو الوحدة الاسمية «فالجميع من حزب واحد في القول».

ولكنها مجزأة فعلياً بشكل مجموعة مستقلة عن الأخرى بالفعل وتدخل في مباحثات واتفاقات فيما بينها كدول ذات سيادة، ولذلك فإن لينين أكد وجود التكتل عند تحقيق علامتين جوهريتين له هما:

1ً ـ الاعتراف الاسمي بالوحدة.

2ً ـ الانعزال عملياً في جماعة واحدة.

من هم الحزب ومن هم الكتلة:

إن لينين يحسم هذه المسألة على الشكل التالي:

«حيث التفت أكثرية العمال الواعيين حول قرارات دقيقة وواضحة تكون وحدة الآراء والأعمال وتكون الحزبية والحزب» لينين ضد الانتهازية وضد التروتسكية ص277.

ولذلك فإن الحزب ليس يافطة أو مكتباً كما أنه بالتأكيد ليس قطعة أثاث ثمينة تورث.

ولصيانة وحدة الحزب يرفع لينين الشعار الحازم المزيد من النور ليعرف الحزب كل شيء لتقييم الخلافات.. المزيد من الثقة باستقلال رأي جمهور العاملين الحزبيين فهم وحدهم يستطيعون أن يخمدوا همة الفريقات الميالة إلى الانشقاق، ويضيف «لا تخفوا عن الحزب الذرائع الناشئة والمتعاظمة للانشقاق، وقدر الإمكان عن الجمهور من خارج الحزب فالعلنية الواسعة تلك هي أصح وسيلة والوسيلة الوحيدة المأمونة لأجل تحاشي الانشقاقات.

أهم الصعوبات التي تعترض طريق الوحدة:

1 ـ إن من يزعم نفسه حزباً لا يقبل بأي حوار أو اتفاق مع الذين خرجوا متذرعاً بالمبدئية وعند مراجعة كراس لينين ضد الانتهازية وضد التروتسكية ص285 يقول: «ولكن الاتفاقات مع هذه الجماعة الخارجة عن الحزب أمر جائز»...الخ.

2 ـ إن قيادات الحزب التي استكانت للمكاسب واستمتعت بالجاه والنفوذ تضع العصي في العجلات بطريق الوحدة وترى فيها تهديداً جدياً لهذه المكاسب.

3 ـ إن من يزعم نفسه حزباً لا يرى إلا شكلاً واحداً للوحدة ألا وهو طريق الابن الضال، والسخرية من الدعوات التي تقول بجواز حصول الوحدة من القواعد، متجاهلة قول لينين: «إذا كان المقصود وحدة ماركسية فعلاً فإننا ندعو إلى تلاحم جميع قوى الماركسية إلى الوحدة من القاعدة إلى الوحدة في النشاط العملي». لينين كتاب ضد الانتهازية والتروتسكية ص265.

4 ـ التحجر الفكري والجمود العقائدي لدى بعض الشيوعيين الذين يرفضون أي نوع من الحوار.

5 ـ تعامل الفصائل الشيوعية مع بعضها البعض كدول ذات سيادة ومتعادية.

إنه من الممكن والواجب العمل بلا كلل أو ملل من أجل وحدة جميع الشيوعيين لأن هناك مهاماً جساماً تنتظر منهم حلها، لاسيما وأن كل الأحداث تؤكد تسارع العدوان الأمريكي الصهيوني على منطقتنا وبلادنا، وأعتقد بأنه آن الأوان لأن نتوقف عن النظر إلى بعضنا البعض من خلال مرآة مكسورة.

■ المحامي بديع بنود

آخر تعديل على الجمعة, 11 تشرين2/نوفمبر 2016 12:47